من المهم أيضا معرفة ما إذا كان بعض اللغات لا يزال الشخص في مرحلة اكتسابها (تخيل شخصا لم يمض على وجوده في الولايات المتحدة إلا عام واحد، وما زال يحاول تحقيق تقدم في تعلم اللغة الإنجليزية)، وإذا ما كانت لغات أخرى في مرحلة إعادة الهيكلة؛ بمعنى تعرضها للتعديل نتيجة تأثير لغة أقوى منها عليها. ينطبق هذا، على سبيل المثال، على اللغة الهندية لدى الشخص الثنائي اللغة في الهندية والفرنسية الذي يعيش في فرنسا، والذي لا يستخدم الهندية كثيرا نظرا لعيشه في الخارج لعشر سنوات.
يمثل التاريخ اللغوي للشخص الثنائي اللغة العامل الثالث الذي يجب علينا وضعه في الاعتبار. فما هي اللغات (والمهارات اللغوية) المكتسبة؟ ومتى تكتسب؟ وهل اكتسبت اللغات كلها في الوقت نفسه (وهذا أمر من النادر نسبيا أن يحدث) أم الواحدة تلو الأخرى؟ على سبيل المثال: يكتسب كثير من الناس إحدى اللغات في المنزل، ثم يكتسبون لغة ثانية عند التحاقهم بالمدرسة. وما هو أسلوب اكتساب هذه اللغات؟ هل تكتسب في ظروف عادية أم في ظروف رسمية أكثر (في المدرسة)، أم في مزيج من الاثنتين؟ يمكن أن تؤثر طريقة اكتساب المرء للغة ما على درجة إجادته لها، خاصة فيما يتعلق بكفاءة استخدامها في القراءة والكتابة. نحتاج أيضا إلى معرفة نمط استخدام اللغة على مر السنين. إجمالا، يؤثر العمر الذي اكتسب فيه المرء لغة ما، وطريقة اكتسابها، ومقدار استخدامه لها على مر السنين؛ على مدى إجادته لها، وطريقة معالجتها، وحتى على طريقة تخزين العقل لها وتعامله معها. سنعود مرة أخرى إلى هذا الأمر في الفصل الذي يتحدث عن اللغات على مدى حياة المرء.
يجب أن نعرف أيضا مدى كفاءة (طلاقة) الشخص الثنائي اللغة في كل من المهارات الأربع (التحدث والاستماع والقراءة والكتابة) في كل لغة. (لم نذكر حتى الآن إلا معيار الطلاقة العام في كل لغة.) وأفضل طريقة لتوضيح هذا، ولوقت معين، تكون باستخدام أربع شبكات مثل الموضحة في الشكل
2-1 ، واحدة لكل مهارة، وملء كل منها على أساس استخدام كل مهارة ودرجة إجادتها. يمكن بعد ذلك إجراء اختبارات إجادة دقيقة، بالإضافة إلى استبيانات للتقييم الذاتي.
6
ما سيتضح لنا هو أن كثيرا من الأشخاص الثنائيي اللغة قد لا يعرفون القراءة والكتابة بلغة معينة، على الرغم من أنهم يتحدثون بها ويفهمونها عند الاستماع إليها. بالإضافة إلى ذلك، من النادر أن تكون درجة إجادتهم متساوية لكل اللغات، كما شرحنا من قبل، وربما تكون لديهم لكنة في إحدى اللغات، وهو أمر سنعود إلى الحديث عنه في فصل لاحق من هذا الكتاب.
يتعلق أحد العوامل الأخرى التي تميز الأشخاص الثنائيي اللغة بوظائف لغاتهم؛ ما اللغات (والمهارات اللغوية) التي يستخدمونها، وفي أي سياق، ولأي غرض، وإلى أي مدى. فعلى سبيل المثال: نحن نعرف أن كثيرا من الأشخاص الثنائيي اللغة يستخدمون لغة واحدة في مجالات معينة على وجه الخصوص (مثل اللغة المستخدمة في العمل وفي الممارسات الدينية)، بينما يمكن استخدام لغات أخرى في عدة مجالات (مثل استخدام عدة لغات مع الأصدقاء). سنفحص في الفصل التالي تأثير هذا على سيادة إحدى اللغات، بالإضافة إلى تأثيره على سلوكيات مثل الترجمة.
يتطلب تقديم وصف كامل للأشخاص الثنائيي اللغة أن نضع في اعتبارنا الوضع اللغوي، المتمثل في تفعيلهم للغاتهم، بناء على عوامل مثل الموقف والمتحدث والموضوع. في بعض المواقف، مثل الحديث مع أحاديي اللغة، لا تفعل ولا تستخدم إلا لغة واحدة؛ على سبيل المثال: عندما أتحدث إلى جمهور فرنسي، فإنني لا أستخدم إلا لغتي الفرنسية وأوقف عمل لغاتي الأخرى بحيث لا تدخل في حديثي. مع ذلك، في مواقف أخرى، مثل الحديث مع شخص آخر ثنائي اللغة يعرف اللغات نفسها التي أعرفها، يمكن تفعيل لغتين أو أكثر، ويمكن أن تظهر في الحوار؛ على سبيل المثال: عندما أتحدث بالفرنسية إلى زوجتي، وهي ثنائية اللغة في الفرنسية والإنجليزية، يمكنني ذكر كلمات أو جمل باللغة الإنجليزية، وفقا لاحتياجي إليها؛ إذ أعرف أنها ستفهمني. في هذا الموقف (الذي يسمى الوضع الثنائي اللغة)، يستطيع الأشخاص الثنائيو اللغة ببساطة تفعيل لغة أخرى لإدخال كلمة أو عبارة أو جملة منها (عبر آليتين هما التبديل اللغوي والاقتباس)، أو يمكنهم فعليا تغيير اللغة التي يتحدثون بها (وهو ما يطلق عليه تغيير اللغة الأساسية). وسوف أخصص ثلاثة فصول كاملة للحديث عن مثل هذه الظاهرة؛ إذ إنها أساسية في التواصل الثنائي اللغة.
آخر عامل يجب وضعه في الاعتبار هو الثنائية الثقافية؛ أي ما إذا كان الأشخاص الثنائيو اللغة يتعاملون مع ثقافتين أو أكثر أم يعيشون حياتهم بثقافة واحدة. ليس كل الأشخاص الثنائيي اللغة ثنائيي الثقافة أيضا؛ على سبيل المثال: إن الشخص المغربي الذي يعرف اللغة العربية المغربية واللغة العربية الحديثة ويستخدمهما، والذي عاش طوال حياته في المغرب؛ ثنائي اللغة لكنه ليس ثنائي الثقافة. ومع ذلك، فإن كثيرا من الأشخاص الثنائيي اللغة، مثل الجيل الأول من المهاجرين، يكونون ثنائيي الثقافة أيضا، ويلعب هذا دورا في ثنائيتهم اللغوية. سنناقش هذا في الفصل العاشر.
الفصل الثالث
অজানা পৃষ্ঠা