Theological Religions - Madinah University
الأديان الوضعية - جامعة المدينة
প্রকাশক
جامعة المدينة العالمية
জনগুলি
-[الأديان الوضعية]-
كود المادة: GUSU٥١٠٣
المرحلة: ماجستير
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
অজানা পৃষ্ঠা
الدرس: ١ فكرة تمهيدية عن أديان الهند الكبرى وتوزيعها جغرافيا
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الأول
(فكرة تمهيدية عن أديان الهند الكبرى وتوزيعها جغرافيا)
معنى الأديان الوضعية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فينبغي أن يكون الطالب ملمًا بحقيقة الأديان الوضعية التي يدين بها معظم بلدان جنوب شرق آسيا وشرق آسيا، مع التعرف على تاريخ نشأتها، وإلى من تنسب، وما هي شعائرها الدينية، مع البرهان على بطلان هذه الأديان، وموقف الإسلام منها.
وقبل أن ندخل في مفردات المادة أحب ألفت النظر إلى معنى الأديان الوضعية فأقول -وبالله التوفيق-:
الأديان الوضعية هي أحد قسمي الأديان؛ فالأديان إما سماوية أتى بها الأنبياء والرسل من عند الله ﷿ أو وضعية وضعها البشر من عند أنفسهم، لا عن طريق الوحي، ورغم أنّ رِسالَات الله توالت على البشرية تترى، منذ أول إنسان خلق على وجه الأرض، وهو آدم ﵇ إلا أنّ البشرية أبت إلا أن تُكَذّب الرُّسل، وتعرض عن آيات الله ودينه، ولما حاد الإنسان عن الطريق السوي، واتبع شيطانه وهواه، واتخذ لنفسه آلهة متعددة؛ فمنهم من عبد الحجر، ومنهم من عبد البقر، ومنهم من عبد النجوم والشمس والقمر، ومنهم من عبد البشر ... إلى آخره.
فانتشرت الأديان الوضعية المختلفة على وجه الأرض؛ فكانت ديانة قدماء المصريين، وكانت ديانات الهند، وديانة الفرس، وغيرها من الديانات الوضعية.
1 / 9
والفَرقُ بين الدين الوضعي، والدين السماوي: أنّ الدين الوضعي هو الذي يكون من وضع البشر أنفسهم، وهو عبارة عن مجموعة من المبادئ والقوانين العامة، وضعها بعض الناس المستنيرين لأممهم؛ ليسيروا عليها، ويعملوا بما فيها، والتي لم يستندوا في وضعها إلى وحي سماوي، ولا إلى الأخذ عن رسول مرسل، وإنما هي جملة من التعاليم والقواعد العامة، التي اصطلحوا عليها، وساروا على منوالها، وخضعوا فيها لمعبود معين، أو معبودات متعددة.
والأمثلة على الدين الوضعي كثيرة منها: الديانة البرهمية في الهند، والديانة البوذية فيها أيضًا، وفي شرق آسيا، ومنها ديانة قدماء المصريين، والديانة الفارسية القديمة وغيرها.
أما الدين السماوي؛ فهو تعاليم إلهية من وحي الله تعالى، وإرشادات سماوية من لدن العليم الخبير بنفوس العباد وطبائعهم، وما يحتاجون إليه في إصلاح حالهم في المعاش والمعاد، والدنيا والآخرة؛ إنه مجموعة التعاليم والأوامر والنواهي، التي يجيء بها رسول من البشر أوحى الله تعالى بها إليه، وفي مقدمتها: الإيمانُ بخالق واحد موجه لهذا الكون، لا شريك له في ملكه، يجب صرف العبادة كلها إليه والخضوع له.
والتذلل لهذا الإله الخالق الرازق، ووجوب إفراده وحده بالعبادة، والإيمان باليوم الآخر، والحساب والجزاء، وبالثواب في الجنة والنعيم المقيم، أو النار والعذاب الأليم، وذلك مثل الديانة اليهودية في أصلها، كما جاء بها موسى ﵇، أو الديانة المسماة بالمسيحية، يوم أن جاء بها المسيح ﵇، وفي أفضل صورها وأصحها مثل الدين الإسلامي الذي جاء به النبي محمد ﵌ رحمة للعالمين، وكان هذا الدين خاتمًا لجميع الرسالات السماوية؛ فلا وحي بعد نبوة محمد ﵌ ولا دين بعد الإسلام.
1 / 10
ما الفرق بين الدين الوضعي والدين السماوي؟:
لعله بات واضحًا الفرق بين الدين السماوي، والدين الوضعي، ونستطيع أن نجمل القول بأنّ الدين السماوي ما توافرت له دلائل صحة سنده، وسلامه متنه، بينما الدين الوضعي هو الذي لم تتوفر له دلالة صحة السند، كما لم تتوفر له دلائل سلامة المتن.
وعلى ذلك أرى أن الدين قد يكون باعتبار أصله سماويًّا: لأنّ له نسبة إلى الوحي مثلًا، ولكن يحكم على بعضه بالوضع؛ لما أصاب المتن من تحريف وتغيير، أي: لم تتوفر له سلامة المتن.
