وذلك لا ينظفه أصلا ما لم يغير صفته باستعمال ما يضاد الوصف المتمكن فيه فهذا حال امتناع أصل التوبة في حق من ورد فيهم من المجرمين أنهم لا تقبل توبتهم بسبب أن شروطها لا يجتمع فيهم وهي بحسب المذكور هنا ثلاثة الاخلاص وهو الأصل في العبادات كلها وتوطين النفس على الندم على ما فرط في جنب الله والعزم على عدم العود أبدا وعن الأول عبر بقوله أن تكون لله أي ناصحة له سبحانه باعثا عليها أمره مطلوبا منها وجهه لا لمال أو جاه يكتسبهما أو يستديمهما بها أو خوف من معاقبة سلطان عادل أو جاير يعاقبانه على الجريمة حتى الخوف من النار كما صرح به المحقق الطوسي وهو اللازم على كل من أبطل العبادة بذلك القصد وإن كان فيه كلام يأتي في محله ومثله الخوف من حرمان نعيم الجنة أو عدم أسباب وآلات كتوبة المحبوب عن الزنا والأطرش عن استماع الغناء ومنه التوبة عند المعاينة كما تقدم ويأتي لفقد الحياة التي هي أصلها وفيه كلام وعن الثاني بقوله أن يتندم وذلك بعدل النفس الأمارة بالسوء ولعن الشيطان الداعي إليه وهجر النديم المحرك له والمعاون فيه والمهون لأمره ومنادمة الصالحين إلى غير ذلك من شعار النادمين أما نفس الندم فغير مقدور لأنه أمر طبيعي لا يدخل تحت الإرادة و الاختيار فلا يتعلق به التكليف والوجه أن العلم بضرر الذنوب وأنها الحائلة عن المحبوب يستعقب للعالم به توجع القلب وتألم الروح بما ارتكب منها كما في كلام أمير المؤمنين (ع) لا وجع أوجع للقلوب من الذنوب على أحد الوجهين والندم ليس إلا هذا التوجع والتألم فيسوغ سوقه مساق متعلقات القدرة لتعلق الإرادة والاختيار بمبدئه وهو العلم المذكور الذي هو من أجزاء الايمان كما عرفت وهو ليس من العلوم المقصود لذاتها بل إنما تقصد لهذا الحال وهو التوبة حقيقة كما في الحديث النبوي الندم توبة وعن أبي جعفر (ع) كفى بالندم توبة وفي دعاء سيد الساجدين (ع) اللهم إن كان الندم توبة فأنا أندم النادمين ولقد أجاد من رسم التوبة بأنه الندم على القبيح لقبحه ثم إذا غلب هذا الألم حصلت حالة ثالثة هي القصد إلى أمور ثلاثة لها تعلق بالحال والماضي والاستقبال فالأول أن يترك ما هو مقيم عليه من الذنوب وعن أمير المؤمنين (ع) إن الندم على الشر يدعو إلى تركه والثاني أن يتدارك ما يمكن تداركه بما يأتي والثالث أن يعزم على عدم العود إليها إلى آخر العمر فهذه الأمور الثلاثة أعني العلم والندم والقصد المذكور مترتبة في الحصول أولها مقدمة وآخرها ثمرة وترتب هذه الأمور غير مختص بالتوبة بل انتظام الصبر والشكر والتوكل وغير ذلك من المقامات الدينية إنما هو من هذه الأمور الثلاثة أعني العلم والحال والعمل كما يأتي فيما بعد وبما ذكرناه ظهر أن الشروط المذكورة ليست شرعية ولا عقلية إن تم الفرق بينهما وأنها لا توقت وحقها أن يعترف التائب بذنبه فورد في الحديث النبوي الاعتراف بالذنب كفارة له وعن أبي جعفر (ع) والله ما ينجو من الذنب إلا من أقر به وعنه (ع) والله ما أراد الله من الناس إلا خصلتين أن يقروا له بالنعم فيزيدهم وبالذنوب فيغفرها لهم وعن أبي عبد الله والله ما خرج عبد من ذنب باصرار وما خرج عبد من ذنب إلا باقرار ويتدارك الفرايض المضيعة بما يأتي بيانه ويرد المظالم وهي حقوق الآدميين إلى أصحابها أو ورثتهم ويذيب اللحم النابت في بدنه من الحرام بالحزن على ما مضى