ص. إ
أكتوبر 2003م
على سبيل التقديم
سألني أستاذنا الكبير يحيى حقي، عندما التقيت به مؤخرا في إحدى المناسبات، عما إذا كنت أذكر النقد الذي وجهه إلى روايتي الأولى «تلك الرائحة» عقب نشرها أول مرة في فبراير 1966م، وعندما أجبت بالإيجاب، سألني عن رأيي الآن، بعد مرور قرابة العقدين، في نقده، وفي روايتي عموما.
في تلك اللحظة كنت قد أوشكت أن أنسى كثيرا من تفاصيل الرواية؛ فقد مرت سنوات طويلة منذ قرأتها لآخر مرة؛ فليس من عادتي أن أعود إلى ما سبق لي كتابته؛ فمثل هذه القراءة تثير مللي، إن لم تكن مصدرا للشعور بالإحباط.
أما النقد الذي وجهه الأستاذ يحيى حقي للرواية، فلم أنسه أبدا!
كنت قد دفعت بالمخطوطة إلى مطبعة بدائية صغيرة في حي الظاهر، في فترة نادرة من تاريخ مصر الحديث، ألغيت فيها الأحكام العرفية، ولم يعد الكتاب يتطلب موافقة الرقابة قبل دخول المطبعة، رسميا على الأقل! فقد احتفظ الرقيب بمكتبه ووظيفته كما كان الأمر في السابق، وكل ما حدث من تغيير هو أن مكتبه أصبح بلا لافتة، وأن مصادرة الكتب لم تعد تتم قبل الطبع وإنما بعده.
وهذا ما حدث مع كتابي؛ فلم تكد طباعته تنتهي حتى صدر الأمر بمصادرته. ولا أذكر إذا كنت قد استدعيت إلى مكتب رئيس الرقابة أو أني ذهبت بنفسي شاكيا. المهم أني قابلت المرحوم طلعت خالد، أحد معاوني عبد القادر حاتم المخلصين، وكان قد جمع لديه بعض كبار موظفي مصلحة الاستعلامات ليتسلوا بالفرجة علي، وبسط أمامه نسخة من الرواية المصادرة، وقد ظهر أثر القلم الأحمر على هوامش أغلب صفحاتها، ثم سألني باستهزاء: لماذا رفض البطل أن ينام مع المومس التي أحضرها صديقه .. هل هو «مرخي»؟
لم أعن كثيرا بمجادلته . وقد كنت تمكنت من استخلاص عدد من النسخ المصادرة، فقمت بتوزيعها على أصدقائي ومعارفي من الكتاب والصحفيين، وحاولت أن أوسط البعض منهم من ذوي النفوذ في الإفراج عن الرواية، فذهبت مع المرحوم الأستاذ زكي مراد إلى الأستاذ أحمد حمروش، الذي كان يرأس تحرير مجلة «روزاليوسف» في ذلك الوقت، ورحب الرجل بي بحرارة، وأراني بروفة العدد الجديد من المجلة وبه تعليق صغير له عن الرواية تحت عنوان «لغة العصر». وعندما أبلغته بنبأ المصادرة ظهرت عليه المباغتة، ورفع سماعة التليفون واتصل بقريبه الأستاذ حمدي حافظ في مصلحة الاستعلامات، فاستمع إليه برهة، ودون أن يعيد السماعة إلى مكانها اتصل بمطبعة المجلة وطلب شطب مقاله عن الرواية.
ولكن أغلب الكتاب والصحفيين لم يصلهم نبأ المصادرة في الوقت المناسب، فظهرت تعليقات عدة في الصحف والمجلات، بينما كان الكتاب يرقد في مخازن وزارة الداخلية. وكان الأستاذ يحيى حقي من الذين أهديتهم إحدى النسخ، وكنت قد تعرفت إليه قبل شهر عقب خروجي من السجن في منتصف 1964م، فذهبت إليه في مجلة «المجلة» التي كان يرأس تحريرها، فاتحا أبوابها أمام كافة الكتاب، والجدد منهم بوجه خاص، تاركا المكتب الخشبي الثمين الذي يتصدر غرفته، مكتفيا بمقعد جلدي مريح إلى جانبه. وفي أول لقاء معه حملت إليه عرضا لأحدث كتب الناقد الإنجليزي ستيفن سبندر. وجلست أقرأ المقال عليه وهو ينصت باهتمام، ويدرسني بعينيه الذكيتين، مصححا لي في رفق ما ارتكبته من أخطاء فادحة في النطق. وعندما فرغت من القراءة أعلن قبوله للمقال، وكان أول شيء ينشر لي بعد خروجي من السجن، وحصلت من ورائه على عشرة جنيهات كاملة تكفلت بنفقاتي لمدة شهر.
অজানা পৃষ্ঠা