يوجز الدكتور عوض الله حجازي الفروق بين الدين السماوي والوضعي قائلًا: إن الدين السماوي دين قائم على وحي الله تعالى إلى البشر، بواسطة رسول يختاره الله منهم، أما الدين الوضعي؛ فهو جملة من التعاليم، وضعها البَشرُ أنفسهم، واتفقوا عليها، واصطلحوا على التمسك بها، والعمل بما فيها، إنه تعاليم ناشئة عن تفكير الإنسان نفسه.
والدين السماوي يدعو دائمًا وباستمرار إلى وحدانية الله تعالى، واختصاص هذا الواحد بالعبادة؛ فلا يخضعُ المَرءُ إلا لله، ولا يستعين إلا به، ولا يذبح إلا بأسمه جل شأنه.
أما الدين الوضعي؛ فإنّه قد يُقَدّس الأحجار والأصنام، ويجيز تعدد الألهة فيجعلها كثيرة ومتغايرة، بل قد تكون متنافرة ومتخالفة، مثل: إله الخير وإله والشر، أو إله الحرب وإله السلم ... إلى آخره.
والدين السماوي ينزه الإله المعبود عن مشابهته لخلقه، فالله ﷿ لا يشبه شيئًا من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ
1 / 11
أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ (الإخلاص: ١ - ٤).
أما الدين الوضعي: فإنه يجيز أن يكو الإله بشرًا مثلهم، أو حيوانًا، أو حجرًا يعبدونه ويخضعون له، ويقدمون له القرابين والهديا؛ فقد عبد بعض الناس الشمس، وعبدوا العجل، واتخذوا فرعون الذي قال لهم: "أنا ربكم الأعلى" إلهًا وعبدوا الأصنام والأوثان، ولا يزال الناس حتى أواخر هذا القرن العشرين عصر العلم والحضارة والمدنية، يُقَدّسون بعض الأشخاص، ويتقربون إليهم، ويعبدون البقر والغنم، كما هو حاصل الآن في الهند وغيرها.
مع أنّ هذه الألهة كلها، التي عبدها ويعبدها البشر من دون الله لا تستطيع أن تخلق شيئًا، ولا أن توجد أضعف المخلوقات، بل أنها لا تملك لنفسها نفعًا أو ضرًّا، قال تعالى في سورة الحج: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: ٧٣، ٧٤).
هذا؛ والدين السماوي بالنسبة لمسائل العقيدة غيرُ قابل للنسخ والتبديل أو التغيير؛ فعقيدة الرُّسل جميعهم واحدة، فيما يتعلق بالله تعالى وصفاته، والرسل وعصمتهم واليوم الآخر، وما يكون فيه من ثواب أو عقاب، إنّ الخالق عند جميع الرسل واحد، إنّ هذا الخالق تجب عبادته واختصاصه جل شأنه وحده بهذه العبادة، وأن هذا الإله يجب أن يثبت له صفات الكمال، وأن ينزه عن جميع صفات النقص، وأنه سيحاسب النّاس جميعًا على أعمالهم، ويُجازيهم
1 / 12
عليها إن خيرًا فالجزاء خيرًا، وإن شرًا فيكون الجزاء شرًّا وكل هذا قدر مشترك بين جميع الرسالات السماوية.
أما الدين الوضعي؛ فالمعبود فيه قد يتغير من جيل إلى جيل، ومن قبيلة إلى أخرى، كذلك الدين الوضعي يُلازمه النقص وعدم الكمال؛ ذلك أنه من وضع الإنسان، والإنسان لا يمكنه أن يُحيط بجميع حاجات البشر ومتطلباتهم المتجددة دائمًا.
أما الدين السماوي فهو كامل أنه تامًا شامل؛ لأنه من وضع خالق السماوات والأرض، عَلّام الغُيوب الذي لا تغيب عنه صغيرة ولا كبيرة، والذي يحيط بكل شيء علمًا.
وهكذا نَلحظُ أن هذه الفروق إما مردها إلى دلائل السند كالفارق الأول، أو إلى دلائل المتن كالفروق الأخرى. ومما تجدر الإشارة إليه أن الدارس للأديان الوضعية مثل: أديان البرهمية، والبوذية، والجينية مثلًا أو الديانة الفارسية القديمة، أو ديانة قدماء المصريين، مما اصطلح على تسميته دينًا وضعيًّا يجدُ فيها ذكر لصفات الرب المتفرد بالكمال والجلال، أو ذكر اليوم الآخر والجزاء؛ مِمّا لا إمكانية للعقل معه من علم الغيب، ولا قدرة له عليه؛ فلا سبيل لإدراك شيء منه إلا بالسماع والنقل أو الوحي.
وهذا يعني: أنه دليل على بقاء آثار دين صحيح، وهو يتكامل مع قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ (النحل: ٣٦)، وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ (فاطر: ٢٤).
