الخلافة الأموية من كتاب الأخبار الطوال المنسوب للدينوري
الخلافة الأموية من كتاب الأخبار الطوال المنسوب للدينوري
প্রকাশক
دار الجامعة
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٤٣ هـ - ٢٠٢١ م
প্রকাশনার স্থান
السعودية
জনগুলি
أصل هذا الكتاب
هذا الكتاب عبارة عن رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في التاريخ، من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، قسم التاريخ، بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، بإشراف الدكتور عبد العزيز السلومي، وقد نوقشت في ١٣/ ٦/ ١٤٤٠ هـ.
وأجيزت بتقدير ممتاز.
1 / 5
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد:
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (^١).
فلقد أعز الله هذه الأمة؛ حيث بعث لها خير رسله محمد ﷺ، وجعل صحبه خير صحب وقرنه خير قرن، فقامت على يده دولة الإسلام واجتمع الناس على خير هدى وخير دين، ثم تعاقب بعده الخلفاء، وانطلق المسلمون في أنحاء المعمورة فاتحين، وقضى الله بهم على عروش الكفر ومللها، وانتشر الإسلام وعم الخير والعدل.
وهذا كله سبب في وجود العداء الذي يهدف للنيل من هذه الأمة، واختلف نوع العداء بحسب العدو، فإن قدر على حمل السلاح حمله وقاتل به، ولكن هذا لم يفلح صاحبه في زمن قوة المسلمين وعزتهم، وبقي نوع آخر وهو الذي استخدمه العدو ووجد فيه نجاحًا، ويتمثل هذا في الأخبار والروايات الكاذبة والمضللة والتي يقصد منها النيل من تاريخ هذا الصرح العظيم ولم يكن إلا عن طريق تشويه رجاله الذين هم عدته وقوامه، فَسُطِّرَ حول العظماء أباطيل
_________
(^١) سورة الحشر، الآية: ١٠.
1 / 7
وأباطيل فلا تكاد تسمع عن عظيم من عظماء المسلمين إلا وحوله شيء يذهب فعله وجميل صنعه.
ومن أمثلة ذلك حقبة تاريخ بني أمية، التي لم تُعْطَ حقها من التاريخ، بل قد تعرضت لهجمات من جهات عدة؛ تمثلت ببعض من أعقبهم من بني العباس، ثم من الشيعة والشعوبيين (^١)؛ وكل ذلك جاء لأن كتابة تاريخها تأخر إلى ما بعد سقوطها فأصبح مدعاةً للنيل منها.
وهي في حقيقتها دولة مباركة قامت في القرن المفضل وقد أعقبت دولة الخلافة الراشدة التي هي خير الدول، فكثير من الصحابة رضوان الله عليهم أدركوها وقد بدأت بمعاوية ﵁ وهو صحابي جليل، فلذلك انعدم وجود دولة بعدها تأخذ مميزاتها.
ويكفي من ذلك دخول بني أمية وحكمهم في قول الرسول ﷺ: «خيركم قرني، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم» (^٢).
ثم اقرأ قول ابن كثير ﵀ عنهم: (فكانت سوق الجهاد قائمة في بني أمية، ليس لهم شغل إلا ذلك، قد علت كلمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وبرها وبحرها، وقد أذلوا الكفر وأهله، وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين رعبًا، لا يتوجه المسلمون إلى قطر من الأقطار إلا أخذوه، وكان في
_________
(^١) الشعوبية: وهم الذين يرون تفضيل العجم على العرب ويتمنون عود المُلْك إلى العجم. الإسفراييني: الفرق بين الفرق ص ٢٨٥. وعرفت بأنها مجموعة الأشخاص والمواقف والآراء المعادية للعرب، التي ذهبت في ذمهم كل مذهب، وعملت على تشويه حضارتهم وهدم كيانهم، وفضلت غيرهم من الشعوب عليهم متظاهرة بالإسلام حينًا وبالولاء القبلي والحزبي أحيانًا، ورفعت شعار المساواة تسترًا وتغطية من أجل تمرير مؤامراتها وتحقيق أهدافها. عبد الله السامرائي الشعوبية ص ١٢٢.
(^٢) البخاري: الصحيح ٣/ ١٧١.
1 / 8
عساكرهم وجيوشهم في الغزو الصالحون والأولياء والعلماء من كبار التابعين، في كل جيش منهم شرذمة عظيمة ينصر الله بهم دينه) (^١).
فانطلاقًا من قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦)﴾ (^٢).
وقع اختياري على كتاب الأخبار الطوال، ليكون محط بحثي وتنقيبي عن حقيقة ما أورده صاحب الكتاب حتى لا نسيء الظن بمن سبقنا.
فهو كتاب تاريخي قديم، يشتمل على معظم تاريخ الشعوب القديمة والعهد الإسلامي.
ومن هذا الكتاب خصصت جزئية معينة لتكون موضوع بحثي، وهي المتعلقة بأخبار الدولة الأموية، وقد وضعت لها عنوانًا وهو «الخلافة الأموية من كتاب الأخبار الطوال المنسوب للدينوري - دراسة نقدية مقارنة».
