موضوعات صالحة للخطب والوعظ
موضوعات صالحة للخطب والوعظ
জনগুলি
موضوعات صالحة للخطب والوعظ
جَمعها ورَتَّبها وطَبعها
محمد بن عبد الرحمن بن قاسم
رحمه الله تعالى
1 / 6
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
أما بعد: «فإن أحسن ما أنفقت فيه الأنفاس هو التفكر في آيات الله وعجائب صنعه، والانتقال منها إلى تعلق القلب والهمة به دون شيء من مخلوقاته» .
«وآيات الرَّب هي دلائله وبراهينه التي بها يعرفه العباد، ويَعرفون أسماءه، وصفاته، وأفعاله، وتوحيده، وأمره، ونهيه» .
هاتان العبارتان مما جادت به قريحة الإمام العلامة محمد بن أبي بكر -ابن قيم الجوزية- ﵀ (ت ٧٥١هـ) وسال به قلمه الذي طال النفع به الخلق الكثير.
وقال في الثناء على كتابه «مفتاح دار السعادة»: إن شئت اقتبست منه معرفة الصانع بطرق واضحات جليات تلج القلوب بغير استئذان، ومعرفة حكمته في خلقه وأمره. وإن شئت اقتبست منه معرفة قدر الشريعة وشدة الحاجة إليها؛ ومعرفة جلالتها وحكمتها، وإن شئت
1 / 7
اقتبست منه معرفة النبوة وشدة الحاجة إليها؛ بل وضرورة الوجود إليها، وأنه يستحيل من أحكم الحاكمين أن يخلي العالم منها. وإن شئت اقتبست منه ما فطر الله عليه العقول من تحسين الحسن وتقبيح القبح، وأن ذلك عقلي وفطري اهـ.
ومن هنا انطلقت؛ فاقتبست من هذا الكتاب ومن غيره من مؤلفاته ما يتعلق بمعرفة الله ﷾ بطرقه ودلائله، ومعرفة حكمته في خلقه وأمره، ومعرفة قدر الشريعة من حيث العموم وفي مسائل معينة ذكرتها، ومعرفة معجزات النبوة، ومسائل تتعلق بأعمال القلوب، ومبدأ الإنسان وميزانه ومصيره، إلى غير ذلك مما ستراه مفصلًا بصور خطب. وفيها عدد قليل ليس من كتبه.
وبما أن هذه الخطب السبع والثلاثين (٣٧) ليست من إنشائي، وإنما اخترتها، وجمعتها، ورتبتها، واختصرت بعض العبارات، وربطت بينها، وعلقت عليها ببعض العبارات التي رأيت الحاجة داعية إليها من كلام ابن القيم وغيره، وبعضها من عندي، وعزوت كلاَّ إلى صاحبه، وذكرت مراجع كل خطبة بعد نهايتها فقد سميتها (موضوعات صالحة للخطب والوعظ) ليستعمل منها الخطيب والواعظ ما يريدانه.
وكان من همي قديمًا التطلع إلى ما يتعلق بإثبات وجود الله ﷻ وتوحيد ربوبيته والرد على الملحدين، فقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀: «فأما توحيد الربوبية فهو الأصل، ولا يغلط في الإلهية إلا من لم يعطه حقه» . وقد يسر الله في هذه كثيرًا مما أردت.
وقال النبي ﷺ: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض:
1 / 8
الله، الله» (١)، وقال: «ولا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمتي الأوثان» وقال أيضًا: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ﵎» (٢) .
وقد كان ما أخبر به النبي ﷺ من عبادة الأوثان في فئام من الأمة، وجَدُّوا في تعظيم القبور وإحياء آثار أصحابها للتبرك بها.
ومن ناحية أخرى وجود الزهد في العبادات في فئام أخرى من الأمة هجروا ما جاء به الرسول ﷺ كُلِّيًا واتخذوه وراءهم ظهْريًا أو تخيروا فيما أنزل الله فعملوا ببعض وتركوا بعضًا.
فأولئك في طرف. وهؤلاء في طرف.
والإسلام وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين.
