ظاهرة التقاص في النحو العربي
ظاهرة التقاص في النحو العربي
প্রকাশক
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
জনগুলি
مدْخل
...
ظاَهِرة التقاَصّ فِي النَّحو العرَبيَّ
للدكتور دردير مُحَمَّد أَبُو السُّعُود أستاذ مشارك بكلية اللُّغَة الْعَرَبيَّة بالجامعة
التَّقاص أسلوب من أساليب الْعَرَب، وطرفة من طرفهم، وملحة من ملح كَلَامهم، فَهُوَ يكْسب التراكيب طلاوة وتبادلًا، وَالْقَوَاعِد دقة، وَالْقِيَاس شمولا، واتساعًا، واللغة مرونة وتداخلًا، وَالْكَلَام إِحَالَة وتبدلًا وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ بعض النُّحَاة١ فِي مصنفاتهم، وَلم يتناولوه تنَاول شُمُول وإحاطة، وَلَكِن تعرضوا لَهُ تعرض إِيمَاء وَإِشَارَة.
لذَلِك رَأَيْت أَن أعرض هَذِه الظَّاهِرَة عرضا يوقفنا عَلَيْهَا، ويجليها ويطلعنا على دورها فِي الأساليب، ويجدر بِنَا أَن نعرفها لُغَة وَاصْطِلَاحا ونستعين بِاللَّه تَعَالَى فَنَقُول:
التَّقَاصّ لُغَة: مَأْخُوذ من القص، وَالْقصاص لُغَة فِيهِ، وَهُوَ الْقَتْل بِالْقَتْلِ، أَو الْجرْح بِالْجرْحِ، أَو الْقطع بِالْقطعِ. وفى الْقَامُوس٢ قاصصته مقاصة وقصاصا إِذا كَانَ لَك عَلَيْهِ دين مثل مَا لَهُ عَلَيْك، فَجعلت الدّين فِي مُقَابلَة الدّين، مَأْخُوذ من اقتصاص الْأَثر، وَمثل ذَلِك الْمَعْنى فِي الْمِصْبَاح وَالْمُخْتَار.
وَفِي اللِّسَان والتاج والمحكم٣: التَّقَاصّ: هُوَ التناصف فِي الْقصاص.
قَالَ الشَّاعِر:
فرمنا الْقصاص وَكَانَ التَّقَاصّ ... حكما وعدلا على المسلمينا
فالمادة تَدور حول معنى الْقطع والتتبع.
_________
١ ابْن جنى فِي سر الصِّنَاعَة ص ٥٠، وَابْن الْأَنْبَارِي فِي منثور الْفَوَائِد ص ٧٥ والسيوطي فِي الْأَشْبَاه ١/ ١٣٤ وَغَيرهم.
٢ الْقَامُوس (قصَص)، والمصباح ٥٠٥ وَالْمُخْتَار ٥٣٨.
٣ اللِّسَان والتاج (قصَص) والمحكم ٦/ ٦٦.
1 / 158
وَاصْطِلَاحا: هُوَ أَن تَأْخُذ الْكَلِمَة حكما من أُخْرَى أخذت مثله مِنْهَا تِلْكَ الْكَلِمَة الْأُخْرَى.
وَبِعِبَارَة أُخْرَى: أَن تتبادل الكلمتان حكما خَاصّا بهما. بِمَعْنى أَن تُعْطِي كل مِنْهُمَا الْأُخْرَى حكما مُسَاوِيا لما أَخَذته مِنْهَا.
وَقد تتأتى هَذِه الظَّاهِرَة بَين ألقاب الْإِعْرَاب، وفى إِبْدَال بعض الْحُرُوف من بعض، وَفِي زِيَادَة بعض الْحُرُوف.
