قد حضر وقت ذبحها وهي منهمكة مقبلة على مأكلها ومشربها. قالوا: فلو كانت إصابة الشهوات والميل مع دواعي
الطباع هو الأفضل لم يكن يبخسه الإنسان ويعطاه ما هو أخس منه من الحيوان. وفي بخس الإنسان وهو أفضل الحيوان المائت حظه من هذه الأشياء وتوفر الحظ له من الروية والفكر ما يعلم منه أن الأفضل له استعمال النطق وتزكيته لا الاستعباد والانقياد لدواعي الطباع قالوا: ولئن كان الفضل في إصابة اللذات والشهوات ليكونون من له الطباع المتهئ لذلك أفضل ممن ليس له ذلك، فإن كان كذلك فالثيران والحمير أفضل من الناس لا بل ومن الحيوان غير المائت كله ومن البارئ عز وجل إذ ليس بذى لذة ولا شهوة قالوا: ولعل بعض الناس ممن لا رياضة له ولا يروى ولا يفكر في أمثال هذه المعاني لا يسلم لنا أن البهائم تصيب من اللذة أكثر مما يصيبه الناس. ويحتج علينا بملك ما ظفر بعدو منازع ثم جلس من وقته ذلك للهو واحتشد في إظهار جميع زينته وهيئته حتى بلغ من ذلك غاية ما يمكن الناس بلوغه، فيقول أين التذاذ البهيمة من التذاذ هذا وهل له عنده مقدار وله إليه نسبة؟ فليعلم قائل هذا أن كمال اللذة ونقصانها ليس يكون بالإضافة من بعضها إلى بعض بل بالإضافة إلى مقدار الحاجة إليها. فإن من لا يصلح حاله إلا ألف دينار إن أعطي منها تسع مائة وتسعة وتسعين دينارا لم يتم له صلاح حاله تلك. ومن كان يصلح حاله الدينار الواحد يتم له صلاح حالته بإصابة ذلك الدينار الواحد، على أن الأول قد أعطي أضعاف هذا فلم يكمل له صلاح حالته. والبهيمة إذا توفر عليها ما يدعوها إليه الطباع كمل وتم التذاذها بذلك، ولا يضرها ولا يؤلمها فوت ما وراء ذلك إذ كان لا يخطر لها ببال بتة. على أن للبهيمة فضل اللذة أبدا على كل حال. وذلك أنه ليس أحد من الناس يقدر أن يبلغ كل أمانيه وشهواته، لأن نفسه لما كانت نفسا مفكرة مروية متصورة للغائب عنه وكان في طباعها أن لا تكون لذي حال حالة إلا وتكون حالتها هي الأفضل، لا تخلو في حالة من الأحوال من التشوق والتطلع إلى ما لم تحوه والخوف والإشفاق على ما قد حوته، فلا تزال لذلك في نقص من لذتها وشهوتها. فإن إنسانا لو ملك نصف الأرض لنازعته نفسه إلى ما بقى منها وأشفقت وخافت من تفلت ما حصل له منها، ولو ملك الأرض بأسرها لتمنى دوام الصحة والخلود وتطلعت نفسه إلى علم خبر جميع ما في السماوات والأرضين. ولقد بلغني عن بعض الملوك الكبار الأنفس أنه ذكر عنده ذات يوم الجنة وعظيم ما فيها من النعيم مع الخلود، فقال أما أنا فإني أتنغص هذا النعيم وأستمره إذا فكرت بأني منزل فيها منزلة المفضل عليه المحسن إليه. فمتى يتم التذاذ هذا واغتباطه بما هو فيه، وهل المغتبط عند نفسه إلا البهائم ومن جرى مجراها؟ كما قال الشاعر: هو الأفضل لم يكن يبخسه الإنسان ويعطاه ما هو أخس منه من الحيوان. وفي بخس الإنسان وهو أفضل الحيوان المائت حظه من هذه الأشياء وتوفر الحظ له من الروية والفكر ما يعلم منه أن الأفضل له استعمال النطق وتزكيته لا الاستعباد والانقياد لدواعي الطباع قالوا: ولئن كان الفضل في إصابة اللذات والشهوات ليكونون من له الطباع المتهئ لذلك أفضل ممن ليس له ذلك، فإن كان كذلك فالثيران والحمير أفضل من الناس لا بل ومن الحيوان غير المائت كله ومن البارئ عز وجل إذ ليس بذى لذة ولا شهوة قالوا: ولعل بعض الناس ممن لا رياضة له ولا يروى ولا يفكر في أمثال هذه المعاني لا يسلم لنا أن البهائم تصيب من اللذة أكثر مما يصيبه الناس. ويحتج علينا بملك ما ظفر بعدو منازع ثم جلس من وقته ذلك للهو واحتشد في إظهار جميع زينته وهيئته حتى بلغ من ذلك غاية ما يمكن الناس بلوغه، فيقول أين التذاذ البهيمة من التذاذ هذا وهل له عنده مقدار وله إليه نسبة؟ فليعلم قائل هذا أن كمال اللذة ونقصانها ليس يكون بالإضافة من بعضها إلى بعض بل بالإضافة إلى مقدار الحاجة إليها. فإن من لا يصلح حاله إلا ألف دينار إن أعطي منها تسع مائة وتسعة وتسعين دينارا لم يتم له صلاح حاله تلك. ومن كان يصلح حاله الدينار الواحد يتم له صلاح حالته بإصابة ذلك
পৃষ্ঠা ২৫