The Shining Light from the Comprehensive Sermons
الضياء اللامع من الخطب الجوامع
প্রকাশক
الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٠٨هـ - ١٩٨٨م
জনগুলি
[القسم الأول من الضياء اللامع من الخطب الجوامع]
[مقدمة المؤلف]
الضياء اللامع
من
من الخطب الجوامع
অজানা পৃষ্ঠা
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد: فإن الله أرسل رسوله ﷺ برسالة خالدة صالحة لكل زمان ومكان وأمره أن يبلغ هذه الرسالة إلى أمته فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: ٦٧] فقام ﷺ بعون الله وتوفيقه بتبليغ تلك الرسالة وأداء الأمانة على أكمل وجه وأبلغه مستعملا في ذلك جميع وسائل التبليغ الراتبة والطارئة وكان من وسائل التبليغ الراتبة ما يخطب به الناس كل جمعة مبينا لهم ما تقتضيه الحال، ويتطلبه الموقف من شرح الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه واليوم الآخر وصفة الجنة والنار وغير ذلك.
وسار على نهجه دعاة الحق في كل زمان ومكان من الخلفاء والولاة والوعاظ وأهل العلم إلى وقتنا هذا وكان ممن حباه الله وحمله هذه المهمة العظيمة مهمة الدعوة والتبليغ شيخنا أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي حيث تولى الخطابة يوم الجمعة في المسجد الجامع الكبير بعنيزة وخطابة العيدين فكان مثالا يحتذى في إخلاص النية وإصلاح العمل وتوجيه الناس إلى الخير بقدر ما يستطيع بأسلوب بين واضح للعام والخاص وبقي على ذلك حتى التحق بجوار ربه في جمادي الثانية عام ست وسبعين وثلثمائة وألف.
وقد من الله وله الحمد والمنة علينا بخلافته في هذا المنصب الجليل فاقتدينا به في فكرته وأسلوبه وهيأنا خطبا مناسبة بقدر ما نستطيع وجمعنا من ذلك ما تيسر وقد رأينا من المصلحة أن نقوم بطبعها ونشرها لتعم بها الفائدة وتكون كالتكميل لما ابتدأه شيخنا ﵀ فانتقينا من
1 / 3
ذلك جملة صالحة يزيد عددها على مئة وربع المئة وضممنا إليها خطبا في العيدين والاستسقاء وقسمناها أقساما وفروعا على النحو التالي:
القسم الأول في العلم وهو فرع واحد.
القسم الثاني في أصول الدين وهو تسعة فروع:
١ - في أسماء الله.
٢ - في آيات الله.
٣ - في بعثة النبي ﷺ وآياته وأخلاقه.
٤ - في غزوات النبي ﷺ.
٥ - في أشراط الساعة.
٦ - في أحوال القيامة والجنة والنار.
٧ - في الإيمان بالقدر.
٨ - في محاسن الإسلام.
٩ - في آداب إسلامية.
القسم الثالث في العبادات وهو ستة فروع:
١ - في الطهارة وما يتعلق بها.
٢ - في الصلاة وما يتعلق بها.
٣ - في الزكاة.
٤ - في الصيام وزكاة الفطر وعيد الفطر.
٥ - في الحج والأضحية وعيد الأضحى.
٦ - في الجهاد.
القسم الرابع في المعاملات وهو ثلاثة فروع:
١ - في النصيحة والأمانة.
٢ - في البيوع واكتساب المال.
٣ - في الوقف والوصية.
القسم الخامس في النكاح وهو فرعان:
١ - في شروط النكاح.
٢ - في الصداق.
القسم السادس في تربية الأولاد وهو فرع واحد.
القسم السابع في الحدود والقصاص وهو فرعان:
١ - في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
٢ - في القصاص والحدود.
القسم الثامن في النفقات والأطعمة وهو فرع واحد.
القسم التاسع في مواضيع عامة.
القسم العاشر في خطب خاصة في أشهر معينة ووداع العام وهو فرع واحد.
نسأل الله أن يجعل عملنا خالصا لوجهه، نافعا لعباده وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه أكرم مسئول وأقرب مجيب وهو حسبنا ونعم الوكيل.
