وعبر تاريخ دولة الإسلام كان يعيش في داخلها غير المسلمين في مراحل قوتها وضعفها، فلم يجبروا على ترك معتقداتهم أو يكرهوا على الدخول في الإسلام، والقاعدة العظمى في الإسلام أن لا إكراه في الدين، ولذا فقد عاش الذميون وغيرهم في كنف دولة الإسلام دون أن يتعرض أحد لعقائدهم ودياناتهم (١) . إن الإسلام لم يقم على اضطهاد مخالفيه أو مصادرة حقوقهم أو تحويلهم بالكره عن عقائدهم أو المساس الجائر لأموالهم وأعراضهم ودمائهم وتاريخ الإسلام في هذا المجال أنصع تاريخ على وجه الأرض (٢) . ومن المقرر عند الفقهاء أنه لو أكره أحد على الإسلام فإنه لا يصح إسلامه. قال في المغني: "وإذا أكره على الإسلام من لا يجوز إكراهه كالذمي والمستأمن فأسلم لم يثبت له حكم الإسلام حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعا" (٣) . ولذلك فإنه إذا عاد إلى دينه بعد زوال الإكراه لم يحكم بردته، ولا يجوز قتله ولا إكراهه على الإسلام، ونقل ابن قدامة إجماع أهل العلم على أن الذمي إذا أقام على ما عوهد عليه والمستأمن، لا يجوز نقض عهده ولا إكراهه على ما لم يلتزمه (٤) .

(١) انظر: تلبيس مردود في قضايا حية، صالح بن حميد، مكتبة المنارة، مكة، ط١، ١٤١٢هـ ص ٣٠. (٢) التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، محمد الغزالي، دار التوزيع، القاهرة، ط ١، ١٤٠٩هـ، ص ٦. (٣) المغني، ابن قدامة، دار هجر، القاهرة، تحقيق: د عبد الله التركي، د عبد الفتاح الحلو ط ٢، ١٤١٢هـ ج ١٢ ص ٢٩١. (٤) انظر: المرجع السابق، ج ١٢ ص٢٩١، ٢٩٢.