أَولا: تحقيقها بَين ألقاب الإِعراب: أما وُرُودهَا بَين ألقاب الْإِعْرَاب فقد تحقق بَين الْجَرّ وَالنّصب حَيْثُ جَاءَ الْجَرّ مَحْمُولا على النصب فِيمَا لَا ينْصَرف لشبهه بِالْفِعْلِ فِي وجود العلتين الفرعيتين أَو عِلّة تقوم مقامهما. كَمَا حمل النصب على الْجَرّ فِي جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم، وفى التَّثْنِيَة، وَجمع الْمُذكر السَّالِم طلبا للمقاصة١. أما نصب جمع الْمُؤَنَّث بالكسرة فَهُوَ تَابع للجر إِجْرَاء للفرع على وتيرة الأَصْل الَّذِي هُوَ جمع الْمُذكر السَّالِم، فَإِن النصب فِيهِ تَابع للجر، لِأَنَّهُ لولم يحمل نَصبه على جَرّه للَزِمَ مزية الْفَرْع على الأَصْل٢. وَأما نصب الْمثنى فقد جَاءَ بِالْيَاءِ حملا على الْجَرّ، لِأَنَّهُ يجر بِالْيَاءِ. وَأما حمل النصب على الْجَرّ فِي جمع الْمُذكر السَّالِم كَمَا فِي التَّثْنِيَة فلأنك لَو قلبت الْوَاو ألفا فِي النصب لأفضى ذَلِك إِلَى الالتباس بالمثنى الْمَرْفُوع٣. وَإِنَّمَا حمل النصب على الْجَرّ دون الرّفْع، لوُجُود مُنَاسبَة بَينهمَا فِي وُقُوع كل مِنْهُمَا فضلَة فِي الْكَلَام٤، وَلِأَنَّهُ يُشبههُ فِي الافتقار إِلَى الْعَامِل اللَّفْظِيّ٥، وَلِأَن الفتحة إِلَى الكسرة أقرب من الضمة إِلَيْهَا فَحمل على الْأَقْرَب مِنْهُ٦. وَقد علل أبوعلي الْفَارِسِي لهَذِهِ الظَّاهِرَة فِي هَذَا الْمقَام تعليلا حسنا حَيْثُ بَين أَن _________ ١ الْأَشْبَاه والنظائر ١/ ١٣٥. ٢ حَاشِيَة الصبان ١/ ١٠٣ ٣ شرح الألفية لِابْنِ النَّاظِم ص ١٥. ٤ الْمسَائِل العسكريات للفارسي ٥٣ ١ وَابْن النَّاظِم ١٣، وَالتَّصْرِيح ١/ ٧٩ والجامي على الكافية ٨ ١. ٥ التوطئة للشلوبيني ١٣٠. ٦ التَّصْرِيح ١/ ٨٤.
أَولا: تحقيقها بَين ألقاب الإِعراب: أما وُرُودهَا بَين ألقاب الْإِعْرَاب فقد تحقق بَين الْجَرّ وَالنّصب حَيْثُ جَاءَ الْجَرّ مَحْمُولا على النصب فِيمَا لَا ينْصَرف لشبهه بِالْفِعْلِ فِي وجود العلتين الفرعيتين أَو عِلّة تقوم مقامهما. كَمَا حمل النصب على الْجَرّ فِي جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم، وفى التَّثْنِيَة، وَجمع الْمُذكر السَّالِم طلبا للمقاصة١. أما نصب جمع الْمُؤَنَّث بالكسرة فَهُوَ تَابع للجر إِجْرَاء للفرع على وتيرة الأَصْل الَّذِي هُوَ جمع الْمُذكر السَّالِم، فَإِن النصب فِيهِ تَابع للجر، لِأَنَّهُ لولم يحمل نَصبه على جَرّه للَزِمَ مزية الْفَرْع على الأَصْل٢. وَأما نصب الْمثنى فقد جَاءَ بِالْيَاءِ حملا على الْجَرّ، لِأَنَّهُ يجر بِالْيَاءِ. وَأما حمل النصب على الْجَرّ فِي جمع الْمُذكر السَّالِم كَمَا فِي التَّثْنِيَة فلأنك لَو قلبت الْوَاو ألفا فِي النصب لأفضى ذَلِك إِلَى الالتباس بالمثنى الْمَرْفُوع٣. وَإِنَّمَا حمل النصب على الْجَرّ دون الرّفْع، لوُجُود مُنَاسبَة بَينهمَا فِي وُقُوع كل مِنْهُمَا فضلَة فِي الْكَلَام٤، وَلِأَنَّهُ يُشبههُ فِي الافتقار إِلَى الْعَامِل اللَّفْظِيّ٥، وَلِأَن الفتحة إِلَى الكسرة أقرب من الضمة إِلَيْهَا فَحمل على الْأَقْرَب مِنْهُ٦. وَقد علل أبوعلي الْفَارِسِي لهَذِهِ الظَّاهِرَة فِي هَذَا الْمقَام تعليلا حسنا حَيْثُ بَين أَن _________ ١ الْأَشْبَاه والنظائر ١/ ١٣٥. ٢ حَاشِيَة الصبان ١/ ١٠٣ ٣ شرح الألفية لِابْنِ النَّاظِم ص ١٥. ٤ الْمسَائِل العسكريات للفارسي ٥٣ ١ وَابْن النَّاظِم ١٣، وَالتَّصْرِيح ١/ ٧٩ والجامي على الكافية ٨ ١. ٥ التوطئة للشلوبيني ١٣٠. ٦ التَّصْرِيح ١/ ٨٤.
1 / 159
مُوَافقَة الْجَرّ النصب فِيمَا لَا ينْصَرف، كموافقة النصب الْجَرّ فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع فَلَيْسَ الِاتِّفَاق للْبِنَاء، وَإِنَّمَا هُوَ لِاجْتِمَاع النصب والجر فِي كَونهمَا فضلتين، وَفِي كَونهمَا كاملتين بعد اسْتِعْمَال الْجُمْلَة المتضمنة للْفِعْل، أَو معنى الْفِعْل بجزئيها اللَّذين هما الْحَدث والمحدث عَنهُ، وَمن ثمَّ اتفقَا أَيْضا فِي بَاب الضَّمِير١.
وَمِمَّا يُقَوي هَذِه الظَّاهِرَة ويؤكد تحقيقها فِي هَذَا الْموضع وجود شبه بذهن عَلامَة كل من النصب والجر. فالفتحة تشبه الكسرة وَإِن اخْتلف موضعهَا. كَمَا أَن الْيَاء لَا يتَغَيَّر وَضعهَا سَوَاء أَكَانَت عَلامَة للجر، أم عَلامَة للنصب، وَإِن اخْتلفت حَرَكَة مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع.
_________
١العسكريات ١٥٣.
ثَانِيًا: فِي إِبْدَال بعض الْحُرُوف من بعض إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء ... ثَانِيًا: فِي إِبْدَال بعض الْحُرُوف من بعض: ١- إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء: من حُرُوف الْإِبْدَال القياسي الْهمزَة وَالْهَاء، لِأَنَّهُمَا من حُرُوف "هدأت موطيا" وهما يتبادلان الْإِبْدَال، بِمَعْنى أَن الْهَاء قد تبدل همزَة، كَمَا أَن الْهمزَة قد تبدل هَاء. فإبدال الْهمزَة من الْهَاء يكون فِي الِاسْم والحرف. فإبدالها من الْهَاء فِي الِاسْم جَاءَ فِي قَوْلهم: مَاء وَشاء٢. وَالْأَصْل موه وشوه. قلبت الْوَاو ألفا، وأبدلت الْهمزَة هَاء. وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي الْجمع. قَالُوا فِي جمع مَاء: أمواء، وَالْأَصْل أمواه، وَإِذا ثَبت أَن أَصْلهَا هَاء، ثَبت أَن الْهمزَة مبدلة عَنْهَا قَالَ الشَّاعِر: وبلدة قالصة أمواؤها ... مَا صِحَة رأد الضُّحَى أفياؤها٣ وَالدَّلِيل على أَن هَذِه الْهمزَة مبدلة من الْهَاء، رُجُوعهَا فِي التصغير والتكثير، قَالُوا فِي تَصْغِير مَاء مُوَيه، وَفِي جمعه مياه وأمواه. والتصغير والتكثير يردان الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا. وَقد أكد ابْن عُصْفُور إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء بقوله: "وَإِنَّمَا جعلت الْهَاء هِيَ الأَصْل، _________ ١العسكريات ١٥٣. ٢ أنظر سر الصِّنَاعَة١ / ١١٣. والتبصرة ٨١٥ وَشرح الْمفصل لِابْنِ الْحَاجِب٢/ ٣٩٦. والممتع١ / ٣٤٨وَابْن يعِيش ١٠/١٥ والأشباه والنظائر ١/ ١٣٥والأشموني والصبان٤/ ٢١٣، ٢٢٣. ٣ سر الصِّنَاعَة ١/١١٣ وَشرح الشافية ٣/ ١٠٨ والممتع١ / ٣٤٨وَشرح الْمفصل لِابْنِ الْحَاجِب ٢/ ٣٩٦ وَابْن يعِيش ١٠/١٥.
ثَانِيًا: فِي إِبْدَال بعض الْحُرُوف من بعض إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء ... ثَانِيًا: فِي إِبْدَال بعض الْحُرُوف من بعض: ١- إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء: من حُرُوف الْإِبْدَال القياسي الْهمزَة وَالْهَاء، لِأَنَّهُمَا من حُرُوف "هدأت موطيا" وهما يتبادلان الْإِبْدَال، بِمَعْنى أَن الْهَاء قد تبدل همزَة، كَمَا أَن الْهمزَة قد تبدل هَاء. فإبدال الْهمزَة من الْهَاء يكون فِي الِاسْم والحرف. فإبدالها من الْهَاء فِي الِاسْم جَاءَ فِي قَوْلهم: مَاء وَشاء٢. وَالْأَصْل موه وشوه. قلبت الْوَاو ألفا، وأبدلت الْهمزَة هَاء. وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي الْجمع. قَالُوا فِي جمع مَاء: أمواء، وَالْأَصْل أمواه، وَإِذا ثَبت أَن أَصْلهَا هَاء، ثَبت أَن الْهمزَة مبدلة عَنْهَا قَالَ الشَّاعِر: وبلدة قالصة أمواؤها ... مَا صِحَة رأد الضُّحَى أفياؤها٣ وَالدَّلِيل على أَن هَذِه الْهمزَة مبدلة من الْهَاء، رُجُوعهَا فِي التصغير والتكثير، قَالُوا فِي تَصْغِير مَاء مُوَيه، وَفِي جمعه مياه وأمواه. والتصغير والتكثير يردان الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا. وَقد أكد ابْن عُصْفُور إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء بقوله: "وَإِنَّمَا جعلت الْهَاء هِيَ الأَصْل، _________ ١العسكريات ١٥٣. ٢ أنظر سر الصِّنَاعَة١ / ١١٣. والتبصرة ٨١٥ وَشرح الْمفصل لِابْنِ الْحَاجِب٢/ ٣٩٦. والممتع١ / ٣٤٨وَابْن يعِيش ١٠/١٥ والأشباه والنظائر ١/ ١٣٥والأشموني والصبان٤/ ٢١٣، ٢٢٣. ٣ سر الصِّنَاعَة ١/١١٣ وَشرح الشافية ٣/ ١٠٨ والممتع١ / ٣٤٨وَشرح الْمفصل لِابْنِ الْحَاجِب ٢/ ٣٩٦ وَابْن يعِيش ١٠/١٥.
1 / 160
لِأَن أَكثر تصاريف الْكَلِمَة عَلَيْهَا، قَالُوا: أمواه ومياه وماهت الرَّكية١. إِلَى غير ذَلِك من تصاريفها"٢
وَكَذَلِكَ ورد إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء فِي قَوْلك: (آل) ٣، وأصل آل: أهل فأبدلت الْهَاء همزَة فَقيل: أَأْل، ثمَّ أبدلت الثَّانِيَة ألفا لسكونها إِثْر فتح فَقيل: آل، كَمَا قَالُوا آدم وَآخر فِي الِاسْم، وآمن وآثر فِي الْفِعْل، وَالْأَصْل: أأْدم وأَأخر، وأَأمن وأَأَْثر.
وَالدَّلِيل على أَن أصل آل: أهل قَول الْجَمَاعَة فِي التصغير: أُهَيْل، وَلَو كَانَت الْألف منقلبة عَن غير هَاء- أَي عَن وَاو- لقيل فِي تصغيره (أُوَيل) . وَقد اخْتَار هَذَا الرَّأْي يُونُس٤.
وَمِمَّا يُؤَكد أَن الْهمزَة فِي (آل) أَصْلهَا هَاء الْإِضَافَة إِلَى الضَّمِير، فقد قَالُوا أهلك وَأَهله كثيرا، لِأَن الضَّمِير يرد الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا. ولاَ يُقَال: آلك وَآله إِلَّا قَلِيلا، وَذَلِكَ مثل قَول عبد الْمطلب جد النَّبِي ﷺ:
وانصر على دين الصليـ ... ـب وعابديه الْيَوْم آلَكْ٥
وَقَول الآخر:
أَنا الرجل الحامي حَقِيقَة وَالِدي ... آلي كَمَا تَحْمِي حَقِيقَة آلكا٦
وَنَحْو قَول الْكِنَانِي: "رجل من آلك وَلَيْسَ مِنْك "٧.
وَجَاء إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء- أَيْضا- فِي اسْم الْإِشَارَة حَيْثُ إِنَّهُم قَالُوا فِي هَذَا آذا. وَجَاء على ذَلِك قَول الشَّاعِر:
فَقَالَ فريق: آأذا إِذْ نحوتهم ... نعم وفريق لَا يمُنُ الله مَا نَدْرِي٨
أَرَادَ: أَهَذا، فقلبت الْهَاء همزَة، ثمَّ فصل بَين الهمزتين بِأَلف، وأبدلت كَذَلِك فِي غير اسْم الْإِشَارَة، مثل قَوْلهم: الْأَزَل والهزل، وَهُوَ مأزول ومهزول٩.
وَأما إبدالها فِي الْحَرْف فقد ورد فِي: هَلْ وهَلاَّ. فَقَالُوا: ألْ فعلت كَذَا؟ يُرِيدُونَ هَل
_________