ولا تزال طائفة من أمة محمد ﷺ على الحق منصورة. فنسأل الله أن يجعلنا منهم، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب.
ومن مبادئ العزوف عن ذكر اسم الله تعالى ما اعتاده بعض الناس في تبادل التحيات بينهم، كقوله: صباح النور. صباح الفل. مساء الخير. مساء النور. لا يقول: صبحكم الله بالخير. مساكم الله بالخير. وبدلًا من أن يقول: في أمان الله. في حفظ الله. يقول: مع السلامة. فهذا يشبه «عِمْ صَبَاحًا» .
_________
(١) أخرجه أحمد في المسند ج (٣/١٠٧) .
(٢) رواه البرقاني في صحيحه.
1 / 9
وكان شيخنا- ﵀ إذا لاقاه أحد في الطريق فقال: صبحك الله بالخير. رد عليه: «عليكم السلام» ليعلمه السنة. فكيف لو سمع: صباح الفل. صباح الياسمين.
اللهم اجعلنا ممن يقدرك حق قدرك، وأعنا على امتثال أمرك، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك، وسببًا للنجاة من الجحيم والفوز بدار النعيم، فإنك رحيم كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن قاسم
٦/١٤١٩هـ
1 / 10
لا تشَكُّكَ في وجود الله
﵎
الحمد لله الذي يسر على الإنسان علم ما هو محتاج إليه في معاشه ومعاده أتم تيسير، وأهَّلَ من شاء لمعرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وأسرار دينه وشرعه، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يستحق العبادة إلا هو؛ لإحسانه إلى عباده، ولجلاله وجماله وكماله.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بعثه وإخوانه المرسلين، مذكرين بهذا الحق ومعذرين ومنذرين. اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيا عباد الله: تأملوا حِكمَ اللَّطيف الخبير أن يسر على الإنسان طرق ما هو محتاج إليه من العلم، وكلما كانت حاجته إليه من العلم أعظم كان تيسيره إياه عليه أتم فأعطاه معرفة خالقه وباريه ومبدعه سبحانه والإقرار به؛ ولهذا قالت الرسل لأممهم: ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ [إبراهيم: ١٠] فخاطبوهم مخاطبة من لا ينبغي أن يخطر له شك مَّا في وجود الله سبحانه، وإنما يكون الشك فيما تخفى
أدلته وتشكل براهينه، فأما من له في كل شيء محسوس أو
1 / 11
معقول آية بل آيات مؤدية عنه شاهدة بأنه الله الذي لا إله إلا هو رب العالمين فكيف يكون فيه شك؟!
فالرسل عليهم الصلاة والسلام إنما دعوا أممهم إلى عبادته وحده، لا إلى الإقرار به؛ فوجوده سبحانه وربوبيته وقدرته أظهر من كل شيء فهو أظهر للبصائر من الشمس للأبصار، وأبين للعقول من كل ما تعقله وتقر بوجوده، فما ينكره إلا مكابر بلسانه من كل جحود كفور، وقلبه وعقله وفطرته كلها تكذبه. فقد نصب سبحانه من الأدلة على وجوده ووحدانيته وصفات كماله الأدلة على اختلاف أنواعها ما لا يطيق حصرها إلا الله، ثم ركز ذلك في الفطرة، ووضعه في العقل جملة، فإذا قال الداعي: يا الله! قام بقلبه ربا، قيومًا بنفسه، مستويًا على عرشه، مكلمًا، متكلمًا، سامعًا، رائيًا، قديرًا، مريدًا، فعالًا لما يشاء، يسمع دعاء الداعين، ويقضي حوائج السائلين، ويفرج عن المكروبين، ترضيه الطاعات، وتغضبه المعاصي، تعرج الملائكة بالأمر إليه، وتنزل بالأمر من عنده، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ [الروم: ٣٠، ٣١] هذه هي الفطرة.