1 / 13
وعلى هذا نستطيع القول: بأن اجتهادات الناس التي وضعت لإصلاح حياة أمة بعينها، مِمّا اصطُلِحَ عليه فيما بعد دينًا وضعيًّا، إنّما هي نتاج عقل في موروث جمع بين حق آثار وبقايا دين صحيح وباطل، مما أسفر عنه تدخل العقول في النصوص والتحريف لهذا الدين باتباع الأهواء؛ فكان هذا المزيج وإن كان لاعتبار نسبته إلى إنسان معين؛ عرفناه بأنه دين وضعي.
كذلك الرِّسَالاتُ السَّماوية، مثل اليهودية والنصرانية مثلًا؛ فهي سماوية باعتبار أصلها، لكن واقعها كما هي اليوم بأيدي أربابها نجد فيه أمارات التحريف والكتمان، والزيادة والتغيير؛ كما ثبت ذلك، أعني فيها إمارات للوضع، وإن كانت باعتبارها وحيًا صادقًا، ودينًا سماويًّا صحيحًا؛ فهي بنصوصها شيء آخر.
وخلاصة القول: فإن العلماء اصطلحوا على تقسيم الأديان إلى:
سماوية: وهي ما نُسبت إلى الله وحيًا لرسله.
ووضعية: وهي ما نُسبت إلى الإنسان، ولكن تبقى الدراسة رهينة تحقق دلائل الصحة للسند، والسلامة للمتن للحكم على المضمون والنص، كما أن الفروق بين السماوي والوضعي على هذا الاعتبار يَحْكُمها صفات تنسب إليه، فما لله ذاتي كامل أبدي أزلي، وما للإنسان مكتسب ناقص زائل حادث.
وصدق الله العظيم حيث قال: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (الأنعام: ١٤٩)، وقال سبحانه: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام: ١٩).
1 / 14
فكرة تمهيدية عن أديان الهند الكبرى وتوزيعها جغرافيًّا
الهند بلاد الأسرار والأساطير، كما يقول الدكتور أحمد شلبي في كتابه: (أديان الهند الكبرى). وهي مجتمع شعوب وطبقات، بل مجتمع مجتمعات، تكثر فيها الأديان، وتتعدد اللغات والألوان، فالحديث عن الهند حديث ذو شجون، تعال بنا نورد تعريفًا بالهند، قبل أن نصل بالحديث عن أديانها الكبرى، ومن الواضح أن حديثنا هنا عن الهند يشمل أيضًا ما يُسمى الآن باكستان وبنجلاديش.
لمحة عن جغرافية الهند:
تبلغ مساحة الهند "مليون ومائتين وواحد وعشرين ألف، واثنين وسبعين ميلًا مربعًا، أو ما يعادل مساحة دول أوروبا مجتمعة باستثناء روسيا، والهند ذات موقع مهم على خريطة العالم، وهي شبه جزيرة تشبه في منظرها قارة أفريقيا بوجه عام، فهي عبارة عن مثلث غير منتظم الأضلاع؛ قاعدة إلى أعلى ورأسه إلى أسفل، وقاعدته جبال الهمالايا الشامخة، ورأسه رأس كوماي.
والهند بلاد مقفلة كما يسميها الباحثون، فضلعا المثلث في الشرق والغرب يدور حولهما البحر، أما قاعدة المثلث في الشمال فتحيط بها جبال الهمالايا، وجبال سليمان، ويحتضنها نهران عظيمان:
أحدهما: نهر الأندوس السند، وينبع من جبال الهمالايا، ويَصُبّ في خليج العرب، بعد أن يتصل بأنهار البنجاب؛ الأنهار الخمسة.
والآخر نهر كنكا أو نهر الكينج وهو ينبع أيضًا من جبال الهمالايا ويصب في خليج البنجال بعد أن يتصل بنهر براهما بوترا المقدس.
1 / 15
ويشق الهند عند منتصفها تقريبًا سلسلة من الجبال والأدغال تبدأ من الغرب، وتسير حتى قرب الساحل الشرقي، وهذه السلسلة تقسم الهند قسمين: يَخْتَلِفُ أحدهما عن الآخر في طبيعته، وفي سكانه وحضارته، ومن نهر الأندوس أو السند أشتق اسم الهند، وظهرت كلمة أندوهند، ومعناهما الأرض التي تقع فيما وراء الأندوس، وسمي سكان هذه البلاد الهنود أو الهندوس.
وعن تسميه الهند يقول "جوستاف لوبون": يرى الغربيون أن نهر السند أندوس أعار من اسمه اسمًا للبلاد الحافلة بالأسرار الواقعة فيما وراءه، ولا يُسلم بهذا تمامًا، بل يحتمل اشتقاق اسم الهند من اسم الإله أندرا.
ويجاور الهند ممالك بلخستان، وأفغانستان في الشمال الغربي، والتركستان في الشمال، والصين في الشمال والشمال الشرقي، وبورما في الشمال الشرقي كذلك.
