نذكر إفادة أخيرة لسيدة ثلاثية اللغة في الألمانية السويسرية والفرنسية والإنجليزية:
عندما أتحدث بالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية مع أختي لا تتغير شخصيتي. ومع ذلك، بناء على المكان الذي نكون فيه، قد تكيف كل منا سلوكها مع مواقف معينة نجد أنفسنا فيها.
بعبارة أخرى، يدفع كل من البيئة والمستمعين معا الأشخاص الثنائيي الثقافة الثنائيي اللغة إلى تغيير مواقفهم ومشاعرهم وسلوكياتهم (بالإضافة إلى اللغة)؛ ولا يكون هذا نتيجة لتغيير لغتهم في حد ذاته. إن هذا الكلام لا يمثل خبرا مذهلا، جديرا بأن تنشره رويترز، لكنه هو الأقرب إلى الحقيقة. (2) تفكير الأشخاص الثنائيي اللغة وأحلامهم
يوجد سؤال يطرح دوما على الأشخاص الثنائيي اللغة، وهو: ما اللغة التي يفكرون بها؟ طرحت هذا السؤال في دراسة صغيرة أجريتها على ثنائيي وثلاثيي اللغة، وكانت الإجابة: «بكلتا اللغتين» (بنسبة 70 في المائة).
10
لكن قبل أن نحاول فهم هذه النتيجة، يجب أن أؤكد على أن التفكير يمكن ألا يرتبط عادة باللغة؛ فعندما يسير الناس في الشارع أو يركبون حافلة أو يركضون في الأدغال، قد لا تكون أفكارهم بلغة محددة، سواء أكانوا أحاديي أم ثنائيي اللغة. فقد اعترف الفلاسفة وعلماء النفس منذ وقت طويل بأن التفكير يمكن أن يكون بصريا مكانيا، أو يحتوي على مفاهيم غير لغوية. رأى بعض العلماء مثل ستيفن بينكر وجيري فودور أن لدينا ما يسمى ب «لغة التفكير» (وتسمى أيضا «اللغة العقلية»)، وهي لغة ظهرت قبل ظهور اللغات؛ بمعنى أنها ظهرت قبل تحول التمثيلات التي نفكر فيها إلى الفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية، على سبيل المثال. يرى بينكر وفودور (لكن يوجد معارضون لهذا الرأي) أن اللغات الفردية لا تتدخل فعليا إلا في مرحلة متأخرة، عندما نخطط للحديث أو في مرحلة الحديث الداخلي الصامت؛ وحينها نصبح أحيانا مدركين للغة التي نفعلها.
أما الإجابة المذكورة سابقا (بكلتا اللغتين) فلا تثير الدهشة، نظرا لأن الأشخاص الثنائيي اللغة الذين سألتهم قد وضعوا على الأرجح في حسبانهم «المناجاة الداخلية» أو «الحديث الداخلي » عند إجابتهم عن سؤالي. ونظرا لأن الحديث (في هذه الحالة الحديث غير الشفوي) يستخدم عادة في مواقف مختلفة، ومع أشخاص مختلفين، ولأغراض مختلفة (انظر الحديث عن مبدأ التكامل)، فإن إجابتهم تكون منطقية للغاية. ومن ثم، إذا فكرت في شيء أريد كتابته في هذا الكتاب، بعد مرحلة «لغة التفكير» (أو اللغة العقلية)، فإن هذا سيكون بالإنجليزية؛ لأنني سأكتب هذا الشيء بهذه اللغة. أما إذا فكرت في قائمة التسوق، فإن هذا سيكون بالفرنسية؛ لأنني أعيش في منطقة تتحدث بالفرنسية. وإذا فكرت في شيء قاله لي أحد الأصدقاء ذات يوم، فإن هذا سيكون باللغة التي استخدمها هذا الصديق عند حديثنا معا. كتبت لي عالمة اللغة أنيتا بافلينكو تقول في هذا الشأن: «بهذه الطريقة، فإن التفعيل المتعلق بالسياق يؤثر في اختيار لغة «الحديث الداخلي».»
11
لا يختلف الوضع في حالة الأحلام. في الدراسة الصغيرة التي أجريتها، قال عدد كبير من ثنائيي وثلاثيي اللغة (نحو 64 في المائة) إنهم يحلمون بإحدى لغتيهم، بناء على طبيعة الحلم (هذا بالطبع عند استخدام لغة في الحلم). مرة أخرى، يطبق مبدأ التكامل في هذه الحالة؛ فبناء على الموقف والشخص اللذين نحلم بهما، سنستخدم لغة معينة من اللغتين أو كلتيهما؛ على سبيل المثال: أخبرني شخص ثنائي اللغة في الفرنسية والإنجليزية في الولايات المتحدة ذات مرة، أنه حلم بقرية صغيرة يعرفها جيدا في الجزء الذي يتحدث بالفرنسية في سويسرا، لم يذهب إليها منذ سنوات عديدة؛ التقى في حلمه بأحد سكان هذه القرية وتحدث معه بالفرنسية.
أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في أحلام الأشخاص الثنائيي اللغة، هو أن بعضا منهم قال إنه رأى نفسه يتحدث بطلاقة إحدى اللغات في الحلم، بينما هو في الواقع لا يجيد هذه اللغة إلى هذا الحد. وورد عن عالم اللغة فيروبوج فيلدومك أن شخصا ما متعدد اللغات يتحدث بعض الروسية لكن ليس بطلاقة، حلم أنه يتحدثها بطلاقة، لكنه عندما استيقظ أدرك أن هذا كان في الواقع خليطا من التشيكية والسلوفاكية، مع قليل من الروسية، ولم تكن إجادة منه للروسية على الإطلاق. أضاف فيلدومك أنه ورد عن آخرين من ثنائيي اللغة استخدامهم لتداخلات لغوية في أحلامهم، وهي انحرافات في إحدى اللغات نتيجة للغة أخرى، على الرغم من أنهم نادرا ما يفعلون هذا في اليقظة.
অজানা পৃষ্ঠা