واسمعوا عباد الله إلى دلالة العقل، قال تعالى منكرًا على المشركين معه غيره في العبادة: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطُّور: ٣٥] ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ﴾ [الطُّور: ٣٦]، يقول تعالى: هؤلاء مخلقون بعد أن لم يكونوا، فهل خلقوا من غير خالق خلقهم؟ فهذا من المحال الممتنع عند كل من له فهم وعقل أن يكون مصنوع من غير صانع، ومخلوق من غير خالق.
1 / 12
ولو مر رجل بأرض قفر لا بناء فيها ثم مر بها فرأى فيها بنيانًا وقصورًا وعمارات محكمة لم يخالجه شك ولا ريب أن صانعًا صنعها وبانيًا بناها. ثم قال: ﴿أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطُّور: ٣٥] وهذا أيضًا من المستحيل أن يكون العبد موجدًا خالقًا لنفسه، فإن من لا يقدر أن يزيد في حياته بعد وجوده وتعاطيه أسباب الحياة ساعة واحدة، ولا أصبعًا واحدًا، ولا ظفرًا، ولا شعرة، كيف يكون خالقًا لنفسه في حال عدمه؟ وإذا بطل القسمان تعين أن لهم خالقًا خلقهم وفاطرًا فطرهم. ثم قال: ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الطُّور: ٣٦] وبين بهذا القسم الثالث أنهم بعد أن وجدوا وخلقوا فهم عاجزون غير خالقين، وأن الواحد القهار الذي لا إله غيره ولا رب سواه هو الذي خلقهم وخلق السموات والأرض، فهو المتفرد بخلق المسكن والساكن، بخلق العالم العلوي والسفلي وما فيه، فهو الإله الحق الذي يستحق عليهم العبادة والشكر، فكيف يشركون به إلهًا غيره وهو وحده الخالق لهم؟ ﴿بَل لَا يُوقِنُونَ﴾ [الطُّور: ٣٦] فعدم إيقانهم هو الذي يحملهم على الشرك به في العبادة.
وهذا إبراهيم ﵇ استدل «بأفعال الرب» حين حاجه النمرود، الكافر الجحود، إذ قال لإبراهيم: أرأيت إلهك هذا الذي تعبد وتدعو إلى عبادته وتذكر من قدرته التي تعظمه بها على غيره ما هو؟ قال إبراهيم: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة: ٢٥٨] قال نمرود:
﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ [البقرة: ٢٥٨] فقال له إبراهيم: كيف تحيي وتميت؟ قال: آخذ الرجلين قد استوجبا القتل في حكمي فأقتل أحدهما فأكون قد أمته، وأعفو عن الآخر فأتركه فأكون قد أحييته،
أوهم الحاضرين أنه يفعل مثل ما يفعله الله فيكون ربًا.
1 / 13
فقال له إبراهيم: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ [البقرة: ٢٥٨] فإن كنت صادقًا فافعل مثل فعله في طلوع الشمس فإذا أطلعها من جهة فأطلعها أنت من جهة أخرى. استدل إبراهيم ﵇ بأفعال الرب المشهودة المحسوسة التي تستلزم وجوده وكمال قدرته ومشيئته وعلمه ووحدانيته من الإحياء والإماتة المشهودين اللذين لا يقدر عليهما إلا الله وحده، وإتيانه تعالى بالشمس من المشرق فتنصاع لقدرته ومشيئته لا يقدر أحد سواه على ذلك. فلما علم عدو الله صحة ذلك وأن من هذا شأنه على كل شيء قدير بهت وأمسك وظهر بطلان دعواه وكذبه، وأنه لا يصلح للربوبية وأهلكه الله وجنوده، قال زيد بن أسلم (١): جمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس وأرسل الله عليهم بابا من البعوض فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظامًا بادية، ودخلت واحدة منها في منخري الملك فمكثت فيه أربعمائة سنة عذبه الله بها حتى أهلكه بها.
