وتتصل بمسألة أراضي الغابات مسألة المياه التونسية التي صارت بأمر مؤرخ في 24 سبتمبر 1885 من أملاك الدولة الخاصة، ومسألة المياه في منطقة الجنوب لها نفس أهمية الأراضي الزراعية في مناطق أخرى؛ إذ تتوقف عليها حياة الواحات التي يعيش منها أهل الجنوب، وكانت العيون قبل الحماية ملكا للأفراد ولها نظام خاص في توزيعها على السكان لم يتغير منذ عهد قديم، وفي السنوات الأخيرة بدأ الاستعمار يتسرب إلى منطقة الجريد، وأقطعت السلطة الفرنسية الأراضي إلى المعمرين الفرنسيين لزراعتها نخيلا وحولت إليها المياه معتدية على حق السكان الذي توارثوه منذ أجيال. (7) أراضي القبائل
يوجد بتونس أراض شاسعة تتصرف فيها القبائل منذ أجيال، وهي ملك مشاع بينها، وتسمى «بالأراضي الكلية»، وقد عمدت سلطة الحماية إلى إلحاقها بأملاك الدولة، بدعوى أن القبائل لا حق لها في هذه الأراضي؛ إذ لا تملك رسوم ملكيتها، وأصدرت في هذا الشأن أمرها المؤرخ في 14 يناير 1951.
وقد أيدت المحكمة المختلطة هذه النظرية بتاريخ 22 فبراير سنة 1904 مقررة أن القبائل بتونس ليس لها «نظام الجماعات» الذي يجعل لها شخصية قانونية، فالأرض الكلية غير معترف بها قانونا؛ لأن القبيلة نفسها ليست لها شخصية قانونية، واعتمادا على هذا القرار صارت السلطة الفرنسية تسجل كل المساحات التي أرادت إلحاقها بأملاك الدولة من أراضي القبائل، واعتبرت أن القبائل ليس لها إلا حق استغلالها الوقتي، والغرض الأساسي من هذه التصرفات هو انتزاع الأراضي من يد الفلاحين وإهداؤها للمستعمرين الفرنسيين، وقد أدى هذا الإجراء مرارا إلى تصادم بين الملاكين والقوات المسلحة، وإلى سفك الدماء وقتل الأنفس.
وهكذا وضعت السلطة الفرنسية يدها على مساحات شاسعة من مديريات الأعراض، وقفصة، والهمامة، والفراشيش، وماجر، والسواسي، ومناطق الجنوب، ثم قسمتها بين المستعمرين، بعد أن طردت منها القبائل التي كانت تملكها منذ قرون، وأقصتها إلى أراض قاحلة وجبال وعرة، أو أخذهم المستعمرون كعمال في نفس الأرض التي كانوا يملكونها.
ومتى علمنا أن أراضي القبائل بالقطر التونسي تبلغ مساحتها أربعة ملايين من الهكتارات، أي ثلث مساحة القطر، تتجلى لنا في أشنع صورة خطورة هذه السياسة الفرنسية التي ترمي إلى إفقار العنصر العربي. (8) أراضي الأوقاف
لم تقتصر السلطة الفرنسية على اغتصاب أملاك الدولة وأراضي الغابات وأراضي القبائل، بل ذهبت في اعتداءاتها المتوالية إلى أبعد حد، فتطاولت إلى أوقاف المسلمين، وتقدر مساحة الأوقاف العامة والخاصة بما لا يقل عن أربعة ملايين من الهكتارات، وهو ثلث مساحة البلاد التونسية، ولم يعدم فقهاؤها استنباط الحيل القانونية لتحقيق أغراض الاستعمار، فصدر أمر بتاريخ 13 نوفمبر سنة 1898 يفرض على إدارة الأوقاف أن تضع كل عام تحت تصرف إدارة الاستعمار جزءا من أراضي الأوقاف العامة لا تقل مساحتها عن ألفي هكتار، على أن يتم نقل الملكية بين إدارة الأوقاف وإدارة الاستعمار مباشرة وبدون إشهار.
ولإدارة الاستعمار الحق في اختيار أراضي الأوقاف التي تقرر الاستيلاء عليها، وهي ترسل خبيرا زراعيا يباشر وحده تقويم الأرض، ويكون رأيه فاصلا في تقدير القيمة، وفي جميع شروط نقل الملكية، دون أي ضمان لمصلحة الوقف.
وهكذا لم تحترم فرنسا الشريعة الإسلامية الغراء التي قضت بأن الوقف ملك لا ينقطع، وأنه لا يباع، ولا يرهن، ولا يوهب، ولا يعوض.
ولم تحترم فرنسا إرادة الوقف، فأعلنت أن المؤسسات الخيرية، كالمساجد والمستشفيات ودور العلم، لا يجب أن توقف من أجلها الأراضي، والأجدر أن تعوض هذه بالمباني والفنادق أو حتى بالمال، وقررت أن هذا التعويض مباح بل مرغوب فيه.
وهكذا استولت إدارة الاستعمار على أوقاف المسلمين واغتصبت أخصب الأراضي الموقوفة لجهات البر والتعليم، كل هذا مقابل بعض الدور المهدمة والمباني البالية، الآيلة للسقوط، التي لا يفي دخلها الضئيل بنفقات إصلاحها، أما إذا عوضت أراضي الأوقاف ببناية صالحة للاستغلال؛ فإن هذه البناية تؤجر للإدارة مقابل إيجار صوري فرنك واحد في السنة.
অজানা পৃষ্ঠা