وأصبح ذلك التهديد بعد أيام أمرا واقعيا صريحا إذ اتصل المقيم العام مباشرة بولي العهد عز الدين باي ليهيئ خلع جلالة الملك محمد الأمين، لما رأى أن تهديده لم يأت بنتيجة، ولا يخفى ما في ذلك من خرق للمعاهدات؛ إذ تعهدت فرنسا بحماية شخص الباي.
ولم تكتف فرنسا بذلك العمل السياسي، بل شرعت يوم 14 يناير نفسه في القمع وابتدأت حالا في العنف؛ لترغم التونسيين على الخنوع والرضى بحالتهم الراهنة.
وكانت المحكمة الفرنسية قد قررت النظر يوم 14 يناير 1952 في القضية التي علقت بالسيد «عبد العزيز المسطوري» الأمين العام لجامعة المحاربين التونسيين القدماء، وفي الساعة التاسعة صباحا جلب الأخ المذكور من سجنه ليمثل أمام المحكمة حتى تحاسبه على نشاطه في ميدان تكتيل المجحودة حقوقهم ولم شتاتهم في منظمة تونسية تنتصف لهم وتسهر على مصالحهم؛ ما دام الإهمال قد خيم عليهم ولم يجدوا في المنظمة المختلطة اهتماما بشأنهم.
ولهذه المناسبة تجمهر أمام مدخل المحكمة عدد كبير من المحاربين القدماء جاءوا للإعراب عن تعلقهم بقائد حركتهم وإظهار عطفهم عليه.
وعرضت القضية على أنظار المحكمة، وتقدم للدفاع عن المتهم الأستاذ بالاغة، فقام بمرافعة قيمة كان لها رنينها، وقررت المحكمة تأجيل التصريح بالحكم إلى يوم 18 يناير سنة 1952.
وقد أبلغ هذه النتيجة إلى الجموع المحتشدة أحد رفقائهم ودعاهم للتفرق في هدوء وسكينة، في انتظار التاريخ المذكور، وبينما كان المحتشدون يتهيئون للتفرق إذا بعصى أعوان البوليس تعمل في ظهورهم وجنوبهم عملها ويهاجمون بدون سابق إنذار، فحصل تماوج في الصفوف واضطراب لم يلبث البوليس بعده أن أخذ في إطلاق الرصاص على أولئك العزل المسالمين، وتتابع ذلك الطلق ... وتتابع سقوط الجرحى حتى بلغ 9 تتفاوت جروحهم خطورة ... وبقي ثلاثة منهم بالمستشفى لإخراج الرصاصات التي سكنت أجسامهم في أماكن حساسة.
وقد علقت جريدة الصباح على هذا الحادث بتاريخ 25 / 1 / 1952 بهذه الكلمات:
وقد أثارت هذه الحادثة الدامية الفظيعة غضبا في أوساط الشعب التونسي عامة ورأت فيها بادرة استقبال طالع بها الجانب الاستعماري السفير الجديد ... وخير برهان يقدمه هذا الجانب من جهة أخرى لهيئة الأمم المتحدة التي اتصلت بالشكوى التونسية في نفس اليوم، على صدق هذه الشكوى وتدعيمها بصورة مما يعيش عليه التونسيون.
لقد قام الجانب الفرنسي بهذه المناورة الدامية رغم تحذيرنا له من ذلك المرار العديدة ... وتساءلنا؟ هل تكون الاضطرابات في هذا الظرف من صالحه؟ ولكنه فعل!
إن الشعب التونسي ليحتج على هذه الاضطهادات والإرهاق، ويستصرخ العالم ويشهده على سياسة الحديد والنار التي يساق بها إلى الفناء.
অজানা পৃষ্ঠা