192

ما إن قال هذا، حتى سقط مستلقيا على قفاه، وانحنى عنقه الغليظ مائلا، وقد تملك منه النوم، الذي يقهر الجميع، ومن حلقه تدفقت الخمر وقطع من الحم البشر؛ إذ تقيأ في نومه الثمل. عندئذ وضعت الوتد تحت الرماد العميق، حتى حمي الوتد وغدا شديد السخونة، وشجعت جميع رفاقي بألفاظ مفرحة، حتى لا يرتجف أحدهم ذعرا وهلعا. وما كاد وتد خشب الزيتون يشتعل؛ لأنه كان أخضر، وبدأ يتوهج بعنف، حتى اقتربت وأخرجته من النار، ووقف زملائي إلى جانبي، وبث فينا أحد الأرباب شجاعة بالغة. لقد أمسكوا بوتد الزيتون المدبب الطرف، ودفعوه في عينه، بينما ارتميت أنا بثقلي عند طرفه، وأخذت أديره، وكما يثقب المرء أخشاب السفينة بالمثقاب، بينما يحافظ من يمسكون بالمثقاب من أسفل بواسطة السير، على استمرار دورانه، ويظل المثقب يدور دون توقف. هكذا أمسكنا بالوتد الناري الطرف، وأدرناه في عينه، وتدفق الدم حول القضيب المحمي، وألهبت النيران جفنيه وحاجبيه من حول المقلة المحترقة، التي طقطقت جذورها في النار. وكما يغمس الحداد فأسا ضخمة أو بلطة في الماء البارد، وسط الفحيح العالي، ليقسيها - إذ بهذه الطريقة يستمد الحديد قوته - هكذا أيضا راحت عينه تفح حول وتد خشب الزيتون، فأخذ العملاق يطلق الصراخ عاليا مدويا بفظاعة، وطن الصخر من كل جانب، وإذ استولى علينا الفزع والذعر، وانكمشنا في ناحية، بينما أخرج هو الوتد من عينه، وكان ملطخا كله بالدم، وقذف به بعيدا وصار يلوح بذراعيه بوحشية. وبعد ذلك أخذ ينادي الكوكلوبيس القاطنين حوله في الكهوف وسط المرتفعات الشديدة الرياح، فسمعوا صياحه وهبوا لنجدته من كل حدب وصوب، ووقفوا حول كهفه يسألونه ماذا يؤلمه بقولهم: «ماذا يؤلمك يا بولوفيموس

، حتى تصرخ هكذا عاليا في بهيم الليل الخالد، وتقض مضاجعنا؟ أتجاسر إنسان ما على أن يسرق قطعانك، ويأخذها بعيدا ضد إرادتك، أم يقتلك بالحيلة، أو بالقوة؟»

فأجابهم بولوفيموس العتيد، من داخل المغارة، بقوله: «يا أصدقائي لا أحد يقتلني بالحيلة ولا بالقوة.»

فردوا عليه جميعا، بعبارات قاسية،

10

فقالوا: «طالما لا أحد يستعمل معك القوة في وحدتك، فإن المرض الآتي من لدن زوس العظيم، لا سبيل لك إلى الفرار منه. إذن يجب أن تصلي إلى أبينا، السيد بوسايدون.»

قالوا ذلك القول وانصرفوا إلى حال سبيلهم، بينما ضحك قلبي في داخلي؛ إذ خدعهم اسمي وخطتي الموضوعة بمكر ودهاء، إلى ذلك الحد. بعد ذلك صار الكوكلوب يتلمس حوائط الكهف بيديه، وهو يتأوه ويتوجع حتى بلغ الباب، فأزاح الصخرة، وجلس بنفسه عند الباب باسطا ذراعيه، أملا في أن أي واحد منا قد يحاول الخروج مع الخراف - بمنتهى الغباء - لأنه في الحقيقة، كان يأمل في قرارة نفسه أن يعثر علي، ولكني دبرت خطة لإنجاز كل شيء على أتم وجه، راجيا أن أوفق إلى خطة ما للهرب من الموت، أنا وزملائي، فأخذت أقدح الفكر سعيا وراء كل سبل الحيلة والرأي السديد، كما يفعل المرء إزاء مسألة حياة أو موت؛ لأن الشر المحدق بنا كان عظيما، فوفقت إلى خطة، بدت لي خير فكرة. كانت هناك كباش سمينة غليظة الجزة، حيوانات رائعة وكبيرة، ذات صوف أدكن كالبنفسج، فربطت هذه مع بعضها، في سكون، بأغصان الصفصاف المجدولة، التي كان ينام عليها الكوكلوب، ذلك الوحش ذو القلب المؤمن بالتمرد والعصيان، فكنت أربط كل ثلاثة كباش سويا، يحمل أوسطها رجلا، بينما يسير الكبشان الجانبيان، كل واحد منها إلى جانب، منقذين رفقائي. وهكذا حمل كل ثلاثة خراف رجلا، أما فيما يختص بنفسي، فقد كان هناك كبش ضخم، هو خير ما في القطيع كله، فأمسكته من ظهره، وبسطت نفسي أسفل بطنه الأشعث، جاعلا وجهي إلى فوق، وبقلب ثابت جريء، تعلقت بشدة بيدي في جزته العجيبة، وهكذا بقينا، بالنحيب ننتظر قدوم الفجر اللامع.