وهذا الكتاب كغيره من الكتب التي تحتاج إلى تنقيح وعناية؛ كي يتبين غثها من سمينها، فهو مليء بالفتن والشرور إلى حد أنه صور حقبة الأمويين كلها بالفتن والشرور، ولم يأتِ على الخير إلا يسيرًا.
وكثيرٌ من الكتب التاريخية تحمل بين طيَّاتها مثل هذا الكتاب، والحاجة إلى نقدها تكمن في كثرة ما تحمل من أخبار عن الأحداث والأعلام لا تمت لها بصلة، ويتم تداولها على أنها حقائق مُسَلَّمَة تجرى على ألسنة الرواة والوعاظ وغيرهم مما يوقع الشك في نزاهة تلك الأجيال.
ومن أهم المصادر التي اعتمدت عليها في هذا البحث:
كتب الحديث ومنها صحيح البخاري ومسلم وغيرهما، وكتب التاريخ
_________
(^١) البداية والنهاية ٩/ ١٠٤.
(^٢) سورة الحجرات، الآية: ٦.
1 / 9
ومنها تاريخ خليفة بن خياط، وتاريخ الطبري، ومن كتب الأنساب كتاب أنساب الأشراف للبلاذري لاحتوائه على كثير من الأخبار، ومن كتب الطبقات والتراجم كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، وسير أعلام النبلاء للذهبي والإصابة وتقريب التهذيب لابن حجر.
• الدراسات السابقة التي عنيت بهذا الكتاب:
مرحلة الكتاب الأولى:
يعتبر المستشرق البارون روزن هو أول من قام بدراسة لمخطوطة الكتاب وقد نشرت في قائمة المخطوطات العربية في معهد اللغات الشرقية بمدينة بطرسبرج لننجراد، سنة ١٨٧٧ م، وبعده شرع المستشرق الروسي جرجاس في تحقيق المخطوطة على أمل أن ينشر الكتاب في شباط ١٨٨٧ م ولكنه توفي قبل تمامه، وقد قام روزن بنشر ما حققه جرجاس بدون أي إضافات عام ١٨٨٨ م، ثم مات هو أيضًا قبل أن يتم طبع الكتاب، فتابع تلميذه المستشرق كراتشكو فسكي، والذي جمع للمخطوط ثلاث نسخ وهي:
الأولى: نسخة لننجراد، وهي للناسخ المشهور كمال الدين في سنة ٦٥٥ هـ.
الثانية: نسخة جامعة ليدن رقم ١١٢٢، نسخة في المدينة المنورة عام ١٠٠٠ هـ.
الثالثة: نسخة كتبت عام ١٠٦١ هـ، وهي مأخوذة من النسخ السابقة.
وقد اعتمد كراتشكو فسكي على النسخة الأولى؛ لأنه كان يرى أنها الأصل وأنها الأقرب إلى عصر المؤلف، وأكمل عمله بمساعدة المؤسسة العالمية للنشر بريل في مدينة ليدن، والتي نشرت الكتاب عام ١٨٨٨ م، وقد
1 / 10
أضاف عليه تحقيقاته وتعليقاته ونشرها عام ١٩١٢ م، وقد وصلت نسخ قليلة من الكتاب الذي طبعته مؤسسة ليدن إلى المشرق، حيث قامت مطبعة السعادة بالقاهرة بإعادة طبع الكتاب كما أعده جرجاس بدون أي إضافات، وبعد موت كراتشكو فسكي في سنة ١٩٥٧ م، وُجِدَ في مكتبة رفاعة الطهطاوي بمدينة سوهاج نسخة خطية لكتاب الأخبار الطوال مسجلة برقم ٧٣، وهي أقدم من المخطوطات الثلاث التي عرفها الغرب، ويرجع تاريخها إلى ٥٧٩ هـ (^١).
ثم قام الأستاذ/ عبد المنعم عامر بتحقيق الكتاب وراجعه الدكتور/ جمال الدين الشيال، وتم نشره بالقاهرة سنة ١٩٦٠ م، وله السبق في إخراج هذا المخطوط إخراجًا يليق به، فهو أول من قارن بين النسخ التي حققها المستشرقون الروس، وبين نسخة سوهاج والتي كانت بحوزة رفاعة الطهطاوي، وبَيَّنَ في هامشه سواقط المخطوطات، ثم شرح كلماته الغريبة، وله تعليقات جيدة على الهامش، وهو جهد كبير يشكر عليه.
وهذه النسخة الأخيرة هي التي اعتمدتُ عليها في دراسة الكتاب، وسبب الاعتماد عليها أنها أول النسخ المحققة، وأنها عنيت بتصحيح الألفاظ وأضافت بعض الشروح على الألفاظ وفيها أيضًا مقارنة بين النسخ، ومما يزيد في أهميتها فقد اعتمد عليها بعض المحققين الذين سبقوني، ومنهم الدكتور/ عمر فاروق الطباع، والدكتور/ عصام علي الحاج.
