26
صفحات منها لوصف الطباع ورسم الشخصيات (وربما بدأت من هنا رحلة هذا الفن البديع الذي نسميه فن الكاريكاتير).
27
وفي فرنسا تفوق جان دولا برويير (1645-1696) الذي سبق ذكر ترجمته للطباع في سنة 1688 وإضافاته إليها من واقع ملاحظاته الحادة لشخصيات عصره والمدينة التي كان يعمل بها (وهي كايين). ويكفي للتعبير عن الترحيب الذي لقيه هذا الكتاب أن تسعين كتابا آخر ظهر في فرنسا وحدها بين عامي 1688 و1917 تقليدا له ونسجا على منواله. واخترقت موجة التقليد حدود إنجلترا وألمانيا، فصدر كتاب ثيوفراسط الإنجليزي لمؤلفه «بوير» سنة 1692، كما قلدته في ألمانيا هجائيات مختلفة وضعها ج. و. رابينر (1716-1771) لينتقد فيها مظاهر الشطط والبذخ والادعاء لدى بعض شخصيات عصره، وكذلك بعض أعمال كرستيان جيللرت (1715-1769) التعليمية والوعظية التي اشتهر بها، كالمحاضرات الأخلاقية (1770)، والقصص والحكايات الخرافية على لسان الحيوان (1746). ويصعب متابعة جميع الأعمال التي حاكت كتاب ثيوفراسط في شكله ومادته محاكاة مباشرة أو غير مباشرة؛ لأن معظم هذه الأعمال مزيج من التقليد والأصالة، وفيها تنويعات وإضافات «وإسقاطات» من وحي العصر تجعلها خليطا غريبا من النقد الاجتماعي والوعظ والإرشاد الديني والأخلاقي والهجاء الكاريكاتيري، بحيث يمكن أن تعد مساهمة مبكرة فيما سمي بعد ذلك بعلم الطباع.
28
لكن الحظ لم يحالف الكتاب في رحلته الطويلة على الدوام؛ فقد بدأ اهتمام القارئ العام بالأصل والنسخ المقلدة أو الأصلية في التراجع الشديد منذ أوائل القرن التاسع عشر، وحل عالم اللغويات والمؤرخ والناقد الأدبي والاجتماعي ومحقق النصوص المخطوطة ... إلخ محل الأديب والقارئ العادي؛ وذلك لإضاءة النص وتحديد قيمته ومكانه من «نسق» ثيوفراسط الفلسفي الذي ما يزال العلماء عاكفين على بلورته والتغلب على صعوباته ومشكلاته. وزحفت موجات النقد الاجتماعي فأيقظت الاهتمام به عند بعض أدباء العصر الحاضر، مثل إلياس كانيتي على سبيل المثال في كتابه البديع الذي جمع فيه خمسين طبعا أو شخصية تحت هذا العنوان: «شاهد الأذنين». ولست أدري إن كان أديبنا العظيم نجيب محفوظ في «مراياه» قد استلهم هذا الكتاب العجيب أو لم يستلهمه؛ فالمهم أنه قدم فيه لوحات رائعة رصدها خياله الخصب وقلمه الفياض من واقع الحياة والناس من حوله، وأضافها إلى رصيد متحفه الرائع من الطباع والشخصيات شديدة التنوع والحيوية والتأثير. (12)
استبعدنا على الصفحات السابقة أن يكون «الطباع» كتابا أو جزءا من كتاب في الأخلاق. وإذا كنا قد توقفنا قليلا عند كتب ثيوفراسط الأخرى وفلسفته الأخلاقية وجهوده في كل ميادين «العلم» المعروفة في عصره، فقد حاولنا من وراء ذلك أن نضع الكتاب في السياق العام لتفكير صاحبه وحياته وظروف عصره المضطرب؛ لأن الكتاب في نهاية الأمر قد خطه قلم فيلسوف.
ونسأل أنفسنا الآن عن حقيقة هذا الكتاب وطبيعته بعد أن عرضنا باختصار لتأثيراته عبر العصور التي قرأته قراءات مختلفة.
يؤكد الأستاذ «فيلاكوت» مترجم الكتاب إلى الإنجليزية
29
অজানা পৃষ্ঠা