وأما لكون الكشف مفسدة للمستمعين وإن كان لا يتعسر عليهم ادراكه وسببا لافتتانهم أو لتفويت مصلحة راعاها الشارع الحكيم في التعبير عن بعض المسميات بغير أسمائها وتصوير بعض المعاني في غير قوالبها المعروفة تمثيلا ورمزا لكون ذلك أوقع في النفوس وأدخل في حصول الغرض المطلوب من الترغيب والترهيب والوعد والوعيد ومن ذلك بيان حقيقة الكسوف والخسوف على النهج المقرر في الهيئة وتأويل الملائكة الجاذبة الدافعة بروحانيات الشمس والبحر المظلم بظل الأرض ونحو ذلك وهذا النوع عريض جدا ويندرج تحته كثير من متشابهات الكتاب والسنة إلا أن الخوض فيه مما يختص بأهله وكان أكابر الصحابة مع ما هم فيه من تقارب المنازل والتشارك في بركة الصحبة يستخفى بعضهم من بعض بسره وفي الحديث لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخى رسول الله بينهما فما ظنك بساير الناس وعن أمير المؤمنين (ع) اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة وعنه (ع) حملت عن النبي صلى الله عليه وآله دعامين من العلم أما واحد فبثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته قطع مني هذا البلعوم وسئله كميل بن زياد النخعي وقد بلغك جلالة قدره عن الحقيقة فقال (ع) مالك والحقيقة قال أولست صاحب سرك قال بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني الحديث ومما نسبه المصنف في كثير من مسفوراته إلى علي بن الحسين صلوات الله عليهما وغيره إلى غيره. إني لأكتم من علمي جواهره كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا. وقد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين ووصى قبله الحسنا يا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا - ولاستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا - وهذا العلم هو المسمى باللدني وعلامته ما ورد في الحديث النبوي وقد سئل صلوات الله عليه عن قوله (تع) فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ما هذا الشرح فقال النور إذا دخل القلب انشرح له الصدر وانفسح قيل يا رسول الله وهل لذلك علامة قال نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتهيؤ للموت قبل نزوله وهو العلم الأفضل بقول مطلق لأنه المقصد الأقصى من الايجاد أو غاية مقاصد السالكين أو هو الغاية للقسم الآخر المقصود للعمل المتوسل به إليه والتقليدي هو تلقي بعض مسائل هذا العلم من صاحب الشرع على قدر الفهم والحوصلة كما وكيفا ثم التدين به و الآخر علم يقصد المعمل ظاهرا وباطنا ليتوسل به إلى ذلك النور وهو العلم بما يقرب إليه (تع) وما يبعد عنه من طاعات الجوارح ومعاصيها ومكارم الأخلاق ومساويها فهو قسمان علم الشرايع وعلم الأخلاق وكله تقليد لصاحب الشرع إما عن بصيرة أو استبصار إلا ما لا يختلف فيه العقول منه وربما يسمى الفقه ومن علاماته ما في حديث الرضا (ع) أن من علامات الفقه الحلم والصمت وليس المراد بالفقه فيه مجرد معرفة الفتاوى في المسائل الفرعية وحفظا لأقوال المختلفة فيها والإحاطة بمتعلقاتها لما يشاهد في ذويها غالبا من العلامة بنقيض ما هو مذكور في الحديث فإنهم أكثر الناس طيشا وهذرا وتصديق الفعل القول إذ به يعرف موافقة الباطن للظاهر والخروج عن ذميمة النفاق وعن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل إنما يخشى الله من عباده العلماء قال يعني بالعلماء من صدق فعله قوله ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم وهذا العلم المقصود للعمل هو الأقدم في الوجود الخارجي بالنسبة إلى تحقيقي الأول لأنه الشرط فيه وفي الحديث من علم وعمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم وفيه إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم تهتدون وبيان ذلك أن الانسان إذا عمل بمقتضى علمه يؤدي عمله إلى صفاء في قلبه فيستعد لعلم آخر فوق ما علمه أولا ثم إذا عمل بمقتضى هذا العلم يحصل له استعداد آخر وبسببه يحصل علم و انكشاف آخر وهكذا يتزايد العلم قوة وضياء بحسب تتابع الأعمال حتى ينتهى إلى الاهتداء بهدى الله وهو نور اليقين المقصود لذاته قالوا ومثال ذلك من يمشي بمصباح في ظلمة فكلما أضاء له من الطريق قطعة مشى فيها فيصير ذلك المشي سببا لإضاءة قطعة أخرى وهكذا تترادف الأضواء بتعاقب الحركات وتترادف الحركات بتعاقب الأضواء إلى أن يتأدى الماشي إلى الغاية وتنتهي الحركة وبحسب هذه الشرطية والتوسل تعد هذا العلم من علم الآخرة فإن أريد به الدنيا التحق بالدنيا وقد وقد وقع حصر العلم في هذه العلوم الثلاثة الأخروية في الحديث النبوي إنما العلم ثلاثة آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة وما خلاهن فهو فضل قيل الأول إشارة إلى أصول العقايد وأركانها المستفادة من الآيات المحكمات القرآنية والثاني إلى علم آفات النفس وتعديل قواها وتهذيب الأخلاق والثالث إلى علم الشرايع والحلال والحرام ويسمى كل منها علم الدين وعلم الفقه كما مر وأما مجادلة علم الكلام في أصول العقايد والتعمق في الفروع في فتاوي غير منصوصة تستنبط بالرأي فليسا في عرف الأولين من العلم والفقه في شئ بل لم يكن عندهم منهما عين ولا أثر وإنما هما من محدثات الأمور وقد ذكر أبو حامد وغيره في مبدأ نشوءهما وبسبب تدوينها كلاما ملخصه أنه لما انتهت الخلافة إلى أقوام تولوا بغير استحقاق واستيهال واستقلال بعلم الفتاوى والأحكام اضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم لاستفتائهم في جميع مجاري أحكامهم وكان العلماء قد تفرعوا العلم الآخرة وتجردوا له وكانوا يتدافعون الفتاوي وما يتعلق بأحكام الخلق وأقبلوا على الله بكنه اجتهادهم فكانوا إذا طلبوهم هربوا وأعرضوا واضطروا الخلفاء إلى الالحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء واقبال الولاة إليهم مع اعراضهم عنهم ما شربوا لطلب العلم توصلا إلى نيل العز ودرك الجاه من قبل الولاة فأكبوا على علم الفتاوي وعرضوا أنفسهم على الولاة وتعرفوا إليهم وطلبوا الولايات والصلاة منهم فمنهم من حرم ومنهم من أنجح ومن أنجح لم يخل عن ذل الطلب ومهانة الابتذال فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مظلومين طالبين وبعد أن كانوا أعزة بالاعراض عن السلاطين أذلة بالاقبال عليهم إلا من وفقه الله في كل عصر من علماء دينه ثم لما اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري وقرر عقايده في العدل و الصفات وغيرهما ونشأ بعده الشيخ أبو الحسن الأشعري واشتغل بالرد عليه وابطال مقالاته وتبع
পৃষ্ঠা ৮