- الأخبار الطوال طبعه وصحح ألفاظه محمد سعيد الرافع صاحب المكتبة الأزهرية، وقد وضع عناوينه محمد الخضري بك، وكانت الطبعة الأولى سنة ١٣٣٠ هـ بمطبعة دار السعادة بمصر.
وهذه الطبعة ليس فيها ما يميزها سوى إضافة العناوين.
_________
(^١) الدينوري: الأخبار الطوال التوطئة ت عبد المنعم عامر.
1 / 11
- الأخبار الطوال من إعداد وتحقيق وفهرسة الدكتور/ عمر فاروق الطباع، طُبِعَ الكتاب في شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، ونشرته دار القلم، في عام ١٤١٥ هـ وقد عني المحقق بالكتاب، ووضع مقدمة مختصرة عن حياة المؤلف، وأشار إلى مصادر ثقافته ثم مؤلفاته، ومنهجه في كتابه الأخبار، وقد عرّف بالأماكن وعني بشرح الكلمات عناية فائقة، وقد أفدت من كتابه في ترجمة المؤلف وفي بيان بعض الكلمات والأماكن.
ولم تكن هذه الدراسة مستوفية، بحيث إن المحقق لم يتعرض لمنهج المؤلف في الكتاب.
- كتاب الأخبار الطوال تحقيق الدكتور: عصام محمد الحاج علي؛ حيث عني بترجمة المؤلف، وأبدع في ذلك، فقد وضع تمهيدًا فيه ترجمة للمؤلف وبيّن مصادره، ثمّ وثّق نصوصه بالمقارنة ببعض كتب التاريخ، ووضع له حواشي، وأشار إلى شيء يسير من أوهامه، وهذا جهدٌ كبيرٌ لم يسبق له في هذا الكتاب.
ويلاحظ عليه أنه لم ينتقد مذهب المؤلف، بل إنه مدحه ووصفه بأنه دَوَّنَ الأحداث بأمانة وصدق (^١)، ويبدو أنه كان معجبًا بطرحه، ثم إنه تجاوز الحد وأفحش في وضع بعض العناوين، ومن ذلك وصفه حمل يزيد بن معاوية نساء الحسين إلى المدينة بقوله: (إرسال السبايا إلى المدينة) (^٢)، مع أن صاحب الكتاب لم يذكر كلمة [سبايا].
وقد أفدت من هذا الكتاب في ترجمة أبي حنيفة، وعند مقارنة الأخبار بالمصادر الأخرى، وفي تصحيح بعض الأسماء التي وقع فيها صاحب الكتاب.
_________
(^١) الدينوري: الأخبار الطوال ٣٨٧ ت عصام الحاج.
(^٢) المصدر السابق ٣٨٧.
1 / 12
وكل هذه الدراسات التي سبقت هذه الدراسة، لم يكلِّف القائمون عليها أنفسهم بالبحث عن نسبة الكتاب لأبي حنيفة الدينوري، ويمكن أن يُحسب لهذه الدراسة السبق في التحقق من نسبة الكتاب لأبي حنيفة.
أما عن جزء الكتاب المخصص للدراسة:
فهو الجزء الخاص بأخبار الدولة الأموية، والذي تبدأ أحداثه بتنازل الحسن بن علي ﵁ عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان ﵁، وحتى نهاية الدولة الأموية بمقتل آخر خلفائها مروان بن محمد.
• خطة البحث:
يشتمل البحث على مقدمة، وتمهيد، وسبعة فصول:
المقدمة: وفيها أهمية الموضوع وسبب الاختيار ومنهج الدراسة والجزء المخصص لها.
التمهيد: ترجمة أبي حنيفة الدينوري، التحقق من نسبة الكتاب إليه، أهمية الكتاب، ثم الحديث عن أصل صاحب الكتاب وميوله ومصادره، ثم المآخذ على الكتاب.
• الفصل الأول: «أحداث خلافة معاوية ﵁».
وفيه من المباحث صلح الحسن ﵁ مع معاوية ﵁، خبر زياد بن أبيه مع معاوية ﵁، مواقف الشيعة من الصلح، مقتل حجر بن عدي، خبر وفاة زياد وخبر وفاة معاوية ﵁ ووصيته.
• الفصل الثاني: «أحداث خلافة يزيد بن معاوية».
بيعة يزيد وموقف الحسين ﵁ وعبد الله بن الزبير ﵁ منها، دعوة أهل الكوفة للحسين ﵁ ومقتل مسلم بن عقيل، خروج الحسين ﵁ للكوفة
1 / 13
وموقف الصحابة منه، خروج الحسين وأحداث الطريق، معركة كربلاء ومقتل الحسين ﵁.
• الفصل الثالث: «بقية أحداث خلافة يزيد بن معاوية إلى وفاته».