المؤلف
1 / 4
[القسم الأول العلم]
[الخطبة الأولى الحث على العلم والعمل به]
بسم الله الرحمن الرحيم
القسم الأول
العلم وهو فرع واحد الخطبة الأولى
الحث على العلم والعمل به الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، والحمد لله الذي فضل العلم على الجهل، فقال: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليم بمن يصلح للعلم والدين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، القائل: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وتعلموا أحكام شريعته بطلب العلم النافع، فإن العلم نور وهدى، والجهل ظلمة وضلال، تعلموا ما أنزل الله على رسوله من الوحي، فإن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء ما ورثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر من ميراثهم، تعلموا العلم فإنه رفعة في الدنيا والآخرة، وأجر مستمر إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١] وقال النبي ﷺ: «إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له» انظروا إلى آثار العلماء الربانيين لم تزل موجودة إلى يومنا هذا طوال الشهور والسنين، آثارهم محمودة وطريقتهم مأثورة، وذكرهم مرفوع، وسعيهم مشكور، إن ذكروا في المجالس ترحم الناس عليهم ودعوا لهم، وإن ذكرت الأعمال الصالحة والآداب العالية فهم قدوة الناس فيها. أيها الناس تعلموا العلم واعملوا به فإن تعلم العلم جهاد في سبيل الله والعمل به نور وبصيرة من الله: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الأنعام: ١٢٢]
أيها الناس إننا على أبواب عام دراسي جديد يستقبل فيه المتعلمون ما يلقى إليهم من
1 / 5
العلوم ويستقبل فيه المعلمون من يتلقى عنهم العلوم والآداب والأخلاق، فيا ليت شعري ماذا أعد كل واحد منهم لما يستقبله؟ إن على المتعلمين أن يعدوا لهذا العام الجد، والنشاط، وأن يحرصوا ما استطاعوا على تحصيل العلم من كل طريق وباب، وأن يبذلوا غاية الجهد لرسوخ العلوم في قلوبهم فيجتهدوا عليها من أول العام ففي ذلك سبب لرسوخ العلم وتيسير حصوله لأنه إذا اجتهد من أول العام أخذ العلم شيئا فشيئا فسهل عليه وأما إذا توانى في أول السنة فإنه يصعب عليه بعد ذلك وتتراكم عليه العلوم ويكون تصوره لها تصورا سطحيا لا يرسخ في قلبه ولا يبقى في ذهنه وإن من واجب المتعلم إذا أحاط علما بالمسألة أن يطبقها على نفسه ويعمل بها ليكون علمه نافعا له فإن العلم النافع هو ما طبقه الإنسان عمليا والعمل بالعلم هو ثمرة العلم ولجاهل خير من عالم لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به فإن العلم سلاح فإما أن يكون سلاحا لك على عدوك وإما أن يكون سلاحا عليك أيها المتعلم إذا علمت مسألة دينية فاعمل بها وإلا فما فائدة العلم أرأيت لو أن شخصا تعلم الطب ولكن لم يتطبب ولم يعالج نفسه ولا غيره فما فائدة علمه إذن فهكذا العلوم الشرعية إذا لم تطبقها بل هي أبلغ فإنك إذا عملت بها كانت أنفع العلوم وإن خالفتها كانت حجة عليك. أيها المعلمون إن عليكم لأمتكم ومن يتعلمون منكم حقوقا عظيمة فقوموا بها لله مخلصين وبه مستعينين ولنفع أبنائكم ومن يتلقون العلم منكم قاصدين أخلصوا في التعليم واسلكوا أسهل السبل وأقربها للتفهيم ونزلوا الفصول منازلها فليس تعليم المنتهين مثل المبتدئين وعليكم أن تمثلوا أمام الطلبة بكل خلق فاضل كريم وأن تتجنبوا كل خلق سافل لئيم فإن المتعلم يتلقى من معلمه الأخلاق كما يتلقى منه العلوم ووجهوا أبناءكم الطلبة في كل مناسبة ترون فيها الفرصة لذلك فإن المعلم الناصح من يجمع بين التعليم والتربية الحسنة والله يحب المحسنين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ - اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١ - ٢] بارك الله ولي ولكم في القرآن العظيم.
