إحدى المميزات الكبرى التي يعبر عنها دوما قدرة الأشخاص الثنائيي اللغة على التواصل مع أشخاص مختلفين من ثقافات مختلفة وفي دول مختلفة.
2
بالتأكيد تمكن الثنائية اللغوية المرء من التواصل مع كثير من الأشخاص، خاصة إذا كانت اللغات التي يستخدمها هي من أكثر اللغات الشائعة في العالم. كذلك إذا لم يتقن المرء إحدى اللغات بالقدر الكافي، أو لم يكن يعرفها على الإطلاق، فإن عملية التواصل تكون شديدة الصعوبة. فعندما عين مدرب كرة القدم الإيطالي فابيو كابيلو لتدريب المنتخب القومي الإنجليزي، تساءل كثيرون في وسائل الإعلام عن كيف سيتواصل مع أعضاء الفريق الذي سيدربه نظرا لكون لغته الإنجليزية ضعيفة، وورد عنه أنه قال أشياء من قبيل:
At this moment, my English is not so well
و
I am very proud and hon-or-ried («إن لغتي الإنجليزية حاليا ليست على ما يرام»، و«أنا أشعر بالفخر الشديد والاعتزاز»).
3
وقال إنه سيتعلم الإنجليزية على نحو مكثف، لكن الصحفيين كانوا يشكون في الأمر. (ويسعدني القول إنه بعد بضعة أشهر حقق تقدما جيدا في هذا الشأن.) وعلى صعيد أكثر جدية، توجد قصة ماريو كابيكي، أحد الحاصلين على جائزة نوبل في الطب، الذي اجتمع بعد فراق في سن السبعين بأخته غير الشقيقة مارلين بونيلي، البالغة من العمر تسعة وستين عاما، التي لم يرها منذ الحرب العالمية الثانية، أي منذ ما يقرب من ستين عاما؛ فقد انفصل عنها وعن والدته في أثناء الحرب، وتحتم عليه الاعتناء بنفسه في ظروف بالغة الصعوبة عندما كانت والدته معتقلة في معسكر اعتقال داخاو. اجتمع مرة أخرى بوالدته أخيرا في عام 1946 وانتقلا إلى الولايات المتحدة، لكن دون أخته غير الشقيقة، التي كانت حينها في النمسا. لم ير كابيكي أخته مرة أخرى إلا في عام 2008، في ظروف مؤثرة للغاية. كانت المشكلة عدم وجود لغة مشتركة بينهما؛ فلم تكن أخته تتحدث بالإنجليزية، ولم يكن يتحدث هو الألمانية، لغة أخته الأساسية.
ثمة حقيقة ترتبط بالقدرة على التواصل مع عدد أكبر من الناس؛ وهي أن الثنائية اللغوية تسمح للمرء بقراءة المزيد من الكتب (هذا بالطبع إذا كان يجيد القراءة بعدة لغات)، وهي تسمح، لبعض الأشخاص الثنائيي اللغة، بمزيد من الوضوح في الحديث وثراء أكثر في المفردات. توجد ميزة لغوية أخرى، وهي أن معرفة عدة لغات يبدو أنها تساعد المرء في تعلم لغات أخرى؛ فقد تحدث كثير من الأشخاص الثنائيي اللغة عن هذا الأمر، ويبدو زعمهم منطقيا؛ بداية، توجد حقيقة تقول إن اللغات الجديدة قد ترتبط باللغات التي يعرفها المرء بالفعل، ويسهل هذا عملية التعلم (فمعرفة اللغة الفرنسية ستساعدك في تعلم الإسبانية، ومعرفة الهولندية ستسهل عليك تعلم الألمانية). وتوجد أيضا حقيقة تقول إن العقل البشري ينظم اللغات، من حيث الصوت والبنية والصرف وغيرها، بطريقة تساعد في تكوين صلات بينها؛ ويمكن لهذه الصلات بدورها أن تساعد على نحو كبير في اكتساب لغة جديدة واستخدامها.
يبدو أن الثنائية اللغوية تشجع أيضا على التفكير التباعدي؛ فيقال دوما إن الأطفال الثنائيي اللغة يستطيعون إبعاد أنفسهم عن شكل إحدى الكلمات في سن مبكرة للغاية، ويستطيعون فهم أن الشيء يمكن أن يسمى بعدة طرق مختلفة ويخدم أغراضا مختلفة. وبالإضافة إلى المميزات المعرفية التي يحظى بها الأشخاص الثنائيو اللغة الأكبر سنا، التي ذكرت في الفصل السابق، فإن الثنائية اللغوية لها فوائد معرفية للبالغين؛ ففي إحدى الدراسات، طلب الباحث أناتولي كاركورين من ثنائيي اللغة وأحاديي اللغة أداء مهام متنوعة، مثل تخيل مواقف صعبة وتحديد المشكلات التي قد يواجهونها، أو رسم صور باستخدام أشكال غير مكتملة أو باستخدام مثلثات. حصل من هذه المهام على قياسات مختلفة للطلاقة والأصالة والتفصيل والمرونة، واستنتج أن الأشخاص الثنائيي اللغة كانوا أكثر تفوقا في مهام التفكير التباعدي التي تتطلب القدرة على التفعيل والمعالجة في الوقت نفسه لعدة مفاهيم لا علاقة بينها من فئات متباعدة. فقد تفوقت مجموعة الأشخاص الثنائيي اللغة على تلك الخاصة بالأحاديي اللغة في ثلاثة قياسات: الطلاقة والتفصيل والمرونة، أما الفئة الوحيدة التي كان أداؤهم فيها مطابقا لأداء الأشخاص الأحاديي اللغة فهي الأصالة، التي تتمثل في القدرة على ابتكار أفكار غير شائعة أو أفكار جديدة أو فريدة بالكامل.
অজানা পৃষ্ঠা