وأهديت تريا بنت الأوباري ملكة أفرنجة وما والاها إلى المكتفى بالله في سنة ثلاث وسبعين ومائتين، خمسين سيفا وخمسين رمحا وعشرين ثوبا منسوجا بالذهب وعشرين خادما صقلبيا وعشرين جارية صقلبية وعشرة كلاب كبار لا تطيقها السباع وستة بازات وسبع صقور ومضرب حرير متلون بجميع الألوان كلون قوس قزح يتلون في كل ساعة من ساعات النهار وثلاثة أطيار من الأطيار الإفرنجية إذا نظرت إلى الطعام أو الشراب المسموم صاحت صياحا منكرا وصفقت بأجنحتها حتى يعلم بذلك وخرزا يجلب النصول بعد نبات اللحم عليها بغير وجع وحمارة وحشية عظيمة الخلقة في قدر البغل وآذانها شبه آذان البغل وهي مخططة تخطيطا عاما لجميع خلقتها.
وأهدى قسطنطين ملك الروم على المستنصر بالله في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة هدية عظيمة اشتملت قيمتها على ثلاثين قنطارا من الذهب الأحمر كل قنطار منها عشرة آلاف دينار عربية.
وحكى أن الخيزران جارية المهدي كانت أديبة شاعرة فعزم المهدي على شرب دواء فأنفذت إليه جام بلور فيه شراب اختارته له مع وصيفة بكر بارعة الجمال وكتبت غليه تقول:
إذا خرج الإمام من الدواء ... وأعقب بالسلامة والشفاء
وأصلح حاله من بعد شرب ... بهذا الجام من هذا الطلاء
فينعم للتي قد أنفذته ... إليه بزورة بعد العشاء
فسر بذلك ووقعت بذلك ووقعت الجارية منه أعظم موقع وزار الخيزران وأقام عندها يومين.
* * * وأهدى الصابي على عضد الدولة اسطرلابا في يوم المهرجان وكتب غليه يقول:
وأهدى إليك بنو الأملاك واحتفلوا ... في مهرجان جديد أنت تبليه
لكن عبدك إبراهيم حين رأى ... سمو قدرك عن شيء يدانيه
لم يرض بالأرض يهديها غليك وقد ... أهدى لك الفلك العلى بما فيه
* * * وأهدى رجل على المتوكل قارورة ذهب وكتب معها: إن الهدية إذا كانت من الصغير على الكبير فكلما لطفت ودقت كانت أبهى وأحسن وإذا كانت من الكبير إلى الصغير فكلما عظمت وجلت كانت أوقع وأنفع.
* * * وأهدى مرة أبو الهذيل إلى موسى بن عمران دجاجة وصفها له بصفات جليلة ثم لم يزل يذكرها وكلما ذكر شيء بجمال أو سمن قال هو أحسن وأسمن من الدجاجة التي أهديتها إليكم وإن ذكر حادث قال ذلك قبل أن أهدى لكم الدجاجة بشهر وما كان بين ذلك وبين إهداء الدجاجة إلا أيام قلائل فصارت مثلا لمن يستعظم الهدية ويذكرها. قال الشاعر:
وإن امرأ أهدى إلى صنيعة ... وذكرنيها مرة للئيم
* * * وقال سفيان الثوري إذا أردت أن تتزوج فأهد للأم وكان سفيان يروى عن ابن عباس رضى الله عنه: "من أهديت إليه هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها" فأهدى إليه صديق ثيابا من ثياب مصر وعنده قوم فذكروا الخبر فقال إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب أما في ثياب مصر فلا. وكتب الحمدوني على جارية اسمها برهان وقد حج مواليها فقال:
حجوا مواليك يا برهان واعتمروا ... وقد أتتك الهدايا من مواليك
فأطرفيني بما قد أطرفوك به ... ولا تكن طرفتي غير المساويك
ولست اقبل غلا ما جلوت به ... ثنيتيك وما رددت في فيك
وكتب بعضهم إلى صديقه وقد أهدى غليه هدية يسيرة يقول:
تفضل بالقبول على إني ... بعثت بما يقل العبد عندك
* * * وأهدى بعضهم على صديقه هدية في يوم نيروز وكتب غليه يقول هذا يوم جرت فيه العادة بألطاف العبيد للسادة، وقدر الأمير يجل عما تحيط به المقدرة، وفي سؤدده ما يوجب التفضل ببسط المعذرة، وقد وجهت ما حضر علما بأنه لا يستكثر ما جل، ولا يستقل لعبده ما قل، فإن رأى أن يتطول بقبول القيل كتطوله بإهداء الجزيل فعل، وجعل يقول:
رأيت كثير ما يهدى إليكم ... قليلا فاقتصرت على الدعاء
* * * وبلغ الحسن بن عمارة أن الأعمش يقع فيه ويقول ظالم ولى المظالم فأهدى إليه هدية فمدحه الأعمش بعد ذلك وقال: الحمد لله الذي ولى علينا من يعرف حقوقنا. فقيل له كنت تذمه ثم الآن تمدحه فقال حدثني خيثمة عن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال: (جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها) .
1 / 44