1 / 6
[الخطبة الثانية في فضيلة العلم]
الخطبة الثانية
في فضيلة العلم الحمد لله الذي فقه من أراد به خيرا في الدين ورفع منازل العلماء فوق العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهد لنفسه بالوحدانية وشهد بها ملائكته والعلماء من المؤمنين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث هدى للعالمين وحجة على العباد أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى وتفقهوا في دينكم فمن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين معرفة ما أنزل الله على رسوله من الأحكام بأدلتها وما يترتب عليها من ثوابها وعقوبتها فإنه بمعرفته ذلك يكون متعبدا لله على بصيرة ونافعا لعباد الله في عباداتهم ومعاملاتهم الدقيقة والجليلة ولا شك أن هذا خير عظيم وفضل جسيم في التفقه في الدين يرفع الله الدرجات ويجرى للعبد عمله في الحياة وبعد الممات في التفقه في الدين يكون المرء وارثا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام في التفقه في الدين ييسر للمرء الطريق إلى الجنات والوصول إلى رب الأرض والسماوات في التفقه في الدين يكون المرء من العلماء أهل الخشية لله والمحسنين إلى عباد الله، طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها وتضعها له رضاء بما يطلب فعن أبي الدرداء ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر» وقال: «(إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا) قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: " مجالس العلم" وفي رواية " حلق الذكر» كان ابن مسعود ﵁ إذا ذكر هذا الحديث قال: أما إني لا أعنى القصاص ولكن حلق الفقه وفي مسند الإمام أحمد عن قبيصة ﵁ قال: «أتيت النبي ﷺ فقال: ما جاء بك فقلت كبر سني ورق عظمي وأتيتك لتعلمني ما ينفعني الله به فقال: يا قبيصة ما مررت بحجر ولا شجر ولا مدر إلا استغفر لك» فهذه
1 / 7
الأحاديث وأمثالها وأضعافها كلها دالة على فضل العلم الشرعي تعلمه وتعليمه كيف لا يكون العلم بهذا الفضل وفيه حفظ دين الرسول وكيف لا يكون بهذه المنزلة الرفيعة وبسببه يحصل كل خير مأمول واعلموا رحمكم الله أن من حضر منكم مجلسا واحدا من مجالس العلم فاستفاد مسألة عمل بها وعلمها إخوانه فإنه يحصل خيرا كثيرا ويجرى له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ولا تظنوا أن فضل العلم لا يحصل إلا لمن تفقه كثيرا فإن الله تعالى سوف يجزي كل عامل بعمله وإن قل ولا يظلمون نقيرا قال النبي ﷺ: «بلغوا عني ولو آية» أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: ٣٣] بارك الله ولي ولكم. . .
1 / 8
[الخطبة الثالثة في فضيلة أئمة الدين]
الخطبة الثالثة
في فضيلة أئمة الدين الحمد لله ذي النعم الكثيرة والآلاء الغني الكريم الواسع العطاء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام النجباء وعلى أتباعهم في هديهم القويم إلى يوم الميعاد والمأوى وسلم تسليما. أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى واستمسكوا بدينكم الذي شرعه نبيكم فهو العروة الوثقى واعرفوا نعمة الله عليكم بهذا الدين الذي تسعدون به في حياتكم وبعد مماتكم وعند قيامكم لرب العالمين أما ترون إلى هذه الأمم الكافرة الضالة كيف كانت في جهل عميق من دينها وفي شبهات وضلالات تبعدها عن إيمانها ويقينها أمم لا تريد سوى العلو في الأرض والفساد والاعتداء على دين الله تعالى واستعمار العباد ترقت في صناعتها ومادتها وانحطت في دينها وأخلاقها وشطحت عن سعادتها وأنتم ولله الحمد قد يسر الله لكم دينا سليما وصراطا مستقيما جعلكم من أمة محمد خير الأمم وأبرها وأزكاها وحفظ لكم دينكم حتى وصل إليكم ولله الحمد نقيا من البدع والإشراك وبريئا من طرق الغي والهلاك بما أقام الله لكم من أئمة الدين والجهابذة المرشدين المخلصين فمن أولئك السادة الأبرار إمام الأئمة ناصر السنة وقامع البدعة أحمد بن حنبل فإنهم نصروا السنة وبينوها وقمعوا البدعة وهتكوها حتى صاروا يضرب بهم المثل في اتباع السنة والكتاب وبهم يوزن السني من البدعي من سائر الطوائف والأضراب ومنهم شيخ الإسلام والمسلمين أحمد بن تيمية تقي الدين الذي جاهد الكفار والمنافقين وهتك أستار المحرفين والمبتدعين وأظهر من صريح السنة وعلومها وأعلامها ما يتبين به الحق للمعتبرين وسلك طريقه تلامذته من العلماء المحققين حتى آلت النوبة لشيخ الجزيرة العربية وإمامها الأواب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب فلم يزل مع خصومه في جلاد وجهاد وتبيين للسنة والتوحيد الخالص بين العباد ويسر الله له من يقوم بعونه من الملوك المخلصين حتى صفت هذه الجزيرة ولله الحمد بمساعيهم من الشرك والضلال المبين فلم تجد ولله الحمد قبة للمشرك ولا مشهدا ولا توسلا بالمخلوقين ولا مولدا ولا معبدا ولا تجد فيها ولله الحمد من يحرف نصا من نصوص الصفات أو ينفي ما ثبت لله تعالى من النزول إلى السماء الدنيا
1 / 9
والاستواء على عرشه فوق المخلوقات فكل ما جاء من صفات الله تعالى فإنهم يقرون به ولا يؤلونه ولا يجحدون منه حرفا ولا معنى ولا يكيفون فاحمدوا الله تعالى على هذه النعمة واشكروه واسألوه أن يثبتكم على دينه وسنة نبيه إلى أن تلاقوه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ - قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٧ - ٥٨] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. . . . الخ.
