وعلت ضوضاؤها، وهتف الراعي بأحد غلمانه فأمره أن يحضر واحدا من أسمنها لعشاء الضيف ولعشاء الرعاة؛ «أفما تستحق واحدا منها ما تلتهم بطون غيرنا الذين ينعمون بثمار كدنا ونصبنا؟»
وجيء بخنزير جسد، وأججت النيران واتقد الجمر، وصلى يومايوس للآلهة، ودعا لمولاه بالخير وتمنى له العود؛ أحمد العود، ثم أهوى بشاطوره على عنق الحيوان فخر يتلبط في دمه، وسلخوه بعد ذلك، وهم به يومايوس فقطعه ووضع إرب اللحم على صبغ الشحم، ونثر من الدقيق على كل ذلك، ووضع الجميع في الجمر، وكلما نضج شيء وضعه الغلمان على المائدة، حتى إذا فرغوا تولى الراعي العجوز توزيع الأنصبة، فجعل لابن مايا
7
سبعة أسهم، ولعرائس الماء سهما واحدا، وجعل لكل من عماله نصيبه بعد أن أتحف أوديسيوس بأجزل الأنصبة جميعا، ثم كان يمده بعد ذلك بإمدادات جمة؛ مما أطلق لسانه له بالشكر وعليه بالثناء، ورد عليه الراعي في أدب وافر: «إن الله هو مانح كل شيء، يعز من يشاء ويذل من يشاء، ويعطي ويسلب، له الملك لا شريك له.» ثم أدوا صلاتهم الخمرية فأهرقوا المدامة للآلهة، وكذلك صنع أوديسيوس، وهم ميسولوس مولى يومايوس وخادمه الذي اشتراه بماله، فوزع الخبز، ولبث يخدم ويسقي، ويجيء ويروح، حتى إذا فرغوا نظف المائدة وأعاد كل شيء إلى مكانه، وانصرف القوم إلى مضاجعهم ليناموا ليلة ليلاء ممطرة شديدة القر، عظيمة البرد، ونام أوديسيوس قريبا من مضيفه، ولم يكن عليه من الغطاء ما يقيه هول القرس،
8
فلفق هذا الحديث للراعي الشيخ ولمن نام معه من عماله: «لله ما تصنع خمركم بالألباب يا قوم! لقد أوشكت أهذي وأنتفض وأملأ شدقي بالضحك! ولولا هذا القر لقمت فرقصت، ولكنني محدثكم حديثا من أحاديث الشباب فيه هذيان وفيه ثرثرة، وفيه من حميا سلافكم ما فيه، ألا ما أحلى أيام الشباب وما أروعها لو رجعت! إن لها لصدى في نفسي يتردد، وإني ما عشت لن أنسى تلك الليلة القارسة الشاتية التي قضيتها في صدر الشباب وريعان الصبا مع صديقي أوديسيوس ومنلوس في كمين تحت أسوار طروادة، في مستنقع آسن ذي قصب، ترقب من عدونا فرصة تظفرنا به وتنصرنا عليه، مقنعين في الحديد والزرد، صابرين لما يصفعنا به بوريس
9
من ريح عاتية وبرد، ويسفعنا به من قر وبرد حتى انعقد الصقيع على دروعنا، وكدت أنا أجمد ويجمد الدم في عروقي؛ لأني وا أسفاه استهنت أول الأمر بما أنذرت به الحال من هذا المآل، فخرجت في عدتي وسلاحي، ولم ألبس معطفي ولم ألتفع ربطتي،
10
بينما قد احترز رفاقي فتدثروا بكل ثقيل، وخفت أن أصبر لهذا البرد فتكون القاضية، فهتفت بأخي أوديسيوس: «أدركني يا ابن ليرتس النبيل، فقد أشفيت على الهلاك من ذلك الزمهرير، أدركني بأربابك؛ فإني قد استخففت بالفصل الذي نحن فيه فلم أحضر معي معطفا، ويكاد يقتلني البرد ويهرؤني الصقيع.» وأسكتني أوديسيوس خشية أن يسمعنا أحد فلا نفلت من الموت، وقال لرفاقه: «أيها الإخوان، رأيت رؤيا بودي لو يذهب أحد إلى أجاممنون فيطلب لنا مددا؛ فلقد بعدنا عن الأساطيل، ولسنا بخير لما ترون من قلتنا.» وانبرى لها أندريمون فخلع معطفه وأطلق ساقيه للريح، وأشار أوديسيوس الخبيث إلي، فلبست المعطف واستدفأت به وحمدت الآلهة، «أفليس فيكم أيها الأجاويد رجل رشيد فينزل لي عن معطفه أتقي به هذا البرد الشديد وأنا في مثل سني وأنتم في ميعة شبابكم؟ ألا تفعلون! لتكن لكم هذه اليد علي تفضلا أو تأدبا؟» وقال يومايوس يجيبه: «لا عليك يا ضيفنا العزيز؛ إنك لن تشكو بردا ولا تقصيرا عندنا، وليس لدى كل منا إلا دثاره وصداراه ومعطفه، وليس لدينا منها كثير نباهي به، ولسوف يعود تليماك ابن سيدنا ومولانا فيخلع عليك من الملابس ما يسرك ويبهجك، ولكن رويدا فسأكفيك عادية القر برغم هذا، وبرغم ما غمزت في حديثك ولمزت.» ثم نهض فجمع شيئا كثيرا من فراء الغنم وجلد الماعز، فجعله ركاما بالقرب من المدفأ، ثم جعل عليها ظهارة
অজানা পৃষ্ঠা