وفيه من المباحث ما بعد كربلاء، مواجهة عبد الله بن الزبير ﵁ مع يزيد، مقدمات وأسباب معركة الحرة، معركة الحرة، اتجاه جيش الشام إلى مكة ومصيره.
• الفصل الرابع: «الحرب على الخوارج وخبر العراق والشام بعد يزيد ابن معاوية».
وفيه من المباحث بداية المواجهة مع الخوارج، تولي المهلب بن أبي صفرة الحرب على الخوارج، خبر العراق بعد يزيد بن معاوية، وصول مروان ابن الحكم للخلافة ووفاته، أخبار متفرقة.
• الفصل الخامس: «فتنة المختار وأخبار إمارة عبد الله بن الزبير ﵁».
وفيه من المباحث المختار بن عبيد وبداية دعوته، غلبة المختار ومواجهة أهل الشام، المختار بن عبيد وقتلة الحسين ﵁، مصعب بن الزبير وقضائه على المختار، أخبار مصعب بن الزبير، ثم مقتله، ومقتل عبد الله بن الزبير ﵁.
• الفصل السادس: «الحجاج وابن الأشعث، وخلافة هشام بن عبدالملك».
وفيه من المباحث فتنة ابن الأشعث والقضاء عليه، أخبار الحجاج ووفاة عبد الملك، أخبار متفرقة عن الخليفة الوليد بن عبد الملك، والخليفة عمر بن عبد العزيز، بداية الدعوة العباسية، ظهور أبي مسلم الخراساني.
• الفصل السابع: «خلافة الوليد بن يزيد ونهاية الدولة الأموية».
وفيه من المباحث هشام بن عبد الملك وولاته، خلافة الوليد بن يزيد وآثار مقتله، بني أمية بعد الوليد بن يزيد، نصر بن سيار والكرماني في خراسان،
1 / 14
أخبار متفرقة، انتصار الدعوة العباسية ومقتل الخليفة مروان بن محمد.
الخاتمة: وفيها النتائج.
أما عن المنهج المتبع في هذه الدراسة:
- عرَّفت في هذا البحث بأبي حنيفة الدينوري ثم حققت في نسبة الكتاب إليه.
- قمت بتجزئة النصوص ووضعت لها أرقامًا لكي يسهل نقدها، وليس لذلك علاقة في بداية الحدث أو نهايته.
- قمت بتعديل أوهام صاحب الكتاب في زمن بعض الأحداث.
- عرفت بالأماكن والأعلام، وصححت أخطاء المؤلف بأسماء بعض الأعلام.
- رددت ما استطعت من الشبهات والأكاذيب التي أوردها صاحب الكتاب، عن الصحابة والتابعين، وخصوصًا ما يمس العقيدة، وخاصية القرن المفضل.
- وبما أن صاحب الكتاب لم يسند أخباره في الغالب، فقد قمت بمقارنتها بالمصادر الأخرى التي أوردت الخبر مسندًا ثم نقدت السند والمتن، وإن لم أجد ذلك كان النقد على المتن.
- قمت بتصحيح بعض المقطوعات الشعرية المحرفة التي أوردها صاحب الكتاب.
- تجاوزت كثيرًا عن الأخبار التي ليس فيها قدح وإساءة، حفاظًا على النسق القصصي وإكمال الحدث، ومن ذلك ما انفرد به المؤلف.
- استطردت في مناقشة كثير من المسائل الشائكة تاريخيًّا، وقد جعلت ذكرها من قبل صاحب الكتاب سببًا لذلك.
1 / 15
- أكملت بعض الأحداث الناقصة التي أوردها صاحب الكتاب.
- عند الإحالة للهامش أشير إلى اسم المؤلف والكتاب، وتركت باقي المعلومات في الجزء المخصص للتعريف الكامل بالمصادر والمراجع.
وأخيرًا، أحمد الله ﷿ وأشكره وأثني عليه الخير كله على أن منّ عليَّ بإتمام هذا البحث.
ثم أشكر كل من كان له فضل عليَّ بعد الله في إتمام هذا البحث، ومن ذلك الوالدين، والمشرف على رسالتي الدكتور عبدالعزيز بن عبد الله السلومي، ومن قدَّم لي بعض الاستشارات البحثية ومنهم الدكتور خالد بن محمد الغيث.
كما أشكر عضوي لجنة المناقشة الدكتور محمد بن صامل السلمي والدكتور حسام الحزوري على تفضلها بمناقشة هذه الرسالة.
* * *
1 / 16
تمهيد
ترجمة أبي حنيفة الدينوري:
* نسبه ونشأته:
هو أحمد بن داود بن وَنَنْد، أبو حنيفة الدينوري، ولد في مدينة الدينور من أعمال الجبال من أرض فارس، ونشأ في أسرة من أصل فارسي، وقد عاش معظم حياته في تلك المدينة (^١).
ولا يوجد تحديدًا لزمن ولادته، أما وفاته فهي بالدينور (^٢) سنة ٢٨٢ (^٣).
