حافظ كونراد على طلاقته في اللغتين البولندية والفرنسية، وفي المنزل كان دوما يجري حوارات باللغات الثلاث. كذلك قدم النصح إلى المترجمين الذين ترجموا كتبه إلى الفرنسية والبولندية.
تكتب أجوتا كريستوف، وهي مؤلفة معاصرة ثنائية اللغة في المجرية والفرنسية، رواياتها بلغتها الثانية فقط. هربت أجوتا من المجر مع زوجها وطفلها البالغ من العمر أربعة أشهر خلال ثورة عام 1956 (كانت في الحادية والعشرين من عمرها في ذلك الوقت)، واستقرت في مدينة نيوشاتل في سويسرا. لم تكن تعرف أية لغة إلا المجرية عند وصولها إلى هذه المدينة لأول مرة، وعملت لعدة سنوات في مصنع محلي لصنع الساعات. التحقت مرة أخرى بالجامعة ودرست الفرنسية بفضل منحة من الجامعة المحلية، وبدأت في احتراف الكتابة الأدبية بعد نحو 12 سنة من انتقالها إلى سويسرا. ترجم كتابها «المذكرة» (1986) - الذي يحكي قصة أخوين توءمين فقدا في دولة ممزقة - إلى عدة لغات. وتحكي في سيرتها الذاتية بعنوان «الأمية» (2004)، عن هجرتها الإجبارية إلى أوروبا الغربية.
2 (2) الكتابة بلغتين
كما قلت من قبل، إن الكتابة مهارة صعبة بأية لغة، والكتابة الأدبية فن لا يتقنه إلا عدد قليل من الناس. ومع ذلك، توجد مجموعة استثنائية من الأشخاص الثنائيي اللغة الذين يكتبون أعمالهم بلغتين، وليس لغة واحدة. أريد أن أستعرض هؤلاء المؤلفين الذين انتقلوا من التأليف بلغتهم الأولى إلى التأليف بلغتهم الثانية؛ وهؤلاء الكتاب، الأقل عددا، الذين بدءوا التأليف بلغتهم الثانية ثم عادوا، كما يبدو، إلى التأليف بلغتهم الأولى؛ والمؤلفين الذين يكتبون أعمالا ثنائية اللغة، باستخدام اللغتين في العمل الواحد.
بعض الكتاب الثنائيي اللغة الذين هاجروا في مرحلة أو أكثر من حياتهم، تحولوا من الكتابة بلغتهم الأولى إلى الكتابة بلغتهم الثانية أو الثالثة. يتبادر إلى ذهني ثلاثة من هؤلاء المؤلفين. ولد فلاديمير نابوكوف في سانت بطرسبرج، في روسيا عام 1899، ونشأ ثلاثي اللغة في الروسية والفرنسية والإنجليزية، وفي سن العشرين ذهب إلى كامبريدج حيث قرأ الأدب الفرنسي والسلافي. اشتهر نابوكوف بكونه أحد كتاب المهجر الذين كانوا يكتبون بالروسية، ونشر أعمالا مثل «ماشينكا» و«الهدية» و«العين» بهذه اللغة، لكنه فيما بعد كتب بالإنجليزية وأصبح مشهورا في العالم الناطق بالإنجليزية بسبب روايات مثل: «سيرة سباستيان نايت الحقيقية»، و«الخط المشئوم»، و«آدا»، و«لوليتا». ترجم نابوكوف أيضا أعمالا روسية إلى الإنجليزية، وأعمالا إنجليزية إلى الروسية (مثل «أليس في بلاد العجائب»).
المؤلف الثاني في هذه المجموعة هو صامويل بيكيت. ولد بيكيت في أيرلندا وكانت الإنجليزية لغته الأصلية، وتعلم الفرنسية في المدرسة وحصل على شهادته الجامعية في اللغات الرومانسية (أي اللغات ذات الأصل اللاتيني) واللغة الإنجليزية. على الرغم من ذلك، لم يستخدم في الواقع اللغة الفرنسية قط في حياته اليومية، حتى أصبح معلما في مدرسة الأساتذة العليا في باريس عندما كان في الثانية والعشرين من عمره. كانت أعماله الأولى - من قصص وقصائد - بالإنجليزية. وفي عام 1937، وهو في سن الحادية والثلاثين، انتقل للعيش في باريس على نحو دائم لكنه استمر في الكتابة بالإنجليزية؛ فنشر، على سبيل المثال، روايته «ميرفي» في عام 1938. شارك في أثناء الحرب العالمية الثانية في المقاومة في فرنسا ، ثم ذهب للاختباء بمنطقة فوكلوز. في عام 1951، ظهرت أول رواية بالفرنسية له وهي «مولي»، ومنذ ذلك الحين أصبح يكتب بكل من الفرنسية والإنجليزية. ورد عن إليزابيث بوجور أنه قال إنه في هذه المرحلة لم يكن يعلم مسبقا اللغة التي سيستخدمها في عمله التالي.
3
حصل بيكيت على جائزة نوبل في الأدب في عام 1969 لما له من إسهام في أدب هاتين اللغتين.
المؤلفة الثالثة هي إلزا تريوليه، وقد كان اسمها عند الميلاد إلزا كاجان، وهي روائية فرنسية من أصل روسي ظهرت في القرن العشرين. قضت إلزا السنوات الأولى من حياتها في روسيا، وانتقلت إلى فرنسا عندما كانت في الثانية والعشرين من عمرها، بعدما قابلت زوجها الأول، أندريه تريوليه. كانت أعمالها الأولى باللغة الروسية (منها «في تاهيتي»، و«التمويه»). وبعد طلاقها من تريوليه، تزوجت الشاعر والروائي الفرنسي لوي أراجون، وألف كل منهما أعمالا أدبية. ظهر أول كتاب لها بالفرنسية «مساء الخير يا تيريزا» في عام 1938، وتلاه كثير من الأعمال الأخرى، منها «العقبة الأولى تكلف مائتي فرنك» التي حصلت على جائزة جونكور المرموقة.
حللت إليزابيث بوجور الأسباب التي دفعت هؤلاء المؤلفين إلى التحول إلى الكتابة بلغتهم الثانية (أو الثالثة). أحد الأسباب الواضحة هو أن يتمكنوا من الكتابة إلى جمهور أكبر. إذا كنت تعيش في دولة ليست هي الدولة التي تكتب بلغتها (كأن تعيش مثلا في فرنسا وتكتب بالروسية)، فلن تجد ببساطة عددا كبيرا من القراء لأعمالك، حتى إن كان مجتمع المهاجرين كبيرا إلى حد ما (مثلما حدث مع نابوكوف وتريوليه).
অজানা পৃষ্ঠা