قال هذا، فبلغت أرواحنا التراقي، من داخل صدورنا، فزعا وهلعا من صوته المنكر وحجمه المهول، ولكن رغم ذلك، أجبته بقولي: «يجب أن تعلم أننا من طروادة، وأننا من القوم الآخيين، ساقتنا جميع صنوف الرياح عبر هوة البحر العظيمة، ونحن نجد في العودة إلى وطننا، فسلكنا طريقا غير طريقنا، وأبحرنا عبر ممرات غير ممراتنا، وفي اعتقادي، أن زوس كان مسرورا من خطته تلك. كما أعلن أننا رجال أجاممنون بن أتريوس
Atreus ، الذي طبقت شهرته الآفاق، وغدت أقوى شهرة تحت السماء، ويا لها من مدينة عظيمة تلك التي خربها، وجندل قوما كثيرين! أما نحن، فإذ نزورك هكذا، قد جئنا كمتضرعين إلى ركبتيك، أملا في أن نحظى بكرمك، أو بالأحرى، أن تقدم لنا هدية ما عملا بواجب ضيافة الغرباء. هيا، أيها البالغ القوة، بجل الآلهة؛ فنحن طالبو عطفك، وإن زوس هو المنتقم للمتضرعين والأغراب - زوس، إله الغرباء - الذي يتولى على الدوام خدمة الأغراب المبجلين.»
ما إن قلت هذا، حتى أجابني بفظاظة وغلظة قلب، فقال: «أأنت أحمق أيها الغريب، أم أنك قدمت من بلد قصي؛ إذ أراك تأمرني، إما بالخوف وإما باجتناب غضب الآلهة؟ إن الكوكلوبيس لا يهابون زوس، حامل الترس، ولا الآلهة الخالدين؛ إذ إننا أفضل منهم بكثير؛ وعلى ذلك فلن تفلت مني، أنت ولا أي من رفاقك، لكي أتحاشى غضب زوس، إلا إذا أمرني قلبي، ولكن خبرني: أين أرسيت سفينتك المتينة الصنع عندما قدمت إلى هنا؟ أكان ذلك مصادفة عند مكان قصي من البلاد، أم في موضع قريب؟ إن لي رغبة في معرفة ذلك.»
هكذا تكلم، قاصدا إغرائي، بيد أنه لم يوقع بي، بسبب دهائي العظيم، فأجبته ثانية، بألفاظ ماكرة، قائلا: «إن سفينتي، قد حطمها بوسايدون، مزلزل الأرض، إلى أشلاء، قاذفا بها إلى فوق الصخور عند تخوم بلادك؛ إذ دفع بها قريبا من اليابسة، وجرفتها الريح من البحر إلى الداخل، غير أنني نجوت، مع هؤلاء الرجال، من الهلاك الشامل.»
العملاق يتعشى باثنين من رجال أوديسيوس
قلت هذا، ولكنه لم يجب، من قسوة قلبه، وإنما وثب، وانقض على رفاقي، وأمسك في الحال اثنين منهم، وقذف بهما إلى الأرض كالدمى، فتدفق المخ خارج رأسيهما على الأرض فبللها، ثم قطعهما جزءا جزءا، وأعد منهما عشاءه. وهكذا التهمهما كما لو كان أسدا يسكن الجبال، غير تارك منهما شيئا - فقد التهم الأحشاء، واللحم، والعظام ذات النخاع - فلما رأينا عمله البشع ذاك، بكينا ورفعنا أيدينا إلى زوس، واستولى الفزع
8
على نفوسنا. وبعد أن ملأ الكوكلوب معدته الضخمة، بالتهام لحوم البشر، وعب اللبن الصافي، استلقى داخل الكهف، ممددا وسط الخراف. وعندئذ فكرت في قرارة نفسي، أن أتسلل إلى جواره وأستل سيفي البتار من جانب فخذي، وأهوي به على صدره، حيث يقع الكبد داخل عضلة الحجاب الحاجز، متحسسا الموضع بيدي، غير أن فكرة ثانية منعتني من تنفيذ هذه الخطة؛ إذ لا بد بعد ذلك أن نهلك نحن أيضا؛ فليس في مقدورنا أن نزيح الصخرة الضخمة بأيدينا من أمام الباب، تلك الصخرة التي وضعها هناك؛ وعلى ذلك بقينا ننتحب منتظرين الفجر اللامع.
العملاق يفطر برجلين آخرين
ما كاد الفجر الباكر، ذو الأنامل الوردية، يلوح حتى نهض العملاق، وأشعل النار، وحلب قطعانه العظيمة، كلا بدوره، ووضع صغير كل أنثى تحتها. وبعد أن انتهى من إنجاز أعماله تلك، انبرى، وأمسك من جديد برجلين، وأعد منهما وجبته في الحال. وبعد أن فرغ من طعامه، ساق قطعانه السمينة إلى خارج المغارة، وأزاح صخرة الباب الضخمة في يسر، ثم أعادها مكانها ثانية، كما يضع المرء الغطاء فوق الجعبة. وبصفير مدو، ذهب الكوكلوب بقطعانه السمينة صوب الجبل، بينما بقيت أنا هنا في الكهف، أدبر الشر في قرارة نفسي، حتى أنتقم منه بأية وسيلة، وقد منحتني أثينا المجد.
অজানা পৃষ্ঠা