1 / 10
[الخطبة الرابعة في مقام أهل العلم في الناس]
الخطبة الرابعة
في مقام أهل العلم في الناس الحمد لله الذي أرسل الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ويتحقق العدل بين المخلوقين وجعل لهم خلفاء يخلفونهم في أممهم علما وعملا ليكونوا قدوة للعاملين ومنارا للسالكين وشهداء على العالمين وهؤلاء الخلفاء هم العلماء الربانيون الذين اكتسبوا العلم ابتغاء وجه ربهم وربوا به الأمة علما وعملا فكانوا هداة مهتدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المتقين فليس بعده نبي وإنما هم العلماء كالأنبياء في هداية العالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن من أكبر نعمة عليكم أن حفظ عليكم هذا الدين برجاله المخلصين وهم العلماء العاملون الذين كانوا أعلاما يهتدى بهم وأئمة يقتدى بهم وأقطابا تدور عليهم معارف الأمة وأنوارا تتجلى بهم غياهب الظلمة فإن في وجود أمثال هؤلاء في الأمة حفظا لدينها وصونا لعزتها وكرامتها فإنهم السياج المتين يحول بين الدين وأعدائه والنور المبين تستنير به الأمة عند اشتباه الحق وخفائه وهم ورثة الأنبياء في أممهم وأمناؤهم على دينهم فإن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر وهم شهداء الله في الأرض الذين شهدوا بالحق وأعلنوها على الملأ بأنه لا إله إلا الله وأنه سبحانه هو القائم بالقسط وأن كل حكم يخالف حكمه فهو ظلم وجور، قال الله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ١٨] وهم شهداء الله في أرضه يشهدون أن رسله صادقون مصدقون وأنهم بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة ونصحوا الأمة وجاهدوا في الله حق جهاده وهم شهداء الله في أرضه يشهدون بأحكامه على خلقه يقرؤون كتاب الله وسنة رسوله ويفهمونهما فيشهدون على الخلق بما فيهما من أحكام عادلة وأخبار صادقة فليس في الأمة كمثلهم ناصحا مخلصا يعلمون أحكام الله ويعظون عباد الله ويقودون الأمة لما فيه الخير والصلاح فهم القادة حقا وهم الزعماء المصلحون وهم أهل الخشية لله ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨] ولهذا تكاثرت
1 / 11
النصوص في فضل العلم وأهله فقال النبي ﷺ: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» وقال: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة» وقال «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء»، أيها الناس: " إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدي بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة"، " وإن فقيها واحدا أشد على الشيطان من ألف عابد" وذلك لأن العابد منفعته قاصرة على نفسه أما الفقيه فقد حفظ دين الله ونفع عباد الله فهو يقود الأمة إلى الخير ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد والشيطان يقودهم إلى الشر ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: ٦] فدعوة الفقيه ودعوة الشيطان ضدان والشيطان والداعي إلى الخير متعاديان فلذلك كان الشيطان يفرح بموت العلماء لأنهم أعداؤه يحولون بينه وبين ما يريد.
أيها الناس إذا كان هذا فضل العلم وحال العالم أفلا يليق بنا أن نبذل الجهد لتحصيل العلم النافع بالسؤال والقراءة والبحث والتحقيق لنفوز بإرث الأنبياء الكرام وبصحبتهم في دار السلام فنعم الموروث الأنبياء ونعم الرفيق.
أيها الناس إذا كانت هذه منزلة العالم من أمته ودينه أفلا يجدر بنا أن نأسف على موت العلماء لأن فقد العالم ليس فقدا لشخصيته فحسب ولكنه فقد لجزء من تراث النبوة، جزء كبير بحسب ما قام به هذا العالم المفقود من التحقيق فوالله إن فقد العالم لا يعوض عنه مال ولا عقار ولا متاع ولا دينار بل فقده مصيبة على الإسلام والمسلمين لا يعوض عنه إلا أن ييسر الله من يخلفه بين العالمين فيقوم بمثل ما قام به من الجهاد ونصرة الحق.
