وقد نبه صلى الله عليه وسلم: على مجامعها بقوله: إنه أروى وأمرأ وأبرأ, فأروى: أشد ريا وأبلغه وأنفعه, وأبرأ: أفعل من البرء وهو الشفاء أي: يبرى من شدة العطش ودائه, لتردده على المعدة المتلهبة دفعات فتسكن الدفعة الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه, والثالثة ما عجزت الثانية [عنه] وأيضا: فإنه أسلم لحرارة المعدة وأبقى عليها من يهجم عليه الماء البارد وهلة واحدة فيطفئ الحرارة الغريزية ويؤدي إلى فساد مزاج المعدة والكبد وإلى أمراض رديئة.
وقوله ((أمرأ)) أي ألذ وأنفع وقيل: أسرع انحدارا عن المريء لسهولته وخفته عليها.
ومن آفات الشرب دفعة واحدة: أنه يخاف منه الشرق لأن الشارب إذا شرب تصاعد البخار الدخاني الذي كان على القلب والكبد - ولورود الماء البارد عليه, فإن أدام الشرب اتفق نزول الماء وصعود البخار, فيتدافعان ويتعالجان, ومن ذلك يحدث الشرق ولا يتهنأ الشارب ولا يتم ريه.
وقد علم بالتجربة: أن ورود الماء [جملة واحدة] على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ((الكباد من العبء)) والكباد بضم الكاف وتخفيف الباء وجمع الكبد, وإذا ورد بالتدريج شيئا فشيئا لم يضاد حرارتها ولم يضعفها ومثاله صب الماء البارد على القدر وهي تفور لا يضره صبه قليلا قليلا.
وكان صلى الله عليه وسلم يشرب نقيع التمر, يلطف به كيموسات الأغذية الشديدة وله نفع عظيم في حفظ الصحة, وترطيب البدن, ومرى الكبد؛ ولا سيما اللبن الذي ترعى دوابه الشيح والقيصوم والخزامي, وما أشبه ذلك فإن لبنها: غذاء مع الأغذية, وشراب مع الأشربة, ودواء مع الأدوية.
পৃষ্ঠা ৮৮