وإماتته إلى أمر عظيم جدا، حتى إنها لا تنال من المأكل والمشرب إلا قوتا وبلغة ولا تقتني مالا ولا عقارا ولا دارا. وربما أقدم الموغل منهم في هذا الرأي على اعتزال الناس والتخلي منهم ولزوم المواضع الغامرة. وبهذا ونحوه يحتجون لصحة رأيهم من الأشياء الحاضرة المشاهدة. فأما ما يحتجون به له من أحوال النفس بعد مفارقتها للبدن فإن الكلام فيه يجاوز مقدار هذا الكتاب في شرفه وفي طوله وفي عرضه. أما في شرفه فإنه يبحث فيه عن النفس ما هي ولم هي مع الجسم ولم تفارقه وما تكون حالها بعد مفارقته، وأما طوله فلأن كل واحد من هذه البحوث يحتاج في تعبيره وحكايته إلى أضعاف أضعاف ما في هذا الكتاب من الكلام، وأما في عرضه فلأن قصد هذه المباحث هو إلى صلاح حال النفس بعد مفارقتها للجسد وإن كان قد يعرض فيه باشتراك الكلام أكثر إصلاح الأخلاق. ولا بأس أن نحكي منه جملة وجيزة من غير أن نتلبس فيه باحتجاج لهم أو عليهم، ونقصد منه خاصة للمعاني التي نظن أنها تعين على بلوغ غرض كتابنا هذا وتقوى عليه.
فنقول: إن فلاطن شيخ الفلاسفة وعظيمها يرى أن الإنسان ثلاث أنفس يسمى إحداها النفس الناطقة والإلهية والأخرى يسميها النفس الغضبية والحيوانية والأخرى النفس النباتية والنامية والشهوانية. ويرى أن النفسين الحيوانية والنباتية إنما كونتا من أجل
পৃষ্ঠা ২৭