وقد اختلف في أصل أبي حنيفة فقد قيل إنه فارسي كما سبق، وقول آخر أنه كردي؛ لأن الدينور التي ينسب إليها كانت في إقليم الجبال ذات الأغلبية الكردية، والتي أقام بها حسنويه الكردي مملكته (^٤).
وهو قول المؤرخين الأكراد ومنهم:
محمد أمين زكي (^٥) فقد ترجم لأبي حنيفة في كتابه مشاهير الأكراد (^٦).
وقد ذكر الدكتور أحمد محمود الخليل (^٧) أن أصل أبي حنيفة الدينوري كردي، وقد أرجع ذلك إلى أمور منها:
_________
(^١) ابن العماد: شذرات الذهب ١/ ٢٩.
(^٢) أبو حيان التوحيدي: البصائر والذخائر ٧/ ٣٥.
(^٣) القفطي: إنباه الرواة ١/ ٧٨.
(^٤) كي لسترنج: بلدان الخلافة الإسلامية ٢٢٤.
(^٥) محمد أمين زكي ولد بالعراق ١٢٩٧ هـ، من أصل كردي، وهو مؤرخ له العديد من المؤلفات باللغة الكردية والتركية، توفي سنة ١٣٦٧ هـ. الزركلي، الأعلام ٦/ ٤٥.
(^٦) محمد أمين زكي: مشاهير الأكراد ١/ ٨٢.
(^٧) أحمد محمود الخليل ولد في كرزيل بمنطقة عفرين، وتسمى بالكردية جبل الكرد، حصل على الماجستير والدكتوراه في الأدب العربي من جامعة حلب، له مدونات شخصية تكلم فيها عن كثير من المواضيع التي تخص الكرد ومنها سلسلة مشاهير الكرد.
المصدر: … https:// ahmedalkhalil.wordpress.com
1 / 17
- أن الدينور كانت تقع جغرافيًّا في قلب منطقة كانت مصايف ومشاتي الأكراد، أي أن المنطقة كانت مسكونة بالأكراد على الدوام ويتضح هذا بالخريطة التي رسمها ابن حوقل (^١).
- أن المنطقة التي تقع فيها الدينور هي جزء من منطقة غربي إيران حاليًّا وتسمى (كردستان).
- أن اليعقوبي (^٢) ذكر في كتابه البلدان بلاد الجبل وإقليم الجبال بأنها دار الأكراد، وتقع دينور في قلب إقليم الجبل.
ثم إنه نقل عن المؤرخ الكردي عبدالرقيب يوسف وذكر قوله: إن أبا حنيفة عالم كردي (^٣).
* رحلاته:
أمضى أبو حنيفة حياته بالرحلات، وقد وصل إلى العراق وإلى بيت المقدس ثم إلى المدينة وشواطئ الجزيرة العربية من جهة الخليج، فعاش في هذه البلدان فترات مختلفة، ثم انتقل إلى أصفهان سنة ٢٣٥ هـ وعمل برصد الكواكب (^٤).
* شيوخه:
لم أقف على ترجمة مستوفية عن شيوخ أبي حنيفة الدينوري وأول من ذكر شيوخه ابن النديم في الفهرست حيث ذكر أنه أكثر من البصريين والكوفيين
_________
(^١) صورة الأرض ٣٠٥.
(^٢) البلدان ٢٠.
(^٣) المدونة الشخصية للدكتور أحمد محمود الخليل: مشاهير الكرد في التاريخ، العلامة أبو حنيفة الدينوري.
https:// ahmedalkhalil.wordpress.com
(^٤) المصدر السابق.
1 / 18
ولم يسم أحدًا من شيوخه إلا السكيت (^١) وابنه يعقوب (^٢) ولم يكن ذلك دقيقًا ولا يمكن الاعتماد عليه ولم أقف على رواية له عنهم، ولما تتبعت رواياته في كتابه النبات وفي كتاب المجالسة وجوهر العلم وجدت جملة من الشيوخ الذين يروي عنهم أبو حنيفة الدينوري ومنهم:
الأصمعي: عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن أصمع الباهلي، البصري، صاحب اللغة والنحو والغريب، والأخبار، وهو صدوق سني، مات سنة ست عشرة ومئتين (^٣).
وقد أكثر الرواية عن الأصمعي في كتابه النبات، وهو لم يدركه وإنما أخذ العلم من طلابه، ومما يدل على ذلك ما ذكره صاحب كتاب المجالسة (^٤) عندما ساق السند من أبي حنيفة إلى الأصمعي بواسطة هؤلاء الطلاب، ومنهم الرياشي والمازني وزكريا بن يحيى وابن خبيق والزيادي.
الرياشي: عباس بن الفضل الرياشي، أبو الفضل البصري، روى عن الأصمعي والطيالسي وغيرهم. قال الخطيب البغدادي: (قدم بغداد وحدَّث بها وكان ثقة وكان من الأدب وعلم النحو بمحل عالٍ) (^٥)، قتله الزنج في البصرة
_________
(^١) إسحاق بن السكيت أبو يعقوب، كان دائم الصمت، عالمًا بالشعر واللغة. القفطي: إنباه الرواة ١/ ٢٥٥.
