De Chevigné
الوالي العام السابق بمدغشقر الذي قتل على يديه أكثر من مائة ألف ملغاشي وزيرا للحرب، والجنرال «جوان» من قواد جيش الأطلنطي الذي انهالت عليه الألقاب والتشريفات، فبات مارشالا وعضوا في المعهد العلمي
l’Académie française
وذا كلمة نافذة في السياسة الفرنسية.
وإذا بالرأي العام الفرنسي يظهر اهتماما بشئون الإمبراطورية ويتعصب في مجموعه للاستعمار مع جهله لحقيقته وواقعه، ويرتمي ارتماء ضد الجزائريين والملغاشيين والفيتناميين والتونسيين، مستنصرا - في ظنه - لفرنسا وناموسها، منساقا بغير تفكير لعبارات جوفاء رنانة. وقد حلل أحد الساسة الفرنسيين تلك العقلية فقال: ... إن جانبا كبيرا من الرأي العام عندنا لا يزال يتصور التوسع الاستعماري حسب أقدم مظاهره وأكثرها سخافة وإثارة للشعور، فالرأي العام يجهل من جهة التغييرات التي حدثت منذ انتهاء الحرب في جميع الأقطار الواقعة تحت الوصاية والتي لا تتمتع بالحكم الذاتي، وهو من جهة أخرى يتمسك ببعض النظريات السخيفة، فمعلوماته تقتصر على بعض العبارات المثيرة التي تمنعه من التفكير، ولا يمكن أن نتصور إلى أي حد عقمت أعمالنا وشلتها عبارات مثل «اجتنبوا الفضيحة» و«لا توجد ترجمة آسيوية لكلمة الحقيقة» و«في أفريقيا لا يحترمون إلا السوط»، إن ما تتضمنه هذه العبارات من ملاحظات بسيطة تتخذ مبررا للمواقف السياسية، وحتى لتشييد نظريات تترتب عليها قرارات حكومية.
ولم تنفذ تلك الدعاية الاستعمارية إلى الجماهير الشعبية وحدها، بل تأثر بها أيضا عدد وافر من المفكرين والساسة حتى أصبحوا يرون في كل من يطالب بحقوقه وحقوق بلاده عدوا لفرنسا ينبغي الإسراع إلى القضاء عليه، ويتوهمون أن الحركات الاستقلالية في البلدان التابعة لفرنسا إنما مصدرها من الخارج والمحرك لها الأجانب، وصور لهم خيالهم الشيوعية في كل مكان ثم نسوها، ورأوا شبح أمريكا ودولاراتها والجامعة العربية ودعايتها والحركات الآسيوية ومفعولها، ولم ينتبهوا إلى نهضة الشعوب المغلوبة على أمرها وتعطشها إلى الحرية، فبقوا يحاربون خيالات وأوهاما، ولم يريدوا التنازل عن أي سلطة وأي نفوذ للشعوب التي وضعها حظها المنكود تحت الحكم الفرنسي، فتعجب منهم أحد المتمسكين بمعاهدة «باردو»، وهو «ميتران» الذي قال ينقدهم:
إنه لعجيب أن نسمع بعض الساسة المعتدلين يستنكرون مطالب الحزب الحر الدستوري الجديد الخاصة باستقلال ذاتي حقيقي، ويختفون في طيات العلم الوطني كلما طلب مثلا تعيين وزير تونسي لشئون التعمير أو أبدى أملا في إيجاد «دولة مشتركة» في أفريقيا. إن وجود جيش وطني تونسي ودبلوماسية تونسية باتصال دائم مع القاهرة وروما وموسكو وواشنطون، لا يثير تخوفاتهم بقدر ما يثيرها إنقاص عدد الموظفين الفرنسيين في الإدارة المباشرة أو تيسير الشئون البلدية بهيئة منتخبة من قبل هيئة انتخابية موحدة!
وفرنسا في سياستها نحو الإمبراطورية عامة وتونس خاصة عجزت عجزا ظاهرا عن متابعة الظروف العالمية والداخلية، ولم تعرف كيف تتكيف لمجاراتها، ولم تتعظ بالدروس القاسية التي تلقتها في مختلف أنحاء العالم، فانجلت عن سوريا ولبنان صاغرة مقهورة، وأضاعت قواها العسكرية والمالية في حرب طاحنة لا هوادة فيها في الهند الصينية، ولم تعتبر بالعبر والشدائد التي قاساها غيرها من الدول، كأنها لم تر هولاندا تغادر إندونيسيا إلى غير رجعة، وأن تشاهد بريطانيا تعطي استقلال الهند طواعية، ولم تتفطن إلى انهيار إمبراطوريتها نفسها وتقطع أوصالها وانفصال أجزائها، ولم تراع العوامل والقوات التي تؤثر تأثيرا مباشرا على الوحدة الفرنسية كما قال أحد ساساتها: ... إن اجتماع الوطنية والشيوعية وما اتفق على تسميته بهذا الاسم الغامض: الاستعمار، كان من المتحتم أن يؤدي إلى انفجار: اثنان ضد واحد، فهل تكون الكلمة الأخيرة للقوة؟ وهكذا تتعرض الوحدة الفرنسية الناشئة من مؤتمر برازافيل، ومن دستور 1946 إلى تطورات مختلفة، فلاقت حوادث قاسية في مدغشقر وساحل العاجل وتعرضت لهزائم في تونس ومراكش، وتفككت في تونكان ولاوس وكمبوديا في الهند الصينية. (4) الجالية الفرنسية ودورها في المشكلة التونسية
لقد عجزت الحكومات الفرنسية أو تظاهرت بالعجز عن حل مشكلة تونس التي لا تزيدها الأيام إلا تشعبا وتعقيدا، لما تتمتع به جاليتها من نفوذ كاد يكون مطلقا ومن امتيازات فاحشة جعلتها المتصرفة الحقيقية في مصير البلاد وحظوظ العباد، وإذا ما ظهرت الحكومة الفرنسية بمظهر الحكم بين تلك الجالية والشعب التونسي، فإنها تكون دائما حكما ظالما يعزز جانب مواطنيه ويطلق يدهم ويسعى في منحهم حقوقا جديدة، فأصبحت تلك الجالية الفرنسية أكبر عبء على تونس، وأرادت فرنسا أن تظهر أن المشكلة التونسية في جوهرها وكنهها نزاع بين جاليتها وبين الشعب التونسي، وهي تعلم علم اليقين أن احتلالها العسكري للبلاد هو الذي مكن لتلك الجالية التي باتت أكبر مانع لكل تفاهم، وهي في الحقيقة نتيجة لسياسة التعمير التي تبعتها فرنسا منذ احتلت تونس رامية من وراء ذلك إلى فرنسة البلاد وإلحاقها بالتراب الفرنسي.
وكان عدد الأوروبيين عند توقيع معاهدة «باردو» (1881) لا يفوق العشرات، فأصبح اليوم حسب الإحصاءات الفرنسية نفسها 239,549 نسمة منهم 140 ألف فرنسي، وقد أرادت فرنسا أن تعطي لتلك الأقلية من الفرنسيين حقوقا سياسية بتونس، فتشركهم مناصفة في الحكومة التونسية والبرلمان التونسي وجميع مؤسسات الدولة، مع أنهم أجانب لا يمكن قانونا وشرعا أن يكون لهم حق المواطن في بلاد أجنبية مرتبطة ببلادهم بمعاهدة دولية.
অজানা পৃষ্ঠা