وإن فقد العلماء في مثل هذا الزمان لتتضاعف به المصيبة لأن العلماء العاملين أصبحوا ندرة قليلة بين الناس وكثر الجهل والتشكيك والإلباس ولكننا لن نيأس من روح الله ولن نقنط من رحمته فلقد أخبر الصادق المصدوق محمد ﷺ: «أنه لن تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» .
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن ييسر لهذه الأمة ما يحفظ به عليها دينها وينصر به أهل طاعته ويذل به أهل معصيته إنه جواد كريم رؤوف رحيم.
1 / 12
[الخطبة الخامسة في الاستفتاء]
الخطبة الخامسة
في الاستفتاء الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم والحمد لله الذي من على عباده بإنزال الكتب وإرسال الرسل فلم يبق على الله للخلق حجة وفتح العقول وفهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرب الكريم الأكرم علم القرآن وخلق الإنسان وعلمه البيان وأعطى وتكرم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المرشد إلى السبيل الأقوم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وبارك وسلم.
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى وتفقهوا في دين الله لتعبدوا الله على بصيرة فإن من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فالفقه في الدين أساس الخير والعمل الصالح، فبه يعرف العبد كيف يعبد ربه، به يعرف كيف يتوضأ وكيف يغتسل، به يعرف كيف يصلي وكيف يصوم وكيف يزكي وكيف يحج وكيف يعتمر، به يميز بين الواجبات وبين السنن، به يعرف كيف يسير إلى ربه في نور العلم إذا انعقدت غيوم الجهل والفتن، به يعرف كيف يعامل الناس بالبيع والشراء يعطي الحق الذي عليه ويطلب الذي له أو يتسامح عنه، به يعرف كيف ينكح وكيف ينفق وكيف يكفر عن آثامه وكيف يعتق، به يكون العبد سراجا في أمته يهديهم الصراط المستقيم ويبين لهم النهج القويم بالعلم يستنير في حياته وبعد وفاته فهو نور القلب ونور القبر ونور الحشر ونور الصراط، العالم حي بعد مماته والجاهل ميت في حياته: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: ٩] «إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له» وما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى، «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء: إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» .
أيها الناس: من استطاع منكم أن يتفرغ للعلم وتحصيله فليفعل فإنه ليتأكد في هذا الزمان الذي قل فيه الفقهاء في دين الله وكثر فيه طلب الدنيا بشتى الوسائل والإقبال عليها
1 / 13
ومن لم يستطع منكم ذلك فليستمع إلى الذكر وليجلس إلى أهل العلم فيستفيد منهم ويفيد غيره ومن لم يتسطع فلا أقل من أن يسأل عن دينه عن طهارته وصلاته وزكاته وصيامه وحجه وبيعه وشرائه وأخذه وعطائه ونكاحه وغير ذلك مما له صلة بدينه إذا عرض له فيه إشكال واشتباه.
عباد الله: إن بعض الناس يصنع أمرا محرما لا يجوز في الاستفتاء، تجده يأتي إلى أحد ليستفتيه راضيا بفتواه معتقدا أن ما يقوله هو دين الله وهو الحق الذي يجب عليه التزامه فإذا أفتاه بشيء ولم تناسبه الفتوى إما لاستبعاده لها وإما لصعوبتها عليه في نظره ذهب يطلب مفتيا آخر لعله يكون أنسب له وهذا العمل حرام عليه فإن المطلوب في حق المستفتي أن يتحرى من يظنه أقرب إلى الحق لكثرة علمه وقوة ورعه فإذا غلب على ظنه أنه أقرب إلى الحق من غيره فليسأله ثم ليأخذ بقوله ولا يستفتى غيره إلا أن يتبين له بعد ذلك أنه مخطيء مخالف للكتاب أو السنة فحينئذ يأخذ بما دل عليه الكتاب والسنة وقد ذكر الله تعالى في كتابه وظيفة الإنسان إذا لم يكن له علم فقال: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ - بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ [النحل: ٤٣ - ٤٤] فإذا كنت مأمورا بسؤال أهل العلم فإن العاقل لا بد أن يتحرى لدينه من هو أعلم وأروع الأمثل فالأمثل فاتقوا الله أيها الناس ولا تتلاعبوا بدينكم تسألون هذا وهذا وهذا فتختلف عليكم الأمور وتكونوا ممن اتبعوا أهواءهم.