هروب أوديسيوس بخديعة الكباش

ما إن لاح الفكر الباكر، ذو الأنامل الوردية، حتى أسرعت ذكور القطيع خارجة لترعى، بينما شرعت الإناث تثغو حول الحظائر دون أن يحلبها أحد؛ إذ كانت ضروعها منتفخة، وسيدها يتلظى حزنا بآلامه المبرحة، فراح يتحسس ظهور جميع الخراف وهي تمر أمامه، ولكن لحماقته، لم ينتبه إلى أن رجالي كانوا مربوطين أسفل صدور كباشه الغزيرة الصوف. وآخر جميع القطيع، خرج الكبش المحمل بثقل جزته، وبشخصي الماكر، فلما تحسس بولوفيموس ظهره تحدث إليه قائلا: «يا هذا الكبش الكريم، لماذا بربك تخرج هكذا من الكهف آخر القطيع؟ ما كان من عادتك أن تبطئ في الخروج وراء سائر الخراف، بل كنت دائما أول من يرعى النبت الغض من الحشائش، سائرا بخطى واسعة، وكنت أول من يصل إلى مجرى النهر المائي، وأسبق من كان يتوقد لهفة إلى العودة إلى الحظيرة في المساء. أما الآن فإنك آخر الجميع. لا شك أنك حزين على عين سيدك، التي أعماها رجل شرير، هو وأعوانه الأشقياء ، بعد أن تغلب على حصافتي بالخمر، إنه لا أحد، الذي أؤكد لك أنه لم ينج بعد من الهلاك. آه! لو كنت فقط، تستطيع أن تحس كما أحس، أو لك القدرة على الكلام لتخبرني أين يتوارى هو من غضبي، إذن لحطمت مخه، وجعلته يتدفق على الأرض في كل مكان هنا وهناك، في شتى أنحاء الكهف بعد أن أشبعه ضربا. وعندئذ كانت تزول المحن التي أنزلها بي هذا اللاأحد، العديم النفع، وتخف عن قلبي.»

بعد أن انتهى الكوكلوب من كلامه ذاك، نحى عنه الكبش. وما إن ابتعدنا قليلا عن الكهف وصحنه، حتى خليت نفسي أولا عن الكبش، ثم فككت زملائي وأطلقت سراحهم، وبسرعة سقنا تلك الأغنام الطويلة السيقان والممتلئة بالدهن، ونحن نتلفت كثيرا حولنا، حتى وصلنا إلى السفينة. كانت رؤيتنا موضع ترحيب من زملائنا الأعزاء الذين سرهم أن يرونا وقد نجونا من الموت، ولكنهم بكوا على فقد الآخرين. غير أنني لم أدعهم طويلا في البكاء، بل أمرت كل رجل، وأنا مقطب الأسارير أن يسرع بوضع الأغنام على ظهر السفينة، تلك الخراف الكثيرة العدد، ذات الجزات العظيمة، حتى نسرع بالإبحار عبر الماء الملح؛ وعلى ذلك صعدوا بسرعة، وبعد أن أخذوا مجالسهم في نظام، شرعوا يضربون البحر السنجابي بمجاذيفهم. وما إن صرت على مدى سماع صوت المرء وهو يصرخ، صحت إلى الكوكلوب بألفاظ ساخرة أقول: «أيها الكوكلوب، يبدو أن ذلك الرجل لم يكن ضعيفا، هذا الذي كان في نيتك أن تلتهم رفقاءه بالقوة الغاشمة في كهفك الفسيح. ما من شك في أن أعمالك الشريرة قد حاقت بك ونزلت فوق رأسك أيها الشقي الفظ، الذي لم تتورع في أن تأكل ضيوفك داخل بيتك؛ ولذلك فقد انتقم منك زوس والآلهة الآخرون.»

অজানা পৃষ্ঠা