The Tatars from the Beginning to Ain Jalut
التتار من البداية إلى عين جالوت
জনগুলি
أسباب هزيمة المسلمين أمام التتار
لم يكن سبب المأساة الإسلامية بعد ذلك في الأساس هذه القوة التترية وبأسها وعددها، وإنما كان بسبب الفرقة والتشتت والتشرذم بين ممالك المسلمين، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال:٤٦].
فالفشل جعله الله ﷿ قرينًا للتنازع، والمسلمون في ذلك الوقت كانوا في نزاع مستمر وخلاف دائم، وعندما كانت تحدث بعض فترات الهدنة في الحروب مع التتار، كان المسلمون يغيرون على بعضهم بعضًا، ويأسرون بعضهم بعضًا، ويقتلون بعضهم بعضًا، وقد علم يقينًا أن من كانت هذه صفتهم فلا يكتب لهم النصر أبدًا.
فقد روى الإمام مسلم ﵀ عن ثوبان ﵁ وأرضاه أن رسول الله ﷺ قال: (وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة -يعني: لا يهلك أمة الإسلام بكاملها بقحط مثلًا- وألا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم -يعني: لا يأتي عدو من أعداء أمة الإسلام فيستأصلها بكاملها، مهما كانت قوة هذا العدو- وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء، فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، -أي: إذا اجتمع أهل الأرض جميعًا لحرب أمة الإسلام، فلن يستأصلوها، هذا وعد من رب العالمين ﷾ ثم قال: حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا) وكان المسلمون في تلك الفترة يهلك بعضهم بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا، فلا عجب إن غلبهم جيش التتار أو غيره.
وبالإضافة إلى داء الفرقة، فقد أخطأ محمد بن خوارزم خطأ واضحًا في الإعداد، وهو أنه مع اهتمامه بتحصين العاصمة أورجندة إلا أنه ترك كل المساحات الشرقية في دولته دون حماية كافية، فعلى الرغم من كونه قائدًا محنكًا وعلى دراية بالحروب، إلا أنه وقع في مثل هذا الخطأ الساذج، فقد ترك كل الحدود الشرقية دون حماية، وهذا لم يكن خطأً تكتيكيًا في المقام الأول، ولكنه كان خطأً قلبيًا أخلاقيًا في الأساس.
فقد اهتم محمد بن خوارزم الزعيم المسلم لدولة خوارزم بتأمين نفسه وأسرته ومقربيه، والحفاظ على كنوزه وكنوز آبائه، وأهمل تمامًا تأمين شعبه والحفاظ على مقدراته وأملاكه، وعادة ما يسقط أمثال هؤلاء القواد أمام الأزمات التي تعصف بأمتهم، بل وتسقط الشعوب التي تقبل بهذه الأوضاع المقلوبة دون إصلاح.
1 / 13