فإن قال قائل إن الواحد أيضا موجود فيه الكثرة، قلنا: أما فى الذات فالواحد واحد فقط، ليس فيه شىء من الكثرة البتة؛ وأما فى الانبثاث فالواحد هو كثير أيضا، أقول إن الكثرة تنبث من الواحد، وإن الواحد هو العلة الأولى وإن الكثرة هى المعلولة من الواحد. فنرجع فنقول إن الواحد أما من جهة الذات فهو واحد فقط لا كثرة، وأما من جهة العلة فهو لا واحد، أقول إن الواحد يتكثر من أجل معلولاته. وكذلك أيضا تكون الكثرة أما فى ذاتها فهى كثرة فقط، وأما من أجل علتها الواحدة فهى واحدة. فإن كان هذا على ما ذكرنا فلا محالة أن الواحد قد شارك الكثير والكثير شارك الواحد. فنقول الآن إن كان الاشتراك والاجتماع فى الأشياء المشتركة والمجتمعة، أعنى الواحد والكثرة، من آخر غيرهما، كان ذلك الشىء وهو الجامع لهما قبلهما وأولهما. وإن كانا بأعيانهما يشتركان ويجتمعان، فليسا هما متضادين، لأن المتضادة لا تسرع إلى شركة بعضها من بعض ولا تجتمع البتة. فإن كان هذا على هذا وكان الواحد والكثرة متخالفين وكانت الكثرة بأنها كثرة لا واحدة وكان الواحد بأنه واحد لا كثرة ولم يكن أحدهما فى الآخر البتة، كان كل واحد منهما واحدا واثنين معا وهذ[ا محال غير ممكن أن يكون. ونقول أيضا إن كان قبلهما شىء آخر وهو الجامع لهما، فلا محا]لة إما أن يكون ذلك الشىء واحدا وإما أن يكون لا واحد[ا؛ فإن كان لا واحدا، فإما أن يكون كثيرا وإما] أن يكون لا شىء. فنقول إنه لا يمكن أن يكون الشىء الجامع لهما كثيرا، لئلا يكون الكثير قبل الواحد وذلك محال كما بينا آنفا. ولا يمكن أن يكون الشىء الجامع لهما لا شىء لأن لا شىء لا يجمع شيئا البتة. فإن كان هذا غير ممكن، فالواحد إذا هو الجامع للأشياء الكثيرة لأنه أولها وقبلها وهوعلة الكثرة وليس فوقه شىء آخر البتة.
فقد استبان الآن وصح فيما ذكرنا من المقاييس الصحيحة المقنعة أن الواحد قبل الأشياء الكثيرة وأنه العلة الأولى وليس فيه شىء من الكثرة، وأن الأشياء كلها معلولة منبثة منه كما بينا وأوضحنا.
পৃষ্ঠা ১১