(^٢) وابن السكيت وهو يعقوب بن إسحاق السكيت أبو يوسف، والسكيت لقب أبيه، وهو من أعلم الناس باللغة والشعر، له عدة كتب منها كتابه إصلاح المنطق، وغريب القرآن، وقد أدّبَ أولاد المتوكل ونادمه، ثم قتله المتوكل لتشيعه، سنة أربع وأربعين ومائة. الحموي: معجم الأدباء ٦/ ٢٨٤١. الصفدي: وفيات الأعيان ٦/ ٣٦٥.
(^٣) الفلوجي: المعجم الصغير ٢/ ٨٢٠.
(^٤) المجالسة وجواهر العلم المؤلف أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري، ت ٣٣٣ هـ، وهو أحد طلاب أبي حنيفة، روى عنه في كتابه وعاصره، ومن المواضع ١/ ٤٧٢، ٢/ ١٨٨.
(^٥) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ١٤/ ٢٢.
1 / 19
سنة سبع وخمسين ومئتين (^١).
المازني: بكر بن محمد المازني، أبو عثمان، شيخ العربية، أخذ من أبي عبيدة والأصمعي، كان شيعيًّا أماميًّا يقول بالإرجاء، يذكر أنه سُئل: لماذا قلت روايتك عن الأصمعي؟ فقال: رميت عنده بالقدر ومذهب الاعتزال. مات سنة سبعٍ أو ثمانٍ وأربعين ومئتين (^٢).
زكريا بن يحيى: زكريا بن يحيى بن خلاد المنقري، البصري، أبو يعلى، حدَّث ببغداد، مكثر عن الأصمعي وهو مجهول الحال (^٣).
ابن خبيق: عبد الله بن خبيق الأنطاكي الزاهد، له كلام حسن في التصوف وحسن المعاملة، مات سنة ستين ومئتين (^٤).
الزيادي: إبراهيم بن سفيان بن سليمان بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن زياد بن أبيه، نشأ في العراق، كان نحويًّا لغويًّا راويةً، روى عن الأصمعي وأبي عبيدة، مات سنة تسع وأربعين ومئتين (^٥).
وقد أكثر منه أبو حنيفة الدينوري في كتابه النبات.
أبو نصر: أحمد بن حاتم، النحوي صاحب الأصمعي، وقد روى عنه كتب اللغة والأدب، كان ثقة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئتين (^٦).
روى عنه الدينوري في كتاب النبات.
أبو عمرو: عمرو بن أبي عمرو الشيباني اللغوي، كان ثبتًا واسع الرواية،
_________
(^١) ابن حجر: التهذيب ٥/ ١٢٥.
(^٢) الذهبي: السير ١٢/ ٢٧٠.
(^٣) الذهبي: تاريخ الإسلام ١٩/ ١٤٣، العنسي: مصباح الأريب ١/ ٤٦٥.
(^٤) الذهبي: تاريخ الإسلام ١٩/ ١٧٧.
(^٥) الحموي: معجم الأدباء ١/ ٩٧
(^٦) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ٤/ ٣٣٦.
1 / 20
توفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين (^١).
* علمه وأقوال العلماء فيه، وعلاقته بكتاب الأخبار الطوال المنسوب له:
قال كمال الدين الأنباري (^٢): (وأما أبو حنيفة أحمد بن داود، فكان ذا علوم كثيرة، منها النحو، واللغة، والهندسة، والحساب، والهيئة، وكان ثقة فيما يرويه) (^٣).
هنا لم يذكر أن له علمًا في التاريخ وقد ذكر شيئًا من كتبه، ولم يذكر كتاب الأخبار الطوال.
قال عنه أبو يعلى الخليلي (^٤): (أبو حنيفة الدينوري كبير المحل في اللغة، عالم، جامع، سمع الحديث وكان يعرف له كتاب القبلة، وكتاب النبات، سمعت عبد الله بن محمد الحافظ، يقول: سمعت شيخ الدينور، أحمد بن جعفر بن حمدان، وغيره، يبجلونه، ويعدلونه، وهو مشهور يعتمد على قوله وروايته) (^٥).
هنا ترجم له في علماء الحديث، وأثنى عليه، ولم يذكر أن له كتابا اسمه الأخبار الطوال.
_________
(^١) القفطي: إنباه الرواة ٢/ ٣٦٠.
(^٢) عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي سعيد، أبو البركات النحوي كمال الدين الأنباري، كان إمامًا ثقة صدوقًا فقيهًا، وله كثير من المصنفات، توفي سنة ٥٧٧ هـ. الصفدي: الوافي بالوفيات ١٨/ ١٤٨.
(^٣) نزهة الألباء في طبقات الأدباء ١٨١.
(^٤) الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني، القاضي، العلامة، الحافظ، كان ثقةً حافظًا عارفًا بالرجال والعلل، توفي في قزوين سنة ست وأربعين وأربع مائة. الذهبي: السير ١٧/ ٦٦٧.
