فقالت الملكة برنجاريا: «انهضي يا ابنة العم، انهضي، وتيقني أن الأمر سوف ينتهي على خير مما تظنين. انهضي يا عزيزتي أديث؛ إني آسفة لأني تفكهت بفارس، لك فيه كل هذا الهوى. كلا، كلا، لا تهزي بيديك؛ سوف أعتقد أنك لا تعنين بأمره، لسوف أعتقد بأي شيء حتى لا أراك في هذا المظهر البائس الكئيب. اعلمي أني سوف أتلقى من الملك رتشارد على نفسي العتاب نيابة عن صاحبك الكريم ابن الشمال. كلا، بل ينبغي أن أقول أحد معارفك، فإنك لا تعترفين به صاحبا لك. كلا، لا تنظري إلي بهذه العين العاتبة؛ سوف نبعث بنكتبانس كي يصرف هذا الفارس الذي وكلت إليه حراسة العلم، ويعود إلى مقره، وسوف نتعطف عليه يوما نحن أنفسنا ونهيئ له ظرفا يعوض به هذا الخطأ الفاحش. ما إخاله الآن إلا مستلقيا متخفيا في إحدى الخيام المجاورة.»
فقال نكتبانس: «أقسم بإكليل الزنبق الذي أحمل، وبصولجان القصب الجميل الذي أرفع، إن جلالتك لخاطئة؛ إنه أقرب مما تظنين، إنه يرقد متحجبا هناك خلف حاجز الفسطاط.»
فصاحت الملكة بدورها، وقد اشتد بها الذعر والغضب وقالت: «إنه إذن لعلي مسمع من كل ما نقول. اغرب عني أيها الوحش الأحمق الخبيث!»
وما إن فاهت بهذه الكلمات حتى فر نكتبانس من السرادق وهو يصرخ صراخا يداخلك من طبيعته الشك: هل قصرت برنجاريا زجرها على اللفظ أم هل أضافت إلى ذلك تعبيرا آخر عن حنقها أشد توكيدا.
وقالت الملكة لأديث وهي تهمس همسا بادي القلق: «ماذا عسانا نصنع الآن؟»
فقالت أديث رابطة الجأش: «لنصنع ما ينبغي؛ يجب أن نرى هذا الرجل الكريم، وأن نضع أنفسنا تحت رحمته.»
وبعدما أتمت هذا الحديث، خفت إلى سجاف ترفعه، وكان السجاف يستر من أحد جوانبه مدخلا يصل الداخل بالخارج.
وقالت الملكة: «برب السماوات لا تفعلي، انظري، هذه غرفتي وذاك ردائي، وفي أي ساعة! وشرفي!»
ولكن قبل أن تدلي بكل عتابها، سقط السجاف، ولم يعد بين الفارس المسلح وجماعة النساء حجاب، وكان ذلك في ليلة من ليالي الشرق الدفيئة، التي حدت بالملكة برنجاريا ووصيفاتها إلى أن يخلعن أثوابهن ولا يرتدين إلا لباسا خفيفا لا كلفة فيه، ولا يتفق وما يقتضي موقفهن، ولا يلتئم ومثول شاهد من الرجال له مكانته. وما إن ذكرت الملكة هذا حتى صاحت صيحة عالية، ولاذت بالفرار من الغرفة التي كشفت عن السير كنث، وأظهرته للعيان في غرفة أخرى من غرف السرادق الفسيح لم يعد يفصلها على الغرفة التي وقف النسوة بها فاصل. وكانت السيدة أديث في حال من الأسى والهياج، وأحست بلهفة شديدة وهي تتبادل الحديث مع الفارس الاسكتلندي متعجلة مسرعة، فأدى بها ذلك إلى أن تنسى أن خصلات شعرها كانت على شعث، وأن جسمها لم يكن محكم الحجاب، ولم يكن ذلك مما تألفه بنات الأسر الكريمة في عصر لم يكن - رغم هذا - أكثر عصور العهد القديم تحسبا أو بصرا؛ وكان أهم ما تسترت به رداء رقيق فضفاض من الحرير الأحمر، وخف شرقي، دفعت بقدميها العاريتين فيه على عجل، ووشاح اتشحت به على كتفيها في لهفة وبغير اكتراث، وليس على رأسها ما يحجبه غير قناع من خصلات شعرها الغزير المهوش، تتدلى حوله من كل جانب، وتحجب محياها حجابا خفيفا، وقد انتشرت الحمرة فيه مما اعتراها من مزيج المشاعر، إذ أحست بالحياء والاستياء وغير ذلك من العواطف الثائرة العميقة.
وأحست أديث بموقفها بكل تلك الرقة التي هي أشد ما يسحرنا في الجنس اللطيف، ولكن لم يطرأ لها لحظة أن ترفع حياءها إلى حد التغاضي عن أداء الواجب نحو هذا الرجل الذي انساق إلى الخطأ والخطر من أجلها. حقا إنها جرت وشاحها وقربته من جيدها وصدرها، وأسرعت بنبذ مصباح كان بيدها، يشع منه ضياء شديد على جسمها؛ وبينما وقف السير كنث لا يبدي حراكا في ذات المكان الذي شوهد به أول الأمر، كانت هي إلى التقدم إليه أدنى منها إلى التقهقر عنه، وهي تصيح مذعورة وتقول: «أسرع إلى مقر حراستك أيها الفارس الجسور! لقد خدعت إذ سيق بك إلى هنا. عد ولا تسل.»
অজানা পৃষ্ঠা