وحضارة الهند قديمة جدًّا وقد أنتجت تربه الهند فلاسفة عظامًا قبل أن يولد سقراط، وانتشرت في الهند معاهد العلم، ووجدت المباني الضخمة في عهد كانت الجزر البريطانية تعيش في بربرية وفوضى، والهند بلاد العجائب والمفارقات حتى يمكن اعتبارها أقطارًا في قطر، فلها كل الأجواء، بسبب اتساعها، وتفاوت ارتفاع بقاعها؛ فبينما يكونُ الحرُّ شديدًا للغاية في سواحل ملبار وكور، ومندل، وسهول البنجاب ترى ربيعًا ساحرًا في قمم بعض الجبال، وثلوجًا تغطي شواهق همالايا، وبينما يغمر الفيضان بعض الأراضي نرى مناطق أخرى أعيا أهلها الجفاف، وطلب السقيا. وبينما ترى الصحارى الجرداء والأرض القاحلة، إذ بك ترى الغابات الكثيفة والمروج الخضراء والمزارع الفينانه.
1 / 16
وعن مفارقات الهند يقول "ريرانس": في الهند الحديثة يتقابل وجهًا لوجه الشرق في عصور بدائيته، مع الغرب في عصور حضاراته وتطوره، ومن مظاهر ذلك: الطائرات النفاثة التي تشق الجو؛ لتقيم شبكة مواصلات بين مدن الهند بعضها والبعض الآخر في حين لا تزال أشهر وسيلة للمواصلات داخل المدن عبارة عن الركشة، وهي مركب ذو ثلاثة عجلات يركبه شخص أو شخصان، ويدفعه حطام من بني آدم.
سكان الهند:
الهند مركز من مراكز الحضارات القديمة في العالم، وهي في هذا تضارع مصر والصين وآشور وبابل، ولكن حضارة الهند التي سبقت العهد الآري، ظلت غير معروفة حتى أظهرت الاكتشافات الحديثة مدى الرقي الذي عرفته الهند في الشئون المعمارية والزراعية والاجتماعية، قبل الميلاد بحوالي ثلاثة آلاف من الأعوام، أي: قبل الغزو الآري بحوالي ألف وخمسمائة عام، ولكن التاريخ الواضح للهند ارتبط بالعهد الآري.
فقد قلنا فيما سبق: أن الهند تعتبر بلاد مقفلة إذ تحيط بها البحار والجبال ويصعب اقتحام الهند عن طريق البحر؛ لتعذر الملاحة في خليج البنجال، ولأن الشاطئ الهندي لبحر العرب عبارة عن جبال عاتية، وعلى هذا لم يكن البحر معبرًا للهند، وبخاصة في الأزمنة السالفة، قبل الرقي بنظم الملاحة، وكما صعب اقتحام الهند عن طريق البحر، صعب أيضًا اقتحامها عن طريق جبال همالايا الشامخة في الشمال، إلا أن هناك معبرين كان كل منهما منفذًا سلكته أجناس من البشر إلى الهند، حيث تكون السكان الذي نريد أن نتكلم عنهم.
ويقع أحد هذين المعبرين في شرقي جبال همالايا، عند وادي نهر برهما بوترا، سمي الباب الشرقي، ويقع الثاني غربي هذه الجبال، ويسمى الباب الغربي،
1 / 17
ومن هذين البابين اقتُحمت الهند عدة مرات بأجناس مختلفة، ولهذا ولاختلاف أجواء الهند أصبح سكان الهند كما يقول "غوستاف لوبون": ذوي أمثلة متباينة؛ ففيها تجد شعوبًا بيضًا بياض الأوروبيين، كما تجد الزنوج والسود وبين هؤلاء وأولئك ألوان وألوان.
فمن الباب الشرقي دخلت الشعوب الصفراء، التورانيين أفواجًا منذ آلاف السنين، يضيق الزمن بينها أو يتسع، وقد فر من وجهها بعض السكان الأصليين، واحتموا بقمم الجبال، أما أغلب السكان الأصليين؛ فقد ارتبطوا بالزاحفين، وتم في الجنسين ألوان من العلاقات؛ أنتجت ما أصبح بعد حين يعرف بالسكان الأصليين، وكان هذا المجتمع الجديد يتكون من جماعتين: إحداهما يغلب فيها الدم التوراني، والثانية يغلب فيها الدم الهندي، أما الذين آووا إلى قمم الجبال؛ فقد أطلق عليهم زنوج الهند.
ومن الباب الغربي اقتحم الآريون بلاد الهند، وبهم ارتبط تاريخ الهند القديم، وأصل الآريين الجنس الأبيض مشكوك فيه، فيرى بعض الباحثين أنهم نشأوا ببلاد الدانوب بأوروبا، ثم هاجروا إلى آسيا عندما ضاقت بهم الأرض؛ متخذين طريق الشرق، حتى بحر مرمره، ثم عبروا البسفور أو الدردنيل، إلى آسيا الصغرى، واستمروا في سيرهم شرقًا، متجنبين الحضارات المزدهرة التي قد نشأت في طريقهم؛ حتى نزلوا فارس بالقرب من تبريز، ومن هناك انحدروا إلى الهند.
