(نهي الولاة عن قبول الهدية) صعد النبي ﷺ المنبر فقال (ما بال أقوام استعملتهم على الصدقات فيجئ أحدهم فيقول هذا مالكم وهذا أهدى على هلا جلس في حفش أمه فينظر أيهدى إليه والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله بحمله فليأتين أحدكم وعلى رقبته بعير له رغاء وبقرة لها خوار وشاة لها ثغاء ثم رفع يده وقال اللهم قد بلغت) . وروى: إياكم والهدية فإنها ذريعة الرشوة. ولعن رسول الله ﷺ الراشي والمرتشي. قال الشيخ: وقد ذكرت خبر أنو شروان مع غيره في مثل هذا الباب في الولايات.
* * * (الممتنع من أخذ الهدية) سأل رجل الخيرزان حاجة فاستبطأها فأهدى إليه هدية فكتب إليه إن كان ما وجته ثمنا لرأيي فيك فقد بخستني في القيمة وإن كان استزادة فقد استغششتني في النصيحة.
وقال المدائني: أهدى رجل إلى مجوسي هدية فاغتم لذلك فقيل له فقال لئن ابتدأني: أهدى رجل إلى مجوسي هدية فاغتم لذلك فقيل له فقال لئن ابتدأني بها فإنه يدعوني إلى أن أتقلد منه منة ولئن كافأني على معروف عنده إنه ليروم أخذ ذلك فمن أي هذين لا أجزع.
وطلب عبد الله بن جعفر لأزادمرد حاجة من أمير المؤمنين ﵁ فأهدى إليه أزادمرد أربعين ألف درهم فامتنع عبد الله من أخذها وقال إنا أهل بيت لا نأخذ على معروفنا ثمنا.
وأهدى عبد الله بن السري على عبد الله بن طاهر لما ولاه مصر مائة وصيفة مع كل واحدة بدرة وبعثها إليه ليلا فردها وكتب إليه لو قبلت هديتك قبلتها نهارا (فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون) .
(من لان بعد لأخذ هدية) مر زياد بأبي العريان بالبصرة فقال من هذا فقالوا زياد بن أبى سفيان فقال ما أعرف في ولد أبى سفيان زيادا فبلغه ذلك فوجه غليه دنانير ثم مر به فقال من هذا فقالوا زياد بن أبى سفيان فقال لقد ذكرني شمائل أبى سفيان فبلغ ذلك معاوية ﵁ فكتب إليه:
ما لبثتك دنانير رشيت بها ... أن لونتك أبا العريان ألوانا
لله در زياد منذ قدمها ... كانت له دون ما يخشاه قربانا
فكتب له:
ابعث لنا صلة تحيا النفوس بها ... قد كدت يا ابن أبى سفيان تنسانا
من يسد خيرا يجده حيث يجعله ... أو يسد شرا يجده حيثما كانا
أما زياد فلا أنسيت نسبته ... ولم أرد بالذي حاولت بهتانا
* * * ولما ولى الحسن بن عمارة المظالم قيل ذلك للأعمش فقال ظالم ولى المظالم فأهدى إلى الأعمش رزمة ثياب فجعل يقول من بعد: إن الحسن كريم وحر سخي. وكان رؤية له حكومة فلم يكن يبلغ مراده فيها فأهدى لي الحاكم شيئا فنال ما رام فقال:
لما رأيت الشفعاء بلدوا ... أسوتهم برشوة فقردوا
وسهل الله بها ما شددوا
وكان بعض الولاة يخاشن بعض عماله فأضاه بما أهداه فسألته كيف حالك مع فلان فقال قد سد ابن بيض الطريق. وخبره معروف.
(استرداد ظروف الهدايا وتركها): قال الغنوي: استيموا الهدايا برد الظروف، وقال إسحاق بن إبراهيم: كنت مع الرشيد بالكوفة في شهر رمضان فقال لموسى ابن عيسى يا أبا عيسى حلواؤنا عليك وكان يوجه إليه كل ليلة عشر صحاف فلما كان بعد عشر ليال قطعها قال له الرشيد أصفوت فقطعت الحلواء فقال ما قطعها غيرك إن أنصفت قال كيف؟ قال إن من يأخذها منا لا يرد صحفة ولا منديلا ولا طبقا قال بئس ما عمل إن الهدايا تستدام برد الظروف فإذا صرت المتقاضى وأنت القاضي فلا تحتشم أحدا في استرداد الظروف. للصاحب وقد أهدى دنانير على طبق فضة فكتب بأبيات فيها: والظرف يوجب أخذه مع ظرفه.
(الاعتذار من إهداء شيء طفيف) كتب بعضهم: سهل لي سبيل الملاطفة فأهديت هدية من لا يحتشم على من لا يستغنم. كتب أحمد بن يوسف: للهدية معنيان كلاهما يوجب القبول وإن قل. وقيل إن كان لك عند المهدي يد فلا تستقصر بمزيدك وإن كان مبتدئا فالتفضل لا يستقل. الهدية أظرفها أخفها وأقلها أنبلها. وكتب آخر: قدمت المعذرة في إهداء ما اتسعت به المقدرة.
وروى أن سليمان ﵊ مر بعش قنبرة فأمر الريح أن تتجنب عشها الذي فيه فراخها فجاءت القنبرة لما نزل سليمان فرفرفت على رأسه وألقت جرادة هدية له لما فعل فقال سليمان: هي مقبولة فكل يهدى على قدر وسعه. ومما يروى لأبى يوسف القاضي:
1 / 36