والإنسان متى قام بالواجب فسأل من يظنه أقرب إلى الحق فقد برئت ذمته فيما بينه وبين الله قال في المنتهى وشرحه: ومن لم يجد إلا مفتيا لزم أخذه بقوله وكذا ملتزم قول مفت وثم غيره أي فإنه يلزمه الأخذ بفتوى من التزم بقوله وقال في شرحه نقلا عن شرح مختصر التحرير: لو أفتى المقلد مفت واحد وعمل به المقلد لزمه قطعا وليس له الرجوع إلى فتوى غيره في تلك الحادثة بعينها إجماعا نقله ابن الحاجب وغيره وقد ذكر ذلك صاحب الإقناع وشرحه والغاية وشرحها. نعم لو سأل أمثل من يجد من غير أن تسكن إليه نفسه ويطمئن إليه قلبه ولكن للضرورة فهذا يجوز أن يسأل غيره فيما بعد ممن يظن أنه أقرب إلى الحق منه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ١٨] بارك الله. . . الخ.
1 / 14
[القسم الثاني في أصول الدين]
[الفرع الأول أسماء الله تعالى]
[الخطبة الأولى في شرح بعض الأسماء الحسنى]
بسم الله الرحمن الرحيم
القسم الثاني في أصول الدين
الفرع الأول
أسماء الله تعالى الخطبة الأولى
في شرح بعض الأسماء الحسنى الحمد لله ذي الصفات الكاملة العليا والأسماء الفاضلة الحسنى خلق الأرض والسماوات العلي الرحمن على العرش استوى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وتدبيره ولا نظير له في صفاته ولا راد لتقديره وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي خضع لربه واستعان به في صغير أمره وجليله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين عرفوا الحق بدليله وسلم تسليما.
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله لا شريك له في جميع صفاته ولا مضاهي له في أسمائه وتقديراته فهو (الله) الذي تألهه القلوب بالمحبة والود والتعظيم وهو (الرحمن الرحيم) الذي هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها فما من نعمة وجدت إلا من رحمته وما من نقمة دفعت إلا من آثار رحمته وهو (الملك) مالك العالم كله علوه وسفله لا يتحرك متحرك إلا بعلمه وإرادته وما يسكن من ساكن إلا بعلمه وإرادته وهو (القدوس) الذي تقدس وتنزه عن النقائص والعيوب فلقد خلق السماوات بما فيها من النجوم والأفلاك وخلق الأرض بما فيها من البحار والأشجار والجبال والمصالح والأقوات خلق كل ذلك وما بين السماوات والأرض في ستة أيام سواء للسائلين وما مسه من تعب ولا آفات وهو (القوي القهار) فما من مخلوق إلا وتحت قدرته وقهره وما من جبروت إلا وقد ذل لعظمته وسطوته وهو (العليم) الذي يعلم السر وأخفى ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه يعلم ما توسوس به نفس العبد قبل أن يتكلم به وهو الرقيب الشاهد عليه في كل حالاته وما يغيب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر وهو (العلي الأعلى) هو العلي في ذاته فوق عرشه العلي في صفاته فما يشبهه أحد من
1 / 15
خلقه وهو (الجبار) الذي يجبر الكسير والضعيف ويأخذ القوي بالقهر المنيف وهو (الغفور) الذي يغفر الذنوب وإن عظمت ويستر العيوب وإن كثرت وفي الحديث القدسي عنه ﵎ قال: «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو أتيتني بملء الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بملئها مغفرة» . وهو (الخلاق القدير) الذي أمسك بقدرته السماوات والأرض أن تزولا ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وهو (الحكيم) في شرعه وقدره فما خلق شيئا عبثا ولا شرع عبادة لهوا ولعبا ومع ذلك فله الحكم آخرا وأولا وهو (الغني) بذاته عن جميع مخلوقاته وهو (الكريم) بجزيل عطائه وهباته فيده لا تغيضها نفقة ملآى سحاء الليل والنهار. أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وفي الحديث قال الله تعالى: «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر» وفي رواية: «ذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون» .
إخواني: هذا شيء يسير من أسماء الله تعالى وما لها من المعاني وإن أسماءه تعالى لا يحصى لها تعداد وله منها تسعة وتسعون من أحصاها دخل الجنة وإحصاؤها هو معرفتها لفظا ومعنى والتعبد لله بها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٠] بارك الله لي ولكم.
