وهو إذا ما ناجاه فارسه ... يفهم عنه ما تفهم الإنس
كل ثمين من التلاد له ... غير ثنائي فإنه بخس
وأهدى إليه فرسا آخر فقال فيه شعرا، منه هذه الأبيات:
ما مقرب يختال في أشطانه ... ملآن من صلف به وتلهوق
حوافر حفر وصلب صلب ... وأشاعر شعر وخلق أخلق
وبشعلة تبدو كأن فلولها ... في صهوتيه بدو شيب المفرق
ذو أولق تحت العجاج وإنما ... من صحة إفراط ذاك الأولق
تغري العيون به ويفلق شاعر ... في نعته عفوا وليس بمفلق
صلتان يبسط إن ردى أو إن عدا ... في الأرض باعا منه ليس بضيق
مسود شطر مثل ما اسود الدجى ... مبيض شطر كابيضاض المهرق
قد سالت الأوضاح سيل قرارة ... فيه فمفترق عليه وملتق
صافي الأديم كأنما ألبسته ... من سندس بردا ومن استبرق
يرقى وما هو بالسليم ويغتدي ... دون السلاح سلاح أروع محلق
في مطلب أو مهرب أو رغبة ... أو رهبة أو مركب أو فيلق
أمطاكه "الحسن بن وهب" إنه ... داني ندى اليد من رجاء المملق
وحدثنا أحمد بن جعفر البرمكي قال: أهدى سعيد بن حميد الكاتب إلى أبي هفان قارورة من ماء الورد الفارسي فكتب إليه أبو هفان:
بعثتها حالية النحر ... بكرا وكل الخير في البكر
ملفوفة في حلل هن من ... خضر ومن صفر ومن حمر
تزر في الجيد ولكنها ... تجر أذيالا على الخصر
بيضاء في زرقاء كالش ... مس إذ تطلعت من زرقة الفجر
كجامد الياقوت أقطاره مملوءة ... مملوءة من ذائب الدر
جادت لمن ركب جثمانها ... روحها سيدة الزهر
ما حضرت والعطر في مجلس ... وإلا وكانت ربة العطر
نابت عن الورد كما نبت عن ... أبيك في العز وفي القدر
فعاد ذا منها إلى غصنه ... وقام ذا عنك من القبر
إن أنت حييت بها مسكة ... فمثلها الأبيات في النشر
ولم يضيع فارسي الندى ... في عربي الحمد والشكر
وحدثنا طاهر بن محمد الهاشمي قال: كان أبو بكر الصنوبري صديقًا لوالدي كثير الإلمام به والسلام عليه، وكان والدي محبًا له بارا به، وكنت وأنا غلام أميل إليه وأكتب شعره، فأهديت إليه يوما نبيذا ووردا فكتب إلي:
أهدى إلي فأي حسن معجب ... أو معوز في غيره لم يهده
الراح تضحك عن عتيق فرندها ... والورد يضحك عن حديث فرنده
فكأن حمرة ورده من راحه ... وكأن نكهة راحه من ورده
وكأن هذي تمترى من ريقه ... وكأن هذي تجتنى من خده
وأهديت إليه نعلًا صفراء فكتب إلي:
بخير الهدايا جدت يا خير منتم ... إلى خير باد في الأنام وحاضر
بمحذوة حذو اللسان شبيهة ... أوائلها في حسنها بالأواخر
مخالفة الوجهين قام خلافها ... مقام اتفاق عند أهل البصائر
فأما الذي من فوقها وجه عاشق ... وأما الذي من تحتها وجه شاعر
وحدثنا أبو منصور طلحة بن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال: أهديت إلي علي بن محمد المعروف بابن طباطبا العلوي الأصبهاني خاتما فصه عقيق حسن، فكتب إلي:
جاءتك إبهامي وسبابتي ... تشكر ما أوليته خنصري
فالتتا في قلم ناطق ... يفصح عن شكرهما المضمر
أعانتا أختهما بالتي ... سطرتا لمدح من أسطر
جزاء ما أوليتها بالذي ... قد زانها من رائق الجوهر
ألبستها فص عقيق غدا ... يزهى على ياقوتها الأحمر
قال: وأهدى أبو جعفر محمد بن حميد إلى البحتري فرسًا، فكتب إليه البحتري يشكره، ويصف الفرس ويستهديه سرجا ولجاما بشعر يقول فيه:
أما الجواد فقد بلونا يومه ... وكفى بيوم مخبرا عن عامه
جارى الجياد فطار عن أوهامها ... سبقا وكاد يطير عن أوهامه
جذلان تلطمه جوان غرة ... جاءت مجيء البدر تحت تمامه
وأسود ثم صفت لعيني ناظر ... جنباته وأضاء في إظلامه
مالت نواحي عرفه فكأنها ... عذبات أثل مال تحت حمامه
ومقدم أذنين تحسب أنه ... بهما يرى الشخص الذي لأمامه
يختال في استعراضه ويكب في اس ... تدباره ويشب في استقدامه
1 / 7