واقتدى به فرعون حين دعاه موسى إلى ربه وفاطره وخالقه الذي أوجده ورباه بنعمه: جنينًا، وصغيرًا، وكبيرًا، وآتاه الله الملك، فقابل هذا بغاية الكفر والعناد، وادعى أنه رب العالمين، هذا وهو يعلم أنه ليس بالذي خلق فسوى، ولا قدر فهدى، فكذب الخبر، وعصى الأمر، ثم أدبر يسعى بالخديعة والمكر، فحشر جنوده فأجابوه، ثم نادى فيهم بأنه ربهم الأعلى واستخفهم فأطاعوه، فبطش به جبار السموات والأرض بطش عزيز مقتدر، وأخذه نكال الآخرة والأولى ليعتبر بذلك من يعتبر.
_________
(١) فيما رواه عنه عبد الرزاق. انظر تفسير ابن كثير على الآية.
1 / 14
ولا يستنكر الجحود يا عباد الله مع ظهور الأدلة، فهذا شأن النفوس الجاهلة الظالمة، تجد الرجل منغمسًا في النعم وقد أحاطت به من كل جانب وهو يشكو حاله ويتسخط مما هو فيه (١) وربما أنكر النعمة، فضلال النفوس وغيها لا حد له تنتهي إليه.
ودل الدليل العقلي والشرعي على انتهاء المخلوقات والمصنوعات إلى خالق واحد، موصوف بصفات يؤثر بها في المخلوقات ومقاديرها وأشكالها وهيئاتها عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر» فقال الأعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الضباء فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها. قال: «فمن أجرب الأول؟!» وفي لفظ: «أفرأيت الأول من أعداه» (٢) .
فكل مخلوق له أول، والخالق سبحانه لا أول له؛ فهو وحده الخالق، وكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن.
ومن الأدلة العقلية ما أبقاه الله تعالى من آثار عقوبات أهل الشرك وآثار ديارهم وما حل بهم، وما أبقاه من نصر أهل التوحيد وإعزازهم وجعل العاقبة لهم، قال تعالى:
﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٣٩] وقال في ثمود ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ
_________
(١) قلت: وإذا سئل بعض هؤلاء كيف حالك؟ قال: «ادعوا لي» .
(٢) بين ﷺ الدور والتسلسل وقطعهما بأوجز لفظ وأبينه، ففهم السامع من هذا أن إعداء الأول إن كان من إعداء غيره له فإنه لم ينته إلى غاية فهو التسلسل في المؤثرات، وهو باطل بصريح العقل. وإن انتهى إلى غاية وقد استفادت الجرب من إعداء من جرب به له فهو الدور الممتنع.
1 / 15
لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [النمل: ٥٢، ٥٣] وقال عن قوم لوط: ﴿إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٣٤، ٣٥] .
وقال بعض الأعراب وقد سئل: ما الدليل على وجود الله تعالى: فقال: يا سبحان الله! إن البعر ليدل على البعير، وإن أثر الأقدام ليدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟! فاستدل الأعرابي بالأثر على المؤثر، كقوله تعالى لمن قالوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فُصّلَت: ١٥] .
وحكي عن أبي حنيفة ﵀: أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى، فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه- ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر، وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها، وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد. فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل. فقال: ويحكم! هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع؟ فبهت القوم، ورجعوا إلى الحق وأسلموا على يديه.
فالمخلوقات جميعها وما تضمنته من التخصيصات والحكم والغايات مستلزمة للخالق عينًا، فانتقال الذهن منها إلى العلم بالخالق كانتقال
الذهن من رؤية الدخان إلى أن تحته نار، ومن رؤية الجسم
1 / 16
المتحرك قسرًا إلى أن له محركًا، ومن رؤية شعاع الشمس إلى العلم بطلوعها، ونظائر ذلك. فعلم العقل بوجود الخالق كجزم الحس بما يشاهده من آياته المشهودة.
وآياته سبحانه هي: دلائله وبراهينه التي بها يعرفه العباد، وبها يعرفون أسماءه وصفاته وأفعاله وتوحيده وأمره ونهيه.