ويذيق النفس مرارة المعصية بالاستمرار على الطاعة كما أذاقها حلاوة الطاعة بارتكاب المعصية فعن أمير المؤمنين (ع) أن التوبة يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة وللفرائض الإعادة ورد المظالم واستحلال الخصوم وأن تعزم على أن لا تعود وأن تذيب نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية وأن تذيقها مرارة الطاعات كما أذاقها حلاوة المعاصي وعنه (ع) أن قائلا قال بحضرته أستغفر الله فقال (ع) ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار إن الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان أولها الندم على ما مضى الثاني العزم على ترك العود إليه أبدا الثالث أن يؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله سبحانه أملس ليس عليك تبعة الرابع أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها الخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد السادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك استغفر الله قال أبو حامد كما لا يكفي في جلاء المرآة قطع الأنفاس والأبخرة المسودة عنها بل لا بد من تصقيلها وإزالة ما حصل في جرمها من السواد كذلك لا يكفي في جلاء القلب من ظلمات المعاصي وكدوراتها مجرد تركها وعدم العود إليها بل يجب محو آثار تلك الظلمات بأنوار الطاعات ويغسل ثيابه التي أذنب فيها سيما ما باشر بها النجاجات أو يبدلها فيكون قد جمع بين التراهتين لارتباط الملك بالملكوت كما تقدم ويغتسل سواء كانت توبته عن الكفر أو غيره من الكباير على المشهور وربما يلحق بهما الصغاير أيضا والمستند ما رواه المحمدون الثلاثة عن أبي عبد الله (ع) أنه جاء إليه رجل وقال إن لي جيرانا ولهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا مني لهن فقال (ع) لا تفعل فقال والله ما هو شئ آتيه برجلي إنما هو سماع أسمعه بأذني فقال الصادق (ع) تالله أنت أما سمعت الله يقول إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا فقال الرجل كأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله عز وجل من عربي ولا عجمي لا جرم إني قد تركتها فإني أستغفر الله (تع) فقال له الصادق (ع) قم فاغتسل وصل ما بدا لك فلقد كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوء حالك لو مت على ذلك استغفر الله واسأله التوبة عن كل ما يكره فإنه لا يكره إلا القبيح والقبيح دعه لأهله فإن لكل أهلا وأنت خبير بقصوره عن هذه التعميمات فإن أمر مستمع الغناء وصوت العود والأجنبية مع الاصرار والاستحقار بالغسل لا دلالة فيه على حكم غيره بوجه وربما يستدل للأول بما نقل من أمره صلى الله عليه وآله قيس بن عاصم وثمامة بن أثال بالغسل عند الاسلام وهو إنما يتم لو ثبت كونها للتوبة دون غيرها مما يقل الانفكاك عنه كالجنابة فالمعتمد الشهرة لأنه مما يتسامح فيه ويصلي ما أراد وقد عرفت المستند وما فيه مع فقد الشهرة هنا لكن الصلاة خير موضوع وليكن ذلك في موضع خال فإنه أقرب إلى الستر وأحرى بحضور القلب وأسلم من الرياء وغيره من الآفات والأخبار في فضل عبادة السر ودعائه مستفيضة وفي الأوقات التي تفتح أبواب السماء ويرجى القبول وهي عند هبوب الرياح ونزول المطر والزوال وأول قطرة من دم القتيل المؤمن والسحر إلى طلوع الشمس إلى
পৃষ্ঠা ২৬