وكان أعظم نتيجة لاغتصابهم الأراضي الواسعة أن تكونت فيهم نفسية الإقطاعيين الكبار من غير ميزات الأرستقراطية، فيعتبرون التونسي خادما لهم ورقا ينبغي ألا يرتقي إلى مستوى البشرية، ويعبرون عن ذلك بسذاجتهم التي لم يفارقوها بعد في ألفاظ وقحة لا احتشام فيها ولا حياء. وقد أظهر أحدهم ما في نفس الجميع وهو جول بينيون
Jules Peignon
المستعمر الذي يملك أكثر من 7 آلاف هكتار في جهة «سوق الأربعاء» الخصبة، وهو أيضا عضو بارز من أعضاء «المجلس الكبير»، عندما طلب منه رئيس جمعية رفع الأمية أن لا يعارض في منح هذه الجمعية إعانة من ميزانية الدولة لبناء المدارس الشعبية، قال:
لا يمكن بحال أن أوافق على هذه المساعدة؛ لأن التونسيين لو تعلموا لما رضوا بأن يبقوا عمالا عندنا في أراضينا، فنفقد هكذا اليد العاملة اللازمة لنا.
وقد حلل أحد الكتاب الفرنسيين الأحرار «دانيال جبران» تلك العقلية الإقطاعية في مقال نشرته مجلة
Les Temps nouveaux
بعددها 87 الصادر في يناير 1953، قال:
إن في قلوبنا لشفقة على شمال أفريقيا؛ لأنها تخضع لنير إقطاعية ترابية من أشد وأقسى الإقطاعيات التي عرفها التاريخ، وإن المشكلة من هذه الناحية اجتماعية أكثر منها وطنية، وهي وطنية بقدر ما تكون تلك الإقطاعية أجنبية عن المغرب وبقدر ما تعتمد على حق الغزو والفتح، ولكن سلطانها الأساسي اقتصادي، وهي ككل الإقطاعيات مركبة من أقلية ضئيلة، وإن المليون ونصف المليون من الأوروبيين
3
بين مستعمرين صغار لا قيمة لهم وموظفين كالجراد عدا، ليسوا غير قطيع سهل الانقياد تسيره تلك الإقطاعية كما تريد بتغذية الروح العنصرية فيه، ولكن السادة الحقيقيين لا يفوق عددهم الثلاثين ألفا: عشرون ألف مزارع تقريبا بالجزائر وخمسة أو ستة آلاف بتونس، وخمسة آلاف بمراكش، وقد نجحوا في الاستحواذ سواء بالعنف أو بالحيلة على أخصب الأراضي وقطعوا لأنفسهم منها أملاكا أصغرها مساحة لا يحتوي على أقل من مائتي هكتار، وأوسعها يتراوح بين عشرة آلاف هكتار وخمسة عشر ألف هكتار. ... ولم يكتف هؤلاء المزارعون بإعفاء مفضوح شنيع من الضرائب، بل تغدق عليهم الإدارة العامة المنح من غير حساب؛ أي إنها تتكرم عليهم بما تفرضه من جبايات على الأهلين، وتكفي إشارة منهم لتسرع إدارة الأشغال العامة في تعبيد الطرق لهم ومد السكك الحديدية، وبناء الجسور وإحداث ما يلزم لري الأرض.
অজানা পৃষ্ঠা