فآياته سبحانه وأدلة توحيده وما أخبر به من المعاد وما نصبه من الأدلة لصدق رسله لا تحتاج إلى ما يزعمه كثير من النظار أنه دليل، كقولهم: كل ممكن مفتقر إلى واجب، وكل محدث مفتقر إلى محدث. فإن هذه القضية الكلية بعد تعبهم في تقريرها ودفع ما يعارضها لا تدل على مطلوب معين وخالق معين، وإنما تدل على واجب مَّا ومُحدِث مَّا (١) .
فاتقوا الله عباد الله وأحمدوه أن علمكم ما لم تكونوا تعلمون، واذكروه يذكركم، وأشكروه يزدكم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤] .
_________
(١) رؤي سيبويه- ﵀ بعد وفاته فقيل له: ما فعل الله بك. قال: غفر لي وأدخلني الجنة. قيل بأي شيء؟ قال بقولي: الله أعرف المعارف. (سمعت هذا في صغري على لسان بعض طلبة العلم) .
1 / 17
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يسر كلًا لما خلق له، وربك أعلم وأحكم.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد الخلق أجمع، ﷺ وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم على الأثر.
أما بعد: فيا عباد الله حاجة العباد إلى معرفة ربهم وفاطرهم ومعبودهم ﷻ فوق مراتب الحاجات كلها؛ فإنه لا سعادة لهم ولا فلاح ولا صلاح ولا نعيم إلا بأن يعرفوه ويعبدوه، ويكون هو وحده غاية مطلوبهم ونهاية مرادهم، وذكره والتقرب إليه قرة عيونهم وحياة قلوبهم. فمتى فقدوا ذلك كانوا أسوأ حالًا من الأنعام بكثير، وكانت الأنعام أطيب عيشًا منهم في العاجل وأسلم عاقبة في الآجل.
ثم إن الله ﷻ كما يسر على الإنسان طرق المعرفة بربه ﵎ فقد يسر عليه معرفة ما يجب عليه من «أفعاله التكليفية» بيَّن بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمر الله به، وجميع ما نهى عنه، وجميع ما أحله، وجميع ما حرمه، وجميع ما عفا عنه.
1 / 18
وبهذا يكون دينه كاملًا، كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: ٣] .
وكذلك أعطاهم سبحانه من العلوم المتعلقة بصلاح معاشهم ودنياهم بقدر حاجتهم: كعلم الطب، والحساب، وعلم الزراعة، وضروب الصنائع، واستنباط المياه، وعقدة الأبنية، وصنعة السفن، واستخراج المعادن، وتهيئتها لما يراد منها، وتركيب الأدوية، وصنعة الأطعمة، ومعرفة ضروب الحيل في صيد الوحش والطير ودواب الماء، والتصرف في وجوه التجارات، ومعرفة وجوه المكاسب، وغير ذلك مما فيه قيام معايشهم.
ثم منعهم سبحانه علم ما سوى ذلك مما ليس من شأنهم؛ ولا فيه مصلحة لهم، ولا نشأتهم قابلة له؛ فجهلهم به لا يضر، وعلمهم به لا ينتفعون به انتفاعًا طائلًا: كعلم الغيب، وعلم ما كان وكل ما يكون، والعلم بعدد القطر، وأمواج البحر، وذرات الرمال، ومساقط الأوراق، وعدد الكواكب ومقاديرها، وعلم ما فوق السموات وما تحت الثرى، وما في لجج البحار، وأقطار العالم، وما يكنه الناس في صدورهم، وما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، إلى سائر ما غرب عنهم علمه.
ومنعهم من العلم علم الساعة، ومعرفة آجالهم فإن كان قصير العمر لم يتهنأ بالعيش وخربت الدنيا لأن عمارتها بالآمال، وإن تحقق طول عمره لم يبال بالانهماك في الشهوات وأنواع الفساد وتأخير التوبة، وقد قال تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ
1 / 19
يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: ١٨] (١) إن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ (٢) .
_________
(١) المراجع «مفتاح دار السعادة» ج (١/٢٨٠، ٢٣٧)، «شفاء العليل» (١٥٦، ٢٠٤، ٢٠٥، ٢١١، ٢١٢)، التبيان ص (١٥٩، ٢٨٢)، «إعلام الموقعين» ج (١/٣٣٢)، «بدائع الفوائد» ج (٤/١٧٤، ١٧٥)، «فتاوى ابن تيمية» ج (١٦/٣٥٧) .