ويرى باحثون آخرون -وهو الأرجح-: أن الجنس الآري آسيوي الأصل، كان يعيش في وسط آسيا في بلاد التركستان، بالقرب من نهر جيحون، ثم
1 / 18
زحفت أفواج ضخمة من هذا الجنس، في أزمنة غير واضحة، واتجهت نحو إيران عبر الهند، واتجهت كذلك نحو أوروبا.
ويبدو أنّ الزحف الآري نحو الهند، قد تَمّ في القَرن الخَامس عشر قبل الميلاد، وقد حارب الآريون الممالك التي أقامها الجنس الأصفر بالهند، وانتصروا على الكثير منها، وكونوا لهم بها مناطق نفوذ، ولم يتصل الآريون بسكان الهند بطريق التزاوج، بل حافظوا غالبًا على سلالتهم البيضاء، وساقوا سكان الهند إلى الغابات والجبال، أو أخذوهم أسرى، وسماهم الأدب الآري المبكر أمة العبيد.
واستنصر الآريون عليهم بإلههم "أندرا"، ومن دعائهم في ذلك: "يا إلهانا أندرا، إننا قد أحاط بنا قبائل داسيو عبيد، من جميع الجهات، وهم لا يقدمون الضحايا، وليسوا بآدميين، ولا يعتقدون في شيء، يا مهلك الأعداء أهلكهم، وأهلك نسل داسا العبد". والسبب في أن الآريين لم يتم التزاوج بينهم وبين الهنود هو: أن الآريين دخلوا الهند كشعبٍ مُهاجِر، لا كشعب مُحارب، والفَرْقُ كَبيرٌ بين الحالتين؛ فالجيش يكون عماده الرجال، الذين سرعان ما يتصلون بنساء الشعب المغلوب.
أما الآريون؛ فقد دخلوا بثرائهم ونسائهم وأطفالهم، فلم يحتاجوا لنساء الهند للتزاوج، وكان عدم الحاجة للنساء مع الاستعلاء الذي يصحب النصر، من دواعي نشأة الطبقات، كما كان هذا من أسباب كثرة الألوان في الهند.
أما مدى نفوذ الشعوب الصفراء التورانيين، والبيض الآريين على الهند، فيوضحه "غوستاف لوبون" بقوله: والتورانيون أشد الغزاة تحويلًا لعروق الهند من الناحية الجسمانية، والآريون هم الذين تركوا أقوى الأثر في عروق الهند من
1 / 19
الناحية المدنية؛ فمن التورانيين أخذ سكان الهند نسب أجسامهم، وتقاطيع وجوههم، وعن الآريين أخذ سكان الهند لغتهم ودينهم وقوانينهم، وسجاياهم وطبائعهم.
ولم يتوار الآريون بالامتزاج في الهند بسرعة، كما توارى العرب في مصر؛ لأن عدم التزاوج ثم نظام الطوائف الحاسم، حال دون امتزاجهم في الهند بالتورانيين المقهورين زمنًا طويلًا، ولكن الامتزاج على كل حال، تم بتعاقب القرون، ومع الامتزاج؛ فإننا نستطيعُ أن نَرى أنّ آثار الآريين الجسمانية لا تزال بارزة في الشمال الغربي؛ حتى العهد الحاضر، كما يقول "ويش".
ففي البنجاب نجد السكان أطول قامة، بشرتهم بيضاء، أو أميل إلى البياض، ملامحهم أدق، وهم بهذا يخالفون باقي الهنود، حيث تنتشر ملامح التورانيين، أو حيث توجد ملامح السكان الأصليين بالجنوب، وتقل ملامح الآريين كلما اتجهنا جنوبًا أو شرقًا، وبالتقاء الآريين والتورانيين مع السكان الأصليين بدأت الطبقات في الهند، وأصبحت ذات أهمية كبرى في تاريخ هذه البلاد.
فمن الآريين كانت طبقة رجال الدين البراهمة التي تساوي "برهمن" وطبقة المحاربين "كسترا"، ومن التورانيين تكونت طبقة التجار والصناع "فسيا"، أما الهنود الذين اتصلوا بالتورانيين؛ فلم يَدخلوا التقسيم في أول الأمر، ولكن الحضارة الآرية امتدت إلى بعضهم بمرور الزمن؛ فأوجد الآريين منهم الطبقة الرابعة، وجعلوها طبقة الخدم والعبيد "شودرا".
أما الذينَ لم تمتد لهم الحضارة الآرية من السكان الأصليين؛ لأنهم انعزلوا عن الفاتحين، فقد بقوا بعيدين عن التقسيم، وظلوا طريدي المجتمع أو منبوذين، وسنتكلم فيما بعد عن هذه الطبقة.
1 / 20
ونعود إلى ذوبان الجنس الآري، الذي اقتبسنا الحديث عنه آنفًا من "غوستاف لوبون"؛ لنقرر أنّ هذا الذوبان بدأ عندما أندفع بعض الآريين عن طريق ممر "دلها" الذي يَفصل بين الصحراء الغربية، وبين فروع نهر "الكينج" وفي المهجر الجديد تخلى الآريون عن كثير من خصالهم وتقاليدهم، وتبنوا كثيرًا من أخلاق الهنود، وطرق حياتهم؛ فتوقفوا عن الذبح وأكل اللحوم، إلا فيما يتعلق بالقرابين.
