الْمَائِدَة يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم فَإِن الْمحبَّة مستلزمة للْجِهَاد وَلِأَن الْمُحب يحب مَا يحب محبوبه وَيبغض مَا يبغض محبوبه ويوالي من يوالي محبوبه ويعادي من يعاديه ويرض لرضاه ويغضب لغضبه وَيَأْمُر بِمَا يَأْمر بِهِ وَينْهى عَمَّا نهى عَنهُ فَهُوَ مُوَافق فِي ذَلِك وَهَؤُلَاء هم الَّذين يرضى الرب لرضاهم ويغضب لغضبهم إِذْ هم إِنَّمَا يرضون لرضاه ويغضبون لما يغْضب لَهُ كَمَا قَالَ النَّبِي ﷺ لأبي بكر فِي طَائِفَة فيهم صُهَيْب وبلال لَعَلَّك أغضبتهم لَئِن كنت أغضبتهم لقد أغضبت رَبك فَقَالَ لَهُم يَا إخوتي هَل أغضبتكم قَالُوا لَا يغْفر الله لَك يَا أَبَا بكر وَكَانَ قد مر بهم أَبُو سُفْيَان بن حَرْب فَقَالُوا مَا أخذت السيوف مأخذها فَقَالَ لَهُم أَبُو بكر أتقولون هَذَا لسَيِّد قُرَيْش وَذكر أَبُو بكر ذَلِك للنَّبِي ﷺ فَقَالَ لَهُ مَا تقدم لَان أُولَئِكَ إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك غَضبا لله لكَمَال مَا عِنْدهم من الْمُوَالَاة لله وَرَسُوله والمعاداة لأعدائهما وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي ﷺ فِي الحَدِيث الصَّحِيح فِيمَا يرْوى عَن ربه لَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه فَإِذا احببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ وَيَده الَّتِي يبطش بهَا وَرجله الَّتِي يمشي بهَا فَبِي يسمع وَبِي يبصر وَبِي يبطش وَبِي يمشي وَلَئِن سَأَلَني لأعطينه وَلَئِن استعاذني لأعيذنه وَمَا ترددت عَن شَيْء أَنا فَاعله ترددي عَن قبض نفس عَبدِي الْمُؤمن يكره الْمَوْت وَأَنا أكره مساءته وَلَا بُد لَهُ مِنْهُ فَبين أَنه يتَرَدَّد لِأَن التَّرَدُّد تعَارض إرادتين وَهُوَ سُبْحَانَهُ يحب مَا يحب عَبده وَيكرهُ مَا يكرههُ وَهُوَ يكره الْمَوْت فَهُوَ يكرههُ كَمَا قَالَ وَأَنا أكره مساءته وَهُوَ سُبْحَانَهُ قد قضى بِالْمَوْتِ فَهُوَ يُرِيد أَن يَمُوت فَسمى ذَلِك ترددا ثمَّ بَين أَنه لَا بُد من وُقُوع ذَلِك وَهَذَا اتِّحَاد فِي المحبوب المرضي الْمَأْمُور بِهِ والمبغض الْمَكْرُوه الْمنْهِي عَنهُ وَقد يُقَال لَهُ اتِّحَاد نَوْعي وصفي وَلَيْسَ ذَلِك اتِّحَاد الذاتين فَإِن ذَلِك مُمْتَنع وَالْقَائِل بِهِ كَافِر وَهُوَ قَول النَّصَارَى والغالية من الرافضة والنساك كالحلاجية وَنَحْوهم وَهُوَ الِاتِّحَاد الْمُقَيد فِي شَيْء بِعَيْنِه وَأما الِاتِّحَاد الْمُطلق الَّذِي هُوَ قَول أهل وحدة الْوُجُود الَّذين يَزْعمُونَ أَن وجود الْمَخْلُوق هُوَ عين وجود الْخَالِق فَهَذَا تَعْطِيل للصانع وجحود لَهُ وَهُوَ جَامع لكل شرك فَكَمَا أَن الِاتِّحَاد نَوْعَانِ فَكَذَلِك الْحُلُول نَوْعَانِ قوم يَقُولُونَ بالحلول الْمُقَيد فِي بعض الْأَشْخَاص وَقوم يَقُولُونَ بحلوله فِي كل شَيْء وهم الْجَهْمِية الَّذين يَقُولُونَ إِن ذَات الله فِي كل مَكَان وَقد يَقع لبَعض المصطلمين من أهل الفناء فِي الْمحبَّة أَنه يغيب بمحبوبه
1 / 64