1 / 16
[الخطبة الثانية في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا]
الخطبة الثانية
في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا الحمد لله العلي الأعلى الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من سوء المأوى وآمل بها الفوز بالنعيم المقيم والدرجات العلى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه النجباء وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد والجزاء وسلم تسليما.
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى واعرفوا ما لله تعالى من الأسماء والصفات فإن معرفة ذلك زيادة في الإيمان وبصيرة في دين الله وعرفان، ولله تعالى تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة ألا وإن إحصاءها أن يعرف العبد لفظها ومعناها ويتعبد لله تعالى بموجبها ومقتضاها.
فمن أسمائه تعالى (الحي القيوم) وهو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى فهو الحي الكامل في حياته حياة لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال فهو الحي الذي لا يموت وهو الباقي وكل من عليها فان، أما القيوم الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع خلقه وفي الحديث القدسي أن الله تعالى يقول: «يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئا يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر ذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد عطائي كلام وعذابي كلام إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون» وللقيوم معنى آخر وهو القائم على غيره فكل ما في السماوات والأرض فإنه مضطر إلى الله لا قيام له ولا ثبات ولا وجود إلا بالله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ [الروم: ٢٥] ومن أسمائه تعالى (العليم) الذي يعلم كل شيء جملة وتفصيلا فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩] ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحديد: ٤]
1 / 17
﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: ٣٤]
ومن أسمائه تعالى (القدير) ذو القدرة الكاملة فما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون أرأيتم كيف خلق هذا الكون العظيم في ستة أيام ثم استوى على العرش خلق هذا الكون بأرضه وسمائه وشمسه وقمره وبحره وبره ووهاده وجباله وأنهاره وبحاره وبقوله وأشجاره ورطبه ويابسه وظاهره وباطنه خلق هذا الكون على أحسن نظام وأتمه لمصالح عباده خلقه كله في ستة أيام ولو شاء لخلقه بلحظة ولكنه حكيم يقدر الأمور بأسبابها. أيها المسلمون إن ما غاب عنا من مشاهد قدرته أعظم وأعظم بكثير مما نشاهده فلقد جاء في الحديث: «إن السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة إلى الكرسي الذي وسع السماوات والأرض كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإن نسبة هذا الكرسي إلى العرش كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض» فسبحان الله العلي الكبير القوي القدير.
ومن أسمائه تعالى (السميع البصير) يسمع كل شيء ويرى كل شيء لا يخفى عليه دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث إن جهرت بقولك سمعه وإن أسررت به لصاحبك سمعه وإن أخفيته في نفسك سمعه وأبلغ من ذلك أنه يعلم ما توسوس به نفسك وإن لم تنطق به. إن فعلت فعلا ظاهرا رآك وإن فعلت فعلا باطنا ولو في جوف بيت مظلم رآك وإن تحركت بجميع بدنك رآك وإن حركت عضوا من أعضائك رآك وأبلغ من ذلك أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ومن أسماء الله تعالى (الرحمن الرحيم) فكل ما نحن فيه من نعمة فهي من آثار رحمته معاشنا من آثار رحمته وصحتنا من رحمته وأموالنا وأولادنا من رحمته. الليل والنهار والمطر والنبات من رحمته. الأمن والرغد من رحمته. إرسال الرسل وإنزال الكتب من رحمته.: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ١٨] أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٠] بارك الله لي ولكم.
1 / 18
[الخطبة الثالثة في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا]
الخطبة الثالثة
في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا الحمد لله المتفرد بكمال الصفات المتنزه عن العيوب والنقائص والآفات خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ولو شاء لخلقها في لحظات له الملك وله الحمد وله الخلق وله الأمر في جميع الأوقات فسبحانه من إله عظيم وملك رب رحيم ولطيف بالعباد عليم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك به في ألوهيته وربوبيته والأسماء والصفات وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على جميع البريات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان مدى الأوقات وسلم تسليما.