(٢) قلت: ويضيف الخطيب- في كل خطبة أخيرة- ما هو مشهور في الخطب الموثوقة من العبارات الجامعة المأثورة، والترضي عن الصحابة جميعًا، وتخصيص الخلفاء الراشدين بالأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي- ينص على أسمائهم وإمامتهم وخلافتهم- وإذا صلى على النبي ﷺ لا يخص الآل؛ بل يجمع بين الصلاة على آله وأصحابه؛ ليخرج من البدعتين، ولا يخص الآل بالطهارة لأن ما ورد فيهم ترغيب وأمر؛ لا خبر نبه على ذلك ابن تيمية ﵀ قال: ونحن نعلم أن من بني هاشم من ليس بمطهر، والله لم يخبر أنه طهر جميع أهل البيت، وأذهب عنهم الرجس؛ فإن هذا كذب على الله اهـ. أو يترك هذه الجملة -الطيبين الطاهرين- وهو أولى. ويوصي بالتقوى، ويصلي على النبي ﷺ ويدعو للمسلمين. وإنما نبهت على هذا لأني لم أذكره في آخر الخطب.
1 / 20
الله أكبر
من كل شيء وأعظم
الحمد لله الذي بهرت بدائع صنعه الألباب، وخضعت لجبروته الصعاب، فكل محسوس إلى ربوبيته هاد، وكل موجود إلى وحدانيته داع.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا مثل له، ولا ولد له، ولا والد له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بعثه الله وسائر النبيين قبله إلى من شاء من عباده، فجعلهم سفراء بينه وبين خلقه، وأمدهم بعونه، وحبا نبينا من كرامته بالقسم الأفضل، ومن الأصحاب بالحظ الأوفر. والحمد لله الذي كرمنا بتصديقه، وشرفنا باتباعه، وجعلنا من أهل الإقرار والإيمان به وبما دعا إليه وجاء به. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم أزكى صلواته، وأفضل سلامه وأتم تحياته (١) .
أما بعد فقد روى الإمام ابن خزيمة ﵀ وغيره، عن عدي بن حاتم الطائي ﵁ في قصة إسلامه، قال: «أتيت النبي ﷺ وهو جالس في المسجد- وكنت نصرانيًا- فقام فلقيته امرأة وصبي معها، فقالا: إن لنا إليك حاجة، فقام معهما حتى قضى
_________
(١) تفسير ابن جرير «المقدمة» .
1 / 21
حاجتهما، ثم أخذ بيدي حتى أتى داره، فألقيت له وسادة فجلس عليها، وجلست بين يديه. فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما يفرك أن تقول: لا إله إلا الله- أي ما يحملك على الفرار إلا التوحيد- فهل تعلم من إله سوى الله؟ قال: قلت: لا. ثم تكلم ساعة، ثم قال: يا عدي ما يفرك، أيفرك أن يقال: الله أكبر، فهل تعلم شيئًا أكبر من الله؟ قال: قلت: لا. قال: فإن اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضُلاّل. قال: قلت: فإني حنيف مسلم. قال فرأيت وجهه ينبسط فرحا» ففي هذا الحديث- يا عباد الله- أعظم دلالة على عظمة الله ﵎، وأنه أكبر من كل شيء: ذاتًا، وصفة، وأفعالًا (١) .
والعالم العلوي والسفلي بالنسبة إلى الخالق سبحانه في غاية الصغر، كما قال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزُّمَر: ٦٧] فالأرض، والسماء الدنيا فوقها محيطة بها من كل جانب، وكذا الباقي، والكرسي فوق السموات كلها بين يدي العرش، ونسبة السموات وما فيها إلى الكرسي كحلقة في فلاة، والجملة بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة، والعرش فوق جميع المخلوقات مقبب له قوائم وهو سقف الجنة، وتحته بحر.
