التذلل والخضوع والاستكانة وإظهار الفاقة والحاجة واحتمال التجني والاستطالة. فهم إذا فكروا يلزم العشاق من هذه المعاني نفروا منه وتصابروا وأزالوا الهوى عنه وإن بلوا به، وكذلك الذين تلزمهم أشغال وهموم بليغة اضطرارية دنيائية أو دينية. فأما الخنثون من الرجال والغزلون والفراغ والمترفون والمؤثرون للشهوات الذين لا يهمهم سواها ولا يريدون من الدنيا إلا إصابتها، ويرون فوتها فوتا وأسفا، وما لم يقدروا عليه منها حسرة وشقاء، فلا يكادون يتخلصون من هذه البلية لا سيما إن أكثروا النظر في قصص العشاق ورواية الرقيق الغزل من الشعر وسماع الشجي من الألحان والغناء. فلنقل الآن في الاحتراس من هذا العارض والتنبيه على مخاتله ومكامنه بقدر ما يليق بغرض كتابنا هذا. ونقدم قبل ذلك كلاما نافعا معينا على بلوغ غرض ما مر من هذا الكتاب وما يأتي بعده، وهو الكلام في اللذة.
فنقول: إن اللذة ليست بشيء سوى إعادة ما أخرجه المؤذي عن حالته إلى حالته التي كان عليها. كرجل خرج من موضع كنين ظليل إلى صحراء ثم سار في شمس صيفية حتى مسه الحر ثم عاد إلى مكانه ذلك، فإنه لا يزال يستلذ
পৃষ্ঠা ৩৬