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى واعرفوا ما له من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا فإن معرفة ذلك زيادة في الإيمان وتثبيت على الحق وإيقان وعبادة الله على بصيرة وبرهان فمن أسماء الله تعالى "الملك" وهو ذو السلطان الكامل والملك الشامل المتصرف بخلقه كما يشاء من غير ممانع ولا مدافع ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ [هود: ٥٦] له الملك المطلق ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣] يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير بيده ملكوت السماوات والأرض يحيي ويميت يغني فقيرا ويفقر غنيا ويضع شريفا ويرفع وضيعا ويوجد معدوما ويعدم موجودا ويبتلي بالنعم ويبتلي بالمصائب ليبلو عباده أيشكرون النعمة أم يكفرون وهل يصبرون على المصائب أو يجزعون يقلب الله الليل والنهار بالرخاء والشدة والأمن والمخافة كل يوم في شأن، ملكه ظاهر في السماوات وفي الأرض ويظهر تماما حينما يتلاشى الملك عن كل أحد حينما يعرض الخلائق عليه فرادى كما خلقوا أول مرة هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار.
ومن أسمائه تعالى (الجبار) وله ثلاث معان جبر القوة وجبر الرحمة وجبر العلو فأما جبر القوة فهو تعالى الجبار الذي يقهر الجبابرة ويغلبهم بجبروته وعظمته فكل جبار وإن عظم فهو تحت قهر الله وجبروته وفي يده وقبضته وأما جبر الرحمة فإنه سبحانه يجبر الضعيف بالغنى والقوة ويجبر الكسير بالسلامة ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها وإحلال الفرج والطمأنينة فيها وما يحصل لهم من الثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا على ذلك من أجله وأما جبر العلو
1 / 19
فإنه سبحانه فوق خلقه عال عليهم وهو مع علوه عليهم قريب منهم يسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ويعلم ما توسوس به نفوسهم.
ومن أسمائه تعالى (القدوس السلام) فأما القدوس فهو الذي تقدس وتعالى عن كل نقص وعيب فالنقص لا يجوز عليه ولا يمكن في حقه لأنه تعالى الرب الكامل المستحق للعبادة وأما السلام فهو السالم من كل نقص وعيب ومن مشابهة المخلوقين أو مماثلتهم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وفي الحديث أن الصحابة ﵃ كانوا يقولون قبل أن يفرض عليهم التشهد: السلام على الله من عباده السلام على جبريل السلام على فلان وفلان فقال النبي ﷺ: «لا تقولوا السلام على الله من عباده فإن الله هو السلام» .
أيها الناس: تفكروا في أسماء الله وصفاته واعرفوا معناها وتعبدوا لله تعالى بها وانظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله فيهما من الآيات الدالة عليه التي هي مقتضى أسمائه وصفاته فإن في كل شيء له آية تدل على أنه واحد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ - هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ - هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحشر: ٢٢ - ٢٤] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. . الخ.
1 / 20
[الخطبة الرابعة في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا]
الخطبة الرابعة
في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا الحمد لله العلي الأعلى الكامل في الأسماء الحسنى والصفات العليا رب السماوات ورب الأرض ورب الآخرة والأولى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والجود الذي لا يحصى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من تعبد لله ودعا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليما.
أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأعلموا أن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة واحصاؤها معرفة لفظها ومعناها والتعبد لله بها فمن أسمائه تعالى (الله الحي القيوم العليم القدير السميع البصير الرحمن الرحيم العزيز الحكيم القوي الملك القدوس السلام الجبار) ومن أسمائه تعالى (المتكبر) أي ذو الكبرياء والعظمة فالكبرياء وصفه المختص به فليس لأحد من المخلوقين أن ينازعه في ذلك ومن نازعه في الكبرياء أذاقه الله الذل والهوان والمتكبرون يحشرون يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم. أما الباريء فإنه لكمال عظمته وعزه وقهره وملكه اختص سبحانه بالكبرياء والعظمة ومن أسمائه تعالى (الخالق) الذي خلق السماوات والأرض وما فيهما من المصالح وما بينهما من المخلوقات خلقها الله تعالى كلها في ستة أيام وأحسن خلقها وأكمله ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ولا تناقض: ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ - ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ [الملك: ٣ - ٤] ﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ [الحج: ٥] ﴿يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ٦] ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ﴾ [الزمر: ٦] ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة غشاء الجنين في بطن أمه ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو فأنى تصرفون يقدر لكم في ذلك الموضع من الغذاء ما لا يستطيع أحد أن يوصله إليكم وذلك بواسطة السرة المنغرسة في عروق الرحم فتمتص من الدم وما يتغذى به جسم الجنين ولا يحتاج معه إلى البول والغائط فسبحان الله رب العالمين خلق الله تعالى كرسيه وعرشه وهما من أعظم المخلوقات فالكرسي وسع السماوات والأرض وما السماوات السبع والأرضون السبع بالنسبة إليه إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض والعرش استوى عليه الرحمن وهو أعظم المخلوقات
1 / 21