مسألة: ولما كثر الاختلاف في معنى الارادة، قال عن بعض الإثبات (قيل والواجب علينا في تعريف الارادة ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام يريد ولا يضمر) أي الإيمان بالارادة مع تنزيهه عن إرادة المخلوقين المستلزمة للإضمار (يحب ويرضى من غير رقة ويبغض ويغضب من غير مشقة) انتهي كلامه عليه السلام، (وذلك لمباينة الخالق المخلوقين) لو أبقيناها على ظواهرها لما باينهم ولكان قد شابههم وماثلهم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (ومن قال هي) أي الإرادة واجبة (للذات) أو واجبة (بها) أي بوجوب الذات (يلزم وجوبها) أي الإرادة لوجوب الذات (ونفي الاختيار) والله يتعالى عن ذلك (مع التعدد إن كانت معنى) غير الذات (أو صفة خارجة) عن الذات (والحدوث إن تأخرت) أي لضرورة تقدم العله على المعلول (فأما من الغير) يعني إرادته من الغير (فيجب إمتثال أوامره) الموصلة إلى دار رحمته (قال سبحانه: {يريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة}، وما روى مسلم) ابن الحجاج في كتابه المسمى بالصحيح ( في حساب العاصي قد أردت منك أيسر من ذلك) يعني الطاعات (وهما نص في محل النزاع) بين من زعم أن الأمر غير الارادة وأنها تتعلق بالمعاصي، ومن زعم أن الارادة: الأمر (وتأويلهما لغير ملجي تعسف)، لأنهم تأولوا الخبر بأن المعنى إرادة طلب ويلزمهم تعدد الإرادة وهذا التأويل غير مطرد في معنى الآية ولو سلمنا ذلك في معنى الخبر (ويكره ما نهي عنه، قال سبحانه: {إنه لا يحب الفساد} {ولا يرضى لعباده الكفر} وقوله: {وكان سيئه عند ربك مكروها}، وقول أمير المؤمنين عليه السلام وبين لكم محابه من الأعمال ومكارهه لتتبعوا هذه) أي المحاب وهي الطاعات، (وتجتنبوا هذه) أي تجتنبوا المعاصي، أما المحبة والرضى والكراهة فلا خلاف بين المعتزلة والماتريدية والأشعرية إلا الجويني وإنما الخلاف في حقيقة الإرادة فالذي نص عليه الهادي والمرتضى ونقل عن عامة الآل أن إرادته تعالى في أفعاله فعله وفي أفعال غيره الأمر بها وكراهته لفعل غيره النهي عنه وأرادته للخبر عما أخبر به هو الخبر به، وكذى كلام القاسم عليه السلام، وقيل: هي الداعي ورجحه الإمام يحيى عليه السلام وهو محل تأمل، لأن الداعي يستلزم الحاجة. وقيل العلم(1).
وروي عن القاسم بن إبراهيم عليه السلام وغير ذلك، حتى قال بعض المتأخرين كالإمام الحسن بن بدر الدين، والإمام أحمد بن الحسين الشهيد ووالدنا الإمام الهادي الحسن بن يحيى بن علي واختاره المفتي: لا تجب معرفة الإرادة ولا لماذا كان مريدا جملة ولا تفصيلا بالدليل العقلي بل الإيمان الجملي بالسمع في ذلك كاف في الجملة...الخ.
وقد قدمنا إشارة في ذلك في المسألة تقدمت قبل هذه.
وقالت الأشاعرة: الإرادة معنى قديم كسائر المعاني وقيل: محدث لا في محل، قال في الجامع الكافي، قال الحسن: أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه من أحسن فلله عليه المنة ومن أساء فلله عليه الحجه في إسائته وغير معذور في معصيته ولن يخرج الخلق من قدرة الله تعالى وتدبيره وملكه، وقال الحسن بن يحيى ومحمد بن منصور في لفظ آخر للعباد أفعال ومشيآت نسبها الله إليهم وعلم الله إرادته ومشيئته محيطة بإرادتهم فلا يكون منهم إلا ما أراد وعلم أنه كائن منهم وقد أراد خلقهم وخلقهم بعد علمه بما هو كائن منهم وأنه لا يكون منهم إلا الذي كان وقد سبق علمه أنه يكون منهم مؤمن وكافر ومطيع وعاص وقد أراد أن يتم كون ما علم أنه كاين.
পৃষ্ঠা ৯