لا تعلمون ولما تعلموا بما علمتم فإن العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلا كفرا ولم يزدد من الله إلا بعدا وقلما ينتفع بذلك العلم غيره أيضا فإن الذي يتناول مطعوما بنهمة وينهى الحاضرين عنه معللا بأنه مسموم منهوم عند الناس بالكذب وسخافة الرأي بل هم لفعله أطوع منهم لقوله إذ لولا أنه أطيب الأطعمة لما استأثر به وفي الحديث أن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا ولو فرض أن واحدا من الأكياس أو ممن لا خبرة لهم بحاله اهتدوا بعلمه كان ذلك حسرة ووبالا عليه كما تقدم وعن النبي صلى الله عليه وآله العلماء رجلان رجل عالم أخذ بعلمه فهذا ناج وعالم تارك لعلمه فهذا هالك وأن أشد الناس ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له وقبل منه فأطاع الله فأدخله الله الجنة وأدخل الداعي إلى النار بتركه علمه الحديث على أن العمل عقال العلم وهو بدونه في معرض الذهاب وفي الحديث العلم مقرون إلى العمل فمن علم عمل ومن عمل علم والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه والقول بما يعلم والوقوف عند ما لا يعلم فعن زرارة بن أعين قال سألت أبا عبد الله (ع) ما حق الله على العباد قال إن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عندما لا يعلمون وعن أبي عبد الله (ع) مثله وزاد فإن فعلوا ذلك فقد أدوا إلى الله حقه وفي حديث آخر ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا الله أعلم وعن أبي عبد الله (ع) قال للعالم إذا سئل عن شئ وهو لا يعلمه أن يقول الله أعلم وليس لغير العالم أن يقول ذلك وعنه (ع) إذا سئل الرجل منكم عما لا يعلم فليقل لا أدري ولا يقل الله أعلم فيوقع في قلب صاحبه شكا وإذا قال المسؤول لا أدري فلا يتهمه السائل والاحتراز عن الفتوى بالرأي و التدين بما لا يعلم ففي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك إياك أن تفتي الناس برأيك وتدين بما لا تعلم والتفهم وهو أن يستوضح في كل مقام ما يليق به من تفهم المسألة إذا فهمها شيئا بعد شئ دون الاقتصار على مجرد حفظ الأقوال والألفاظ فيكون مثله كمثل الحمار يحمل أسفارا وعن أمير المؤمنين عليه السلام لا خير في علم ليس فيه تفهم والاستبصار في أنحاء الحق حتى لا ينفلح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة كما في حديث أمير المؤمنين (ع) في وصف حملة العلوم وبذله قال الله (تع) إن الذين يكتمون ما بينا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وعن أبي عبد الله (ع) قال قرأت في كتاب على أن الله لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهدا ببذل العلم للجهال وعن أبي جعفر (ع) من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ولا ينقص أولئك من أجورهم من شئ وفي حديث آخر وإن مات وأيضا يقوى بالبذل ويتكامل كما ورد عن أمير المؤمنين (ع) العلم يزكو بالانفاق وفي حديث زكاة العلم أن تعلمه عباد الله كما يراعى في زكاة المال استحقاق المبذول له وأهليته لها حتى يترتب على اعطائه ما وعد الله المزكين من المثوبات فيمنع غير المستحق الذي لا يليق العطاء وإن سأل الحافا كذلك يراعي في بذل العلم كونه لأهله المستوجبين له المنتفعين به ومنعه عن غير أهله حذرا عن الظلم وتعليق الدر على أعناق الخنازير كما تقدم وسئل بعض العلماء عن مسألة فلم يجب فقال السائل أما سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول من كتم علما نافعا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار فقال له العالم اترك اللجام واذهب فإن جاءني من ينفعه فكتمته فليلجمني قال بعض المحققين ليس الظلم في اعطاء غير المستحق أقل منه من منع المستحق بل هو في الثاني أقل لأنه تأخير يمكن أن يتدارك بخلاف الأول لأنه تفويت ونعم ما قيل فمن منح الجهال علما أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم قال الشهيد الثاني ولا يمتنع المعلم من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية فربما عسر على كثير من المبتدئين بالاشتغال تصحيح النية لضعف نفوسهم وانحطاطها عن ادراك السعادة الآجلة وقلة أنسهم بموجبات تصحيحها فالامتناع من تعليمه يؤدي على تفويت كثير من العلم مع أنه يرجى ببركة العلم تصحيحها إذا أنس بالعلم لكن يجب على المعلم إذا أشعر من المتعلم فساد النية أن يستدرجه بالموعظة الحسنة وينبهه على خطر العلم الذي لا يراد به وجه الله ويتلو عليه من الأخبار الواردة في ذلك حالا فحالا حتى يقوده إلى القصد الصحيح فإن لم ينجع ذلك ويئس منه قيل يتركه حينئذ فإن العلم لا يزيده إلا شرا وفصل آخرون فقالوا إن كان فساد نيته من جهة الكبر و المراء ونحوهما فالأمر كذلك وإن كان من جهة حب الرياسة الدنيوية فينبغي مع اليأس من اصلاحه أن لا يمنعه لعدم ثوران المفسدة وتعديها ولأنها لا يكاد يخلص من هذه الرذيلة أحد في البداية فإذا وصل إلى أصل العلم عرف أن العلم أنما يطلب للسعادة الأبدية بالذات والرياسة لازمة له قصدت أم لم تقصد انتهى والشفقة في التعليم ففي رسالة علي بن الحسين (ع) إلى بعض أصحابه في تعداد الحقوق الواجبة ثم حق رعيتك في العلم فإن الجاهل رعية العالم إلى أن قال فإن تعلم أن الله إنما جعلك قيما لهم فيما أتاك من العلم و فتح لك من خزائنه فإن أحسنت في تعليم الناس ولا تخرق بهم ولا تضجر عليهم زادك الله من فضله و أنت منعت الناس من علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقا على الله أن يسلبك العلم وبهائه ويسقط من القلوب محلك الحديث وأيضا فإن المتعلم بالنسبة إلى المعلم ولد روحاني فينبغي أن ينظر إليه نظر الوالد الشفيق إلى الولد البار المسترشد ويؤدبه أحسن الأدب وأول ذلك أن يحرصه على الاخلاص لله في علمه وسعيه ومراقبته (تع) في جميع اللحظات ويعلمه أن بذلك تنفتح عليه أبواب المعارف وينشرح صدره وتتفجر من قلبه ينابيع الحكمة ويبارك له في حاله وعلمه ويوفق للإصابة ويتلو عليه الآثار الواردة في ذلك ويزهده في الدنيا ويصرفه عن التعلق بها والاغترار بزخارفها و يرغبه في العلم ويذكره بفضائله وفضائل العلماء وأنهم ورثة الأنبياء وأن مدادهم يرجح دماء الشهداء وأن الملائكة لتضع أجنحتها لهم وأنهم على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء ونحو ذلك مما ورد في فضل العلم وأهله من الأخبار والاشعار والأمثال ففي الأقاويل الخطابية والكلمات الشعرية هز عظيم للنفوس الانسانية كما يرى ويتلطف في موعظته للاقتصار على الميسور وقدر الكفاية من الدنيا
পৃষ্ঠা ১১