129

إذ تحركت الشفقة في قلبها نحوي، أكثر من أي إله آخر، فالتقت بي وأنا أتجول وحدي بعيدا عن رفاقي، الذين كانوا يهيمون على وجوههم باستمرار في الجزيرة يصطادون السمك بالصنانير المعقوفة؛ إذ برح الجوع ببطونهم، فاقتربت مني، وتحدثت إلي قائلة: «ألست، أيها الغريب غاية في الحمق، وخمول الفهم، أم أنك تتلكأ قصدا، بمحض إرادتك، وتجد لذة في مقاساة الآلام؟ إن لك مدة طويلة جدا، وأنت محجوز في هذه الجزيرة لا تستطيع أن تجد أي مخرج للخلاص،

18

بينما تزداد قلوب أصحابك وهنا على وهن.»

هكذا تكلمت، فأجبتها قائلا: سوف أفصح وأخبرك مهما كانت درجتك بين الربات؛ فإنني لست محبوسا هنا، بمحض رغبتي قط، بيد أنني لا بد أن أكون قد أخطأت في حق الخالدين، الذين يحتلون السماء الفسيحة الأجواز، ولكن هل يمكنك أن تخبريني؛ لأن الآلهة تعرف كل شيء من الآلهة يقيدني هنا، وقد منعني المضي في طريقي؟ وحدثيني عن عودتي، وكيف يمكنني أن أعبر ذلك الخضم الزاخر.

هكذا، قلت لها، وفي الحال أجابت الربة الفاتنة، بقولها: إذا كان الأمر كذلك، فحقا، سأخبرك، أيها الغريب، في صراحة، بكل شيء. هناك رغبة في أن يأتي إلى هنا عجوز البحر المعصوم من الخطأ، الخالد بروتيوس المصري، الذي يعرف قرار كل بحر، وخادم بوسايدون. إنه كما يقولون، أبي الذي أنجبني، فإذا أمكنك، بطريقة ما، أن تكمن له وتقبض عليه، فإنه سوف يخبرك عن طريقك، وعن طول المسافة التي ستقطعها في رحلتك، وعن عودتك، وكيف تستطيع الإبحار عبر الخضم الزاخر، كما أنه سوف يخبرك، يا سليل زوس، لو شئت، عما حدث في ساحاتك من خير أو شر، وأنت غائب في طريقك الطويل المفجع.

هكذا تكلمت الربة، فأجبتها بقولي: وهل تتفضلين الآن، بأن تضعي لي خطة أكمن بها في انتظار ذلك العجوز المقدس، خشية أن يراني قبل أن أمسك به ، أو ينتبه لغرضي فيتحاشاني؛ إذ من الصعب على إنسان أن يسيطر على إله .

ما إن قلت هذا، حتى قالت الربة الجميلة: إذن، حقا، أيها الغريب، أقول لك كل شيء في صراحة. عندما تصل الشمس إلى كبد السماء، يتلهف عجوز البحر، المعصوم من الخطأ، إلى الخروج من البحر عندما تهب الريح الغربية، مختفيا وسط الأمواج القائمة، وعندما يظهر، يستلقي في الكهوف الخاوية لينام، ومن حوله تنام عجول البحر، سلالة ابنة البحر الحسناء، في جموع كثيرة بعد أن تخرج من المياه السنجابية. وما أمر الرائحة التي تتنفسها هذه من أعماق البحر! فعندما يبزغ الفجر، سآتي وأقودكم إلى هنا، وأجعلكم ترقدون جميعا في صف؛ لأنه يجب عليك أن تختار ثلاثة من رفاقك، وتنتقيهم بعناية، من خيرة من تختارهم في سفنك المتينة المقاعد. وسوف أخبرك بجميع حيل ذلك العجوز السحرية. في أول نزوله إلى الجزيرة، سوف يعد العجول، ويحصيها، وعندما يأمرها بالانصراف جميعا، خمسة خمسة، ثم ينظر إليها وهي تأخذ أماكنها، يذهب وسطها ويرقد، كأنه راع وسط قطعان الأغنام، فما إن تبصرونه قد رقد ليستريح حتى تتشجعوا وتملئوا قلوبكم بالقوة والجرأة، فتنقضوا عليه، وتمسكوا به هناك، رغم مقاومته وما يبذله من جهد جهيد للفرار؛ لأنه سوف يحاول الإفلات منكم، وسوف يتشكل بهيئة جميع الأشياء التي تتحرك على ظهر البسيطة، وفي الماء، وبهيئة النار المستعرة العجيبة، ولكن بالرغم من كل ذلك، يجب عليكم أن تمسكوا به دون أي تراخ، وتضاعفوا من قبضتكم عليه أكثر فأكثر. وأخيرا، عندما يبدأ الكلام من تلقاء نفسه، وهو في الصورة التي رأيته عليها وهو راقد ليستريح، ويسألك ماذا تريد، عندئذ، أيها البطل، كف عن القبض عليه، وأطلق سراحه، واسأله عمن من الآلهة غاضب منك، وكذا عن طريق عودتك، وكيف يمكنك أن تبحر عبر اليم الفسيح.

ما أن انتهت الربة من حديثها ذاك حتى قفزت تحت أمواج البحر الصاخب، أما أنا فذهبت إلى حيث كانت تقف سفني فوق الرمال، وأخذ عقلي يفكر في أمور كثيرة غامضة، في أثناء ذهابي إلى هناك . غير أنه بعد أن هبطت إلى السفينة، وإلى البحر، وأعددنا عشاءنا، ولفنا الليل السرمدي، استلقينا لنستريح فوق شاطئ البحر، وما كاد الفجر المبكر الوردي الأنامل يهتك حجاب الظلام،

19

حتى انطلقت أسير بطول شاطئ البحر، الفسيح الطرقات، وأنا أصلي إلى الآلهة في حماس، وقد صحبت ثلاثة من رفاقي، كنت أثق بهم غاية الثقة في كل مغامرة.

অজানা পৃষ্ঠা