(^٥) الإرشاد في معرفة علماء الحديث ٢/ ٦٢٥.
1 / 21
قال أبو حيان (^١): (والذي أقوله وأعتقده وآخذ به واستهام عليه أني لم أجد في جميع من تقدّم وتأخر ثلاثة لو اجتمع الثقلان على تقريظهم ومدحهم ونشر فضائلهم في أخلاقهم وعلمهم ومصنفاتهم ورسائلهم مدى الدنيا إلى أن يأذن الله بزوالها لما بلغوا آخر ما يستحقه كلّ واحد منهم، أحدهم هذا الشيخ الذي أنشأنا له هذه الرسالة وبسببه جشّمنا هذه الكلفة، أعني أبا عثمان عمرو بن بحر، والثاني أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري فإنه من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة وبيان العرب، له في كلّ فنّ ساق وقدم ورواء وحكم، وهذا كلامه في «الأنواء» يدلّ على حظّ وافر من علم النجوم وأسرار الفلك، فأما كتابه في «النبات» فكلامه فيه في عروض كلام أبدى بدويّ وعلى طباع أفصح عربيّ، ولقد قيل لي: إن له في القرآن كتابًا يبلغ ثلاثة عشر مجلدًا ما رأيته، وأنه ما سبق إلى ذلك النمط، هذا مع ورعه وزهده وجلالة قدره. وقد وقف الموفّق (^٢) عليه وسأله وتحفّى به) (^٣).
وقال عنه (أبو حنيفة هذا من كبار الناس وعلمائهم، وكان ثقةً مأمونًا زاهدًا حكيمًا، وكان بدويّ الكلام، رفيع الطبقة) (^٤)، ونجد أن أبا حيان التوحيدي لم يذكر أن له كتابًا اسمه الأخبار الطوال.
_________
(^١) أبو حيان التوحيدي هو علي بن محمد بن العباس البغدادي، الضال الملحد، الصوفي، صاحب زندقة وانحلال، نفاه الوزير المهلبي لسوء عقيدته وكان يتفلسف، له تصانيفه الأدبية والفلسفية، ذكره أبو الفرج ابن الجوزي من زنادقة الإسلام الثلاثة، بقي إلى حدود الأربع مئة. الذهبي: السير ١٧/ ١١٩. ابن حجر: لسان الميزان ٣/ ١٦٠.
(^٢) طلحة بن جعفر بن المعتصم بن محمد بن الرشيد العباسي، أبو أحمد الموفق، كان شجاعًا مهيبًا ولد سنة ٢٢٩ هـ ولي العهد لأخيه المعتمد، فكان بيده الحل والعقد، قضى على ثورة الزنج، مات سنة ٢٧٨ هـ. الذهبي: السير ١٣/ ١٦٩.
(^٣) الحموي: معجم الأدباء ١/ ٢٥٩.
(^٤) البصائر والذخائر ٧/ ٣٥.
1 / 22
قال عبد القادر الحنفي (^١): (أحمد بن داود أبو حنيفة الدينوري، صاحب كتاب النبات أحد العلماء المشهورين في اللغة ذكره أبو القاسم مسلمة بن قاسم الأندلسي في الذيل الذي ذيَّل به على تاريخه الكبير في أسماء المحدثين، وقال: فقيه حنفي الفقه وله من المصنفات كتاب الفصاحة، وكتاب الأنواء، وكتاب القبلة، وكتاب الدور، وكتاب الوصايا، وكتاب الجبر والمقابلة، وكتاب إصلاح المنطق ....) (^٢).
وضعه المؤلف في تراجم طبقات الحنفية ومن أهل الحديث ولم يذكر أن له كتاب اسمه الأخبار الطوال.
قال عنه الذهبي: (صدوق، كبير الدائرة، طويل الباع، ألَّف في النحو واللغة والهندسة، والهيئة والوقت، وأشياء) (^٣).
هنا نجد أن الإمام الذهبي وصفه بالصدوق، وذكر شيئًا من كتبه ولم يذكر له كتاب الأخبار الطوال.
ذكره ابن قطلوبغا في الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (^٤).
* إنتاجه العلمي:
ذكرت المصادر أن لأبي حنيفة مجموعة من الكتب، ويبدو أنها اعتمدت على ما جمعه ابن النديم (^٥) في الفهرست؛ حيث قال: (وله من الكتب كتاب
_________
(^١) عبد القادر بن محمد بن نصر القرشي، محيي الدين، عالم بالتراجم، من حفاظ الحديث، ومن فقهاء الحنفية، ولد ٦٩٦ هـ، وتوفي ٧٧٥ هـ في القاهرة، له جملة من الكتب. الأعلام: للزركلي ٤/ ٤٢.
(^٢) الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية ١/ ٦٧.
(^٣) السير ١٣/ ٤٢٢.
(^٤) الثقات ١/ ٣٣٦.
