إن أحد الأهداف الرئيسية لهذا الكتاب هو إظهار أن الغالبية العظمى من الأشخاص الثنائيي اللغة لا يشبهون ببساطة هؤلاء الأشخاص النادري الوجود؛ فعلى الرغم من وجود بعض الذين يشبهونهم، مثل المترجمين الشفويين والتحريريين (وسنعود إلى الحديث عنهم في الفصل الثالث عشر)، فإن معظم الأشخاص الثنائيي اللغة لا ينطبق عليهم ببساطة هذا الوصف؛ فربما لم يكتسبوا اللغتين في مرحلة الطفولة، أو لم يتحدثوا بهما في المنزل، أو ربما عاشوا في مجتمعين لغويين مختلفين. لم يدرس كثير من الأشخاص الثنائيي اللغة بلغتيهم، وتوجد لدى كثير منهم لكنة في إحدى اللغتين، وفي كثير من الأحيان تتداخل إحدى اللغتين مع الأخرى. إذا كان يفترض بنا تطبيق وصف ثنائي اللغة فقط على الذين يتقنون كلا من اللغتين كأنهم أحاديو اللغة فيها، فلن يصبح لدينا تصنيف للغالبية العظمى من الذين يستخدمون لغتين أو أكثر بانتظام لكن ليس بطلاقة اللغة الأصلية لهم. فوفقا لتعريف الطلاقة اللغوية، هم ليسوا ثنائيي اللغة، وليسوا أحاديي اللغة أيضا؛ لأنهم يقضون حياتهم وهم يستخدمون أكثر من لغة.
أدت وجهة النظر الأحادية اللغة للأشخاص الثنائيي اللغة، التي ما زلنا نجدها لدى عامة الناس (لكن عادة بمعدل أقل بكثير لدى المختصين في الثنائية اللغوية)، إلى وجود سوء الفهم الشائع التالي:
خرافة: يتمتع الأشخاص الثنائيو اللغة بمعرفة متساوية وممتازة بلغاتهم
يضيف البعض أن الأشخاص الثنائيي اللغة لا بد أن يكونوا قد اكتسبوا لغاتهم في طفولتهم، ويزيد البعض على هذا فكرة ضرورة ألا يكون لديهم لكنة في أي من اللغتين. هؤلاء هم ثنائيو اللغة «الحقيقيون» و«الخالصون» و«المتوازنون» و«المثاليون»، أما كل الآخرين (في الواقع، الغالبية العظمى من الذين يستخدمون لغتين أو أكثر في حياتهم اليومية)، فينظر إليهم على أنهم أشخاص ثنائيو اللغة «غير حقيقيين» أو «أقل» في المرتبة من الأشخاص الثنائيي اللغة الحقيقيين. وإحدى تبعات هذا أن المهارات اللغوية لثنائيي اللغة تقيم طوال الوقت تقريبا من خلال المعايير الخاصة بالأشخاص الأحاديي اللغة. خضعت آثار الثنائية اللغوية لفحص دقيق، ونادرا ما يقيم الأشخاص الثنائيو اللغة كفاءتهم اللغوية ويرون أنها ملائمة؛ فهم يميلون إلى تبني وجهة النظر الأحادية اللغة للثنائية اللغوية والتضخيم من حجمها، ومن ثم ينتقدون ثنائيتهم اللغوية. فهم يشتكون من عدم قدرتهم على الحديث بإحدى لغاتهم جيدا، ومن أن لديهم لكنة، وأنهم يخلطون بين لغاتهم، إلى آخره. ولا يريد كثير منهم أن يصنفوا على أنهم ثنائيو اللغة، حتى إن بعضهم يخفون معرفتهم باللغة الأضعف من بين لغاتهم.
إن هذا كله أمر مؤسف؛ إذ إنه لا يضع في اعتباره الحقيقة، التي سنناقشها بمزيد من التعمق في الفصل التالي، المتمثلة في أن معظم الأشخاص الثنائيي اللغة يستخدمون لغاتهم لأغراض مختلفة، وفي مواقف مختلفة، ومع أشخاص مختلفين. فهم ببساطة لا يحتاجون إلى التمتع بطلاقة متساوية في كل لغاتهم؛ فمستوى الطلاقة اللغوية الذي يصلون إليه في إحدى اللغات (خصوصا في المهارة اللغوية) سيعتمد على احتياجهم لهذه اللغة، وسيكون خاصا بمجال معين؛ ولذلك فإن كثيرا من الأشخاص الثنائيي اللغة بارعون بشدة في إحدى اللغات، وبعضهم لا يعرف القراءة والكتابة بإحدى اللغتين، بينما يعرف آخرون لغة دون أن يستخدموها. ربما يتمتع عدد قليل من الأشخاص الثنائيي اللغة بطلاقة متساوية وممتازة في لغتيهم، على الرغم من أن أينار هوجن - أحد رواد أبحاث الثنائية اللغوية، الذي شرفت بمعرفته - لا يعتقد أن هذا ممكن في الحقيقة؛ فقد كتب يقول:
هل يمكن الحفاظ على نقاء أنماط لغتين (أو أكثر) بالكامل، بحيث يصبح الشخص الثنائي اللغة بمنزلة شخصين من الأشخاص الأحاديي اللغة، يتحدث كل منهما إحدى اللغتين بإتقان لكنه يفهم أيضا اللغة الأخرى باقتدار، ويستطيع في إحدى اللغتين إنتاج المعنى المعبر عنه في اللغة الأخرى دون الإخلال في أي وقت بأسلوب استخدام أي من اللغتين؟ ظاهريا يميل المرء إلى الرد بالنفي. نظريا هذا الأمر ممكن تماما مثلما يمكن نظريا وجود خط مستقيم تماما، أو جمال لا عيب فيه، أو نعيم كامل. لكن عمليا من الضروري الرضا بأقل من هذا.
4
نظرا لأن اعتبار الطلاقة اللغوية معيارا لتعريف الثنائية اللغوية أمر مثير للجدل، اختار كثير من الباحثين بدلا منه «استخدام» اللغة، وبالتدريج زاد عدد الأشخاص الثنائيي اللغة الذين يستخدمونه عند وصف ثنائيتهم اللغوية. اتبع هذا النهج كل من أوريل فاينريش وويليام ماكي، وهما اثنان من العلماء المهمين الذين أثروا مجال الثنائية اللغوية في النصف الثاني من القرن الماضي؛ فقد عرفا الثنائية اللغوية على أنها الاستخدام المتبادل للغتين (أو أكثر).
5
أما تعريفي الخاص، الذي يرى أن الأشخاص الثنائيي اللغة هم الذين يستخدمون لغتين (أو لهجتين) أو أكثر في حياتهم اليومية، فيشبه هذا التعريف كثيرا ويركز على استخدام اللغة.
অজানা পৃষ্ঠা