_________
(١) وأخبرنا بأنه «الكبير»، فقال تعالى: ﴿الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرّعد: ٩] . وبأنه «الأكبر» كما في الألفاظ المشروعة في الأذان والصلاة وغيرهما، وهي أفعل تفضيل يقتضي كونه أكبر من كل شيء بجميع الاعتبارات، فالله أكبر من كل شيء، في ذاته، وصفاته، وأفعاله، كما هو فوق كل شيء وعال على كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجل من كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله. فلله سبحانه العلو الذاتي، والمعنوي، والعظمة الذاتية والمعنوية، والجلال والجمال الذاتي والمعنوي.
1 / 22
هذا العرش العظيم الذي هو أعلا المخلوقات خلق من مخلوقات الله لا نسبة له إلى عظمة الله وكبريائه، كما في الحديث الذي رواه أبو داود، عن جبير بن مطعم قال: «أتى رسول الله ﷺ أعرابي فقال: يا رسول الله: جهدت الأنفس، وجاع العيال، وذكر الحديث إلى أن قال رسول الله ﷺ: «إن الله على عرشه، وإن عرشه على سمواته لهكذا، وقال بأصابعه مثل القبة» . وروي عن ابن عباس قال: ما السموات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم.
وروى البخاري عن ابن مسعود ﵁ قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد! إنا نجد أن الله ﷿ يجعل السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر ثم قرأ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعَام: ٩١] الآية. المعنى ما عظم المشركون الله حق عظمته حين عبدوا معه غيره ونسبوا له الصاحبة والولد، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، القادر على كل شيء، وكل شيء تحت قهره وقدرته.
ومن عظمته سبحانه أن الخلق كلهم يرونه من غير خفاء ولا ازدحام، روى أبو داود في سننه، عن أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول الله: أكلنا يرى ربه مخليًا به يوم القيمة، وما آية ذلك في خلقه؟ قال: «يا أبا رزين: أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر مخليًا به؟» قال: بلى. قال: «فإنما هو خلق من خلق الله، فالله أجل وأعظم» .
1 / 23
فكل منهم يخلو به كما يخلو الرجل بالقمر ليلة البدر، فيقرره بذنوبه.
ومن عظمته سبحانه أنه لما تجلى منه ما تجلى للجبل ساخ الجبل في الأرض وتدكدك لعظمة ما رأى، واستغفر موسى من ذلك السؤال، وسبح ربه ﵎. والجبل أكبر من موسى وأعظم خلقًا.
قال ابن عباس ﵄: ما تجلى منه للجبل إلا قدر الخنصر فجعل الجبل ترابًا. قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعرَاف: ١٤٣] .
وفي الحديث الذي رواه البخاري: «حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» . فإذا كانت سبحات وجهه- وهي جلاله ونوره- لا يقوم لها شيء من خلقه، فما الظن بجلال ذلك الوجه الكريم وعظمته وكبريائه وكماله وجلاله وجماله.
وفي حديث حذيفة في رؤية المؤمنين ربهم في الجنة: «فيكشف الله الحجب فيتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله قضى أن لا يموتون لاحترقوا» (١) .
_________
(١) فحجابه النور مخلوق. وأما أنوار الذات التي يحجب عن إدراكها فذاك صفة للذات لا تفارق ذات الرب ﷻ. وليس كمثله شيء من الأنوار كما أن ذاته ليست كشيء من الذوات.
1 / 24
ومن عظمته سبحانه «سعة سمعه»: يسمع كلام عباده كله مع اختلاف لغاتهم وتفنن حاجاتهم؛ يسمع دعاءهم سمع إجابة، ويسمع كل ما يقولونه سمع علم وإحاطة، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: ٢٩] .
وروى ابن أبي حاتم، عن عائشة ﵂ أنها قالت: تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله ﷺ، وهي تقول: يا رسول الله أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك. قالت فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المجَادلة: ١- ٤] .
وكذلك ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة ﵁، عن النبي ﷺ قال: «يقول الله: قسمت الصلاة بيني وبين
1 / 25