(^٥) محمد بن إسحاق النديم البغدادي، مصنف كتاب فهرست العلماء، قال عنه ابن حجر: (لما اطلعت في مصنفه ظهر لي أنه رافضي معتزلي) .... (وهو غير موثوق)، اختلف في وفاته، فقد ذكر ابن حجر أنه عاش إلى ما بعد سنة ٤١٢ هـ. ابن حجر: لسان الميزان ٦/ ٥٥٧.
1 / 23
النبات يفضله العلماء في تأليفه، كتاب الفصاحة، كتاب الأنواء، كتاب القبلة والزوال، كتاب حساب الدور، كتاب الرد على رصد الأصفهاني، كتاب البحث في حساب الهند، كتاب البلدان، كتاب كبير، كتاب الجمع والتفريق، كتاب الجبر والمقابلة، كتاب الأخبار الطوال، كتاب الوصايا، كتاب نوادر الجبر، كتاب الشعر والشعراء، كتاب ما يلحن فيه العامة) (^١)، وقد تبعه في نسبة كتاب الأخبار الطوال الحموي (^٢) والقفطي (^٣)، وكل هذه الكتب التي ذكرها ابن النديم لم أقف على أثر لها إلا أجزاء وجدت من كتاب النبات، وكتاب الأنواء الذي وجدت له نقولات في بعض الكتب، وكتاب الأخبار الطوال المنسوب له.
- التحقق من نسبة كتاب الأخبار الطوال للدينوري:
ومما سبق من ذكر العلماء لأبي حنيفة، وأنه بهذه المنزلة الرفيعة، فهو يستحق ذلك بفضل ما جمعه من العلم، والذي يهمني من كتبه ما فيه موضوع بحثي وهو كتاب الأخبار الطوال، ففي ترجمة أبي حنيفة السابقة رأيت كثيرًا من التناقضات فبعض العلماء ينسبون كتاب الأخبار الطوال إلى أبي حنيفة والأغلب لا ينسبه، ومنهم من وثقه وجعله من كبار الحنفية، وترجموا له في علماء الحديث، وهذا أمر يثير الغرابة، فكيف يفعل هذا برجل قام بتأليف مثل هذا الكتاب المليء بالفتن والخرافات؟!.
وقد عرضت على مشرفي هذه التراجم وما حصل عندي من الحيرة
_________
(^١) الفهرست ١٠٦.
(^٢) في كتابه معجم الأدباء ١/ ٢٦١ نقلا عن ابن النديم.
(^٣) في كتابه إنباه الرواة ١/ ٧٦.
1 / 24
والشك في أمر هذا الكتاب ومؤلفه، والذي لفت نظري إلى فرضية أن الكتاب منسوب إلى أبي حنيفة الدينوري وليس له على الحقيقة، ثم بدأت أجمع الأدلة التي تثبت التباعد بينه وبين كتاب الأخبار الطوال ومما وجدت:
- يعتبر ابن النديم أول من نسب الكتاب لأبي حنيفة، وهو غير موثوق؛ لأن جميع من ترجم لأبي حنيفة قبله لم يذكروا أن له كتابًا اسمه الأخبار الطوال، ومنهم ابن حوقل المتوفى سنة ٣٦٧ هـ حينما عرف بعلماء الدينور فقال: (وأبو حنيفة صاحب كتاب الأنواء وهو كتاب في غاية الحسن والجمال وله كتاب النبات في وجوه اللغة وغير ذلك من التآليف) (^١).
وقد ترجم له أبو حيان التوحيدي وهو معاصر لابن النديم كما سبق وكلاهما في بغداد، ولم يذكر أن لأبي حنيفة كتابًا باسم الأخبار الطوال، مع أنه أطال في الترجمة وذكر شيئًا من أخباره مما لم يذكره غيره، ثم ترجم له الخليلي المتوفى سنة ٤٤٦ هـ، ولم يذكر أن له كتابًا اسمه الأخبار الطوال، وهو معاصر لابن النديم أيضًا، ويبدو أنه زار الدينور بعد وفاة أبي حنيفة، أو أنه التقى بعلمائها وسمع ثناءهم عليه، فلو عرفوا له كتاب الأخبار لم يثنوا عليه؛ لأن من يطلع على الكتاب لا يعدل صاحبه كما فعلوا.
وهذا يجعلنا نتساءل: كيف عرف ابن النديم أن لأبي حنيفة كتاب اسمه الأخبار الطوال، ولم يعرف أحد ممن كان قبله أو ممن عاصره؟ بل إنه قد انفرد في نسبته طيلة الفترة التي أعقبت ذكره للكتاب، ولم أقف على من نسب الكتاب إلى أبي حنيفة غيره حيث ظل هذا الكتاب غائبًا بعد ابن النديم إلى أن جاء ذكره من قبل القزويني المتوفى سنة ٦٢٣ هـ، في كتابه التدوين في أخبار قزوين فقد أتى
_________
(^١) صورة الأرض ٣٠٩.
1 / 25