وفقدت المرأة حياة الحرية والطلاقة، التي كانت تحياها في المجتمع الآري، وتوارى كثير من الآلهة التي كانت موضع تقديس في كشمير؛ حيث المهجر الأول للآريين بالهند، واستمر هذا الذوبان ينتشر حتى تم اندماج الآريين في الهند.
ومن العوامل الواضحة الأثر على سكان الهند جميعًا شدة الحرارة؛ ففي ما عدا جبال الهمالايا التي تكسوها الثلوج نجد درجة الحرارة في الهند شديدة طول العام تقريبًا، ويرى "ويش" أنّ شِدّة الحَرارة كان لها أثر في السكان؛ فقد تسبب عنها عزوفهم عن العمل، وسرعة التعب إذا عملوا كما تسبب عنها نقص في القدرة على الابتكار، وفي الكفاية والنشاط على العموم.
أما الناحية الرُّوحية؛ فتمتاز الهند بنصيب كبير فيها، ولكن ليس معنى هذا أن عامة الهنود على شيء من الصفاء الروحي، فإنه ليس في بلاد العالم كلها بلد تنمو فيه الخرافة وتزدهر كما تنمو في الهند، ولكن ذلك لا يقلل من نشاط الاتجاه الروحي في الهند؛ لأنّ الظروف الملائمة للخرافة والبدع، هي نفسها خير الظروف لصفاء النفس، فالاتجاه الروحي إذا سما اخذ وجهته نحو الفكر والعمق، وإذا كان ضحلًا أو مضطربًا أخذ طريقه نحو الخرافة.
1 / 21
اللغات في الهند:
رأينا فيما سبق اختلاف عناصر السكان، واختلاف ألوانهم، ولكن اللغات في الهند كانت أكثر اختلافًا، وأكثر عددًا، وكانت الحياة القبلية المنتشرة بالهند، من أهم أسباب كثرة اللغات؛ فقد كانت كل قبيلة تكاد تكون مستقلة، تَعزِلُها الجِبَالُ أو الغَاباتُ أو الأنهار عن سواها من القبائل، ولها لغة خاصة بها، لا يعرفها سواها من القبائل أيضًا، وعلى هذا بلغت اللغات في الهند نحو مائتين وأربعين لغة، وثلاثمائة لهجة إذا صح ما يقوله "غوستاف لوبون" بالإضافة إلى الفَارسية التي كانت لغة رسمية للقصور، والمجتمعات الراقية في الهندوستان، والبهلوية وهي لغة المجوس.
وعلى هذا لم يكن من الممكن التّفاهم بين سُكّان المناطق المختلفة، وهذا مهد الطريق للغة الإنجليزية؛ لِتكون لغة عامة، بجوار هذه اللغات المحلية، وهناك لغة أخرى تكونت في القرن الخامس عشر الميلادي، وهي اللغة الهندوستانية وأصلها آري، ثم دخلت عليها كلمات كثيرة من اللغات الفارسية، والعربية، والهندية، والتركية، وتسمى آلان: "اللغة الأردية" نسبة إلى الأردو وهو المعسكر إذ كانت لغة معسكرات المغول أولًا.
وانتشرت هذه اللغة بين المسلمين وغير المسلمين، وشجعها الملوك والسلاطين؛ حتى ضارعت اللغة الإنجليزية في عمومها وانتشارها، وأصبحت لغة رسمية بجوار الإنجليزية، ولما تم تقسيم الهند إلى دولتي الهند والباكستان، اعتبرت هذه اللغة لغة إسلامية في نظر كثير من الولايات الهندية؛ فاحتضنتها الباكستان، وترعرعت هذه اللغة في الدولة الإسلامية الكبرى.
1 / 22
أما في الهند فقد عانت الأردية صور من الاضطهاد في بعض الولايات، ولكن ولايات أخرى هندية اعترفت بها، مثل: بُومباي، وأندرو ومدراس، ومن العجب أن الذين كانوا يُهاجمون الأُردية من الهنود، كانوا يهاجمونها بها كما قال "التانتيد نهرو".
أما عن اللغات في الهند بعد التقسيم: فقد اتخذ الدستور الهندي اللغة الهندية، لغة رسمية للبلاد، وهي لغة قامت على انقاض السنسكرتية، ولما كانت هذه اللغة غير شائعة؛ فقد رؤي الاستمرار في استعمال اللغة الانجليزية كلغة رسمية للبلاد؛ حتى تصل اللغة الهندية إلى الانتشار الكافي، وإلى جانب اللغة الهندية اعترف الدستور بثلاث عشر لغة في مختلف ولايات الهند، وكل منها لغة حية ذات ذخيرة، ولها أدب يانع مترعرع.
ومن هذه النظرة الجغرافية والتاريخية نأخذ فكرة عن الأديان في الهند التي هي أصل قضيتنا.
في (موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية) للدكتور أحمد شلبي قال ما يلي: "رأى مجموعة من علماء مقارنة الأديان مؤداه: أن الغزيرة الدينية مشتركة بين كل الأجناس البشرية، وأنّ الاهتمام بالمعنى الإلهي، وبما فوق الطبيعة، هو إحدى النزعات العالمية الخالدة للإنسانية، كما ذكرنا أن هناك عوامل تقوي هذه الغريزة، من أهمها: اختلاف قوى الطبيعة، ومواجهة الإنسان لهذه القوى، وجهًا لوجه، وإحساسه بالضعف تجاهها".
والهند حقل رائع لتطبيق هذه المبادئ، فقد نشدت قوى الطبيعة وواجهها الإنسان الهندي وجهًا لوجه، وأحس بالضعف تجاهها؛ فأصبح متدينًا بطبيعته، يشغف بالروحانيات، ويسعى دائبًا إلى معرفة الله، ويتخذ الزهد وسيلة ليتخلص من دنيا
1 / 23
المادة، وينتظم في دنيا الروح، وهيهات أن تجد هندوسيًّا لا يعبد عددًا من الآلهة؛ فالعالم عنده زاخر بها، حتى أنه يصلي للنمر الذي يفترس أنعامه، ولجسر الخط الحديدي الذي يصنعه الأوروبي، وللأوروبي نفسه عند الاقتضاء.
وقد عرف الهنود القُدماء عبادة الحيوانات، وبخاصة البقرة، كما عرفوا قوى الطبيعة، وعرفوا كذلك عبادة عضو التلقيح؛ معتقدين أنه سبب الخلق، وكان هذا الإله يسمى عندهم "لينجا" وهي من اشتقاق كلمة إنجليزية "لينك" أي: صلة ورابطة، وفي العصور الآرية اندمج هذا الإله في الإله الذي تكون منه الثالوث الهندي، وعبادة الهنود للحيوانات نشأت عن الفكر التوطمي، أو عن اعتقادهِ بأن الله يتجلى في بعض الأحياء؛ فيحل فيها فيحتمل حلوله في هذا الحيوان أو ذاك، أو لأنهم آمنوا بالتناسخ، فجاز عندهم أن يكون الحيوان جدًّا قديمًا، أو صديقًا عائدًا إلى الحياة.
وقد كان للبقرة من بين الحيوانات قدسية خاصة، ولذلك سنخصها بالذكر فيما يلي، ثم نتكلم بعد الحديث عنها عن آلهة الهنود من الظواهر الطبيعية.
عبادة البقرة:
من بين المعبودات سالفة الذكر: حظيت البقرة في الهند بأسمى مكانة، وهي من المعبودات الهندية التي لم تضعف قداستها مع كر السنينن وتوالي القرون؛ ففي "الويدا" حديث عن قدسيتها والصلاة لها، ولا تزال البقرة حتى الآن تحتفظ بهذه القدسية؛ ففي الأدب المنسوب للمهاتما غاندي، تفسير لما حظيت به البقرة قديمًا وحديثًا من نفوذ ديني.
1 / 24
وفي مجلة تصدر في بومباي بالهند سنة ١٩٦٣ بها عدة مقالات عن عبادة البقر، نَقْتَبِس هُنا خُلاصة هذه المقالات، وأوّل ما نقتبسه نشيد من سامويدا نشرته المجلة في صفحة مُستقلة، داخل رسم تخطيطي للبقرة، ترجمة هذا النشيد: "صلاة إلى البقرة، أيتها البقرة المقدسة، لكي التمجيد والدعاء، في كل مظهر تظهرين به، أنثى تدرين اللبن في الفجر وعند الغسق، أو عجلًا صغيرًا أو ثورًا كبيرًا، فلنعد لك مكانًا واسعًا نظيفًا يليق بك، وماء نقيًّا تشربينه، لعلك تنعمين بيننا بالسعادة".
وهناك أسطورة تروى كمحادثة نقتبسها من المجلة، وهي محادثة جرت بين خنزير وملك، ونحن ننقلها فيما يلي: "ذهب الخنزير يومًا إلى ملك وهو يصلي أمام البقرة، ويعلن لها أنها معبوده الأسير عنده، فقال الخنزير للملك: متى ستعبدني؟ فثار الملك ونهر الخنزير، قائلًا: اخرج وإلا قتلتك. بكى الخنزير وانتحب، وقال: نعم، أنا أعرف أنك تحب فقط لحمي، فأنا أموت لأقدم لك ما تحب، ومع هذا؛ فإنك تعبد البقرة ولا تعبدني، فأجاب الملك: إنك أحمق أيها الخنزير إنني آخذ لحمك بعد موتك، أي بعد أن تكون في حال لا تستطيع أن تمنح، ولا أن تمنع، وسرعان ما ينتهي لحمك. أما البقرة فإنها تقدم لي طعامي، طائعة وهي حية، وكذلك تستمر تقديمه من يوم إلى يوم دون نهاية، إنها رمز الإيثار ولذلك فإنا أعبدها".
أما رأي المهاتما غاندي في عبادة البقرة؛ فجدير بأن نفسح له مكانًا وأن نحاول أن ننقله كله أو جله من هذه المجلة، وهو بعنوان: "أمي البقرة" وفيما يلي ترجمة أهم ما جاء به:
إن حماية البقرة التي فرضتها الهندوسية هي هدية الهند إلى العالم، وهي إحساس برباط الإخوة بين الإنسان وبين الحيوان، والفكر الهندي يعتقد أن البقرة أم للإنسان، وهي كذلك في الحقيقة، إنّ البقرة خير رفيق للمواطن الهندي،
1 / 25
وهي خير حماية للهند، عندما أرى بقرة لا أعدني أرى حيوانًا؛ لأنني أعبد البقرة وسأدافع عن عبادتها أمام العالم الأجمع.
وأمي البقرة تفضل أمي الحقيقية من عدة وجوه: فالأم الحقيقة ترضعنا مدة عام أو عامين، وتتطلب منا خدمات طول العمر نظير هذا؛ لكن أمنا البقرة تمنحنا اللبن دائمًا، ولا تتطلب منا شيئًا مقابل ذلك سوى الطعام العادي، وعندما تمرض الأم العادية تكلفنا نفقات باهظة، ولكن أمنا البقرة لا نخسر لها شيئًا ذا بال.
وعندما تموت الأم الحقيقية تتكلف جنازتها مبالغ طائلة، وعندما تموت أمنا البقرة تعود علينا بالنفع كما كانت تفعل وهي حية؛ لأننا ننتفع بكل جزء من جسمها حتى العظم والجلد والقرون.
أنا لا أقول هذا لأقلل من قيمة الأم، ولكن لأبين السبب الذي دعاني لعبادة البقرة؛ إنّ ملايين الهنود يتجهون للبقرة بالعبادة والإجلال، وأنا أعد نفسي واحدًا من هؤلاء الملايين.
وأما الآلهة الأخرى التي يعبدها الهنود؛ فهي ترتبط بالظواهر الطبيعية، الآلهة من الظواهر الطبيعية، من آلهة الآريين التي وردت في كتبهم المقدسة، مجموعة من الظواهر الطبيعية مثل: وارونا إله السماء، إندرا إله الرّعد، الذي يُسبب الأمطار، وكانت له الغلبة فيما بعد، الشمس وكانت تُعبد في خمسة أشكال؛ فتعبد لذاتها باسم سوريا، وتعبد كمصدر للانتعاش باسم ساوتري، وتعبد لتأثيرها في نمو الحشائش والنبات باسم بوشان، وتعبد كبنت السماء باسم مترا، وأخيرًا باسم وشنو أي النائب عن الشمس ثم استقل وشنو فعبد لذاته.
1 / 26
أيضًا أغنى إله النار، أوشا إله الصبح، رودرا إله العواصف، بارجينيا إله المطر والمياه والإنهار وايواتو إله الرياح، ويعلق الكتاب هنديوسم على كثرة الإلهه بقول: إن هذه الديانة توزع الآلهة حسب المناطق، وحسب الأعمال التي تناط بهذه الإلهه؛ فلكل منطقة إله، ولكل عمل وظاهرة إله.
ويقول مولانا محمد عبد السلام الرنبوري: كانت الأمة الهندية متسامحة في كل ما يعرض عليها من الأفكار والمعتقدات تكثر عندها الآراء والابتكارات، وكان الناس حيارى مُشرفين على القبول والمعاضدة، عقائدهم متضاربة، وأفكارُهم متباينة؛ فشتْ فيهم رهبانية، وسرت فيهم باطنية، قامت حلقات الفكر في كل نواحي القطر، يتزعمها العرفاء والعلماء، ونشأت دراسات أخلاقية، قصدها العامة والخاصة.
قد عمت الرياضات الشاقة المتعبة في سبيل حصول السيطرة على القوة الكونية، ورجى التبتل في الكهوف؛ للمراقبات النفسية، والانقطاع في الغابات لإتعاب الأبدان؛ لتبقى القوى الروحانية، وعلى هذا اشتهرت الهند بكثرة الأديان والمعتقدات التي تضارع في كثرتها لغات الهند، أو تقرب منها، وكانت الهندوسية أشهر هذه الأديان، وأوسعها انتشارًا؛ بل إنها الدين العام الذي حوى غالبية الهنود أو كلهم، وإذا تمردوا عليه أحيانًا، أو تمرد بعضهم عاد المتمردون بعد وقت قصير أو طويل إلى رحابه.
وقد وضح كتاب (هندوستم) السبب في ذلك بقوله: "إنه لمن الصعب أن يُطلق على الهندوسية دينًا بالمعنى الشائع؛ فالهندوسية أشمل وأعمق من الدين، إنها صفة لملامح المجتمع الهندي بنظامه الطبقي، ومكان كل طبقة فيه، إنها الحياة الهندية وأسلوبها الخاص، الذي يعتبر في ذاته شعيرة من الشعائر، إنها خليط
1 / 27