فأخرج الكلام معه مخرج السؤال والعرض، لا مَخْرجَ الأمر، وقال: ﴿إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾ ولم يقل: (إلى أن أزكيك) .
فنسب الفعل إليه هو، وذكر لفظ التزكِّي دون غيره؛ لما فيه من البركة، والخير، والنماء.
ثم قال: ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ﴾ أكون كالدليل بين يديك الذي يسير أمامك.
وقال: ﴿إِلَى رَبِّكَ﴾ استدعاءً لإيمانه بربه الذي خلقه، ورزقه، ورباه بنعمه صغيرًا وكبيرًا (١) ولهذا فإن الكلمة التي تُلقى أو تحرر في أدب، وسعة صدر، تسيغها القلوب، وتهش لها النفوس، وترتاح لها الأسماع.
ولقد امتن ربنا -جل وعلا- على نبينا محمد ﷺ بأن جبله على الرفق ومحبة الرفق، وأن جنبه الغلظة، والفظاظة، فقال ﷿: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران:١٥٩] .
ولقد كانت سيرته ﵊ حافلةً بهذا الخلق الكريم الذي مَنْ مَلَكَه بسط سلطانه على القلوب.
وكما كان ﵊ متمثلًا هذا الخلق فقد كان يأمر به، ويبين فضله.
(١) بدائع الفوائد لابن القيم ٣ / ١٣٢-١٣٣