قال أبي: «دي المحكمة.»
دخلنا إلى الفناء، وقال أبي: «الوقت إحنا حنخش جوه، وحنلاقي مامتك قاعدة مع أمها.»
دهشت: «ماما؟» - «أيوه. تروح تسلم عليها وتشوف حتقولك إيه.» - «وانت مش جاي؟» - «لا، حستناك بره في الطرقة.»
وقادني أبي إلى ردهة كبيرة مظلمة، ومررنا بباب على اليمين فدفعني ناحيته وهو يقول: «أهي هناك أهيه.» وبالفعل رأيتها.
كانت تجلس ساكنة بجوار جدتي. وكانت الأخيرة أول من أبصرتني، فتطلعت خلفي في اهتمام، ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة غريبة لم أسترح لها، وجعلت تنظر إلي في جمود، وكان وجهها محاطا بطرحة بيضاء باهتة.
اقتربت منها وأنا أنظر إلى أمي. كانت ترتدي معطفا من الحرير الأسود وحول رأسها «بيشة». ولاحظت شعرها الأسود الطويل، وخيل إلي أنها ازدادت طولا وعرضا عن آخر مرة رأيتها.
ورأتني أمي، لكن لم يبد عليها أنها عرفتني. وفجأة خاطبتني في هدوء كأنني لم أفترق عنها أبدا: «إزيك.»
لكنها لم تطلب مني أن أجلس بجوارها، وانصرفت عني تتأمل ما يجري في القاعة. وقفت حائرا لا أدري ماذا أفعل. وحانت مني نظرة إلى الردهة الخارجية، فوجدت أبي يستدير برأسه ناحيتي وهو يتمشى واضعا يديه خلف ظهره، وأبصرت مكانا خاليا بجوار أمي فجلست فيه.
كنا في آخر القاعة، ولم تكن مزدحمة، وكانت بها دكك مستطيلة في نهايتها منصة مرتفعة جلس إليها القاضي، وإلى يساره وقف شيخ بقفطان وعمة ونظارة وسيدة بملاءة لف، وكانوا يتناقشون.
كانت هذه أول مرة أرى فيها محكمة. واستغربت؛ فلم يكن هناك شيء مما كنت أتصوره، لا مرافعات ملتهبة، وقاعة مزدحمة، وقاض يرتدي وشاحا ملونا، ومحام يلوح بيديه ويرن صوته في أنحاء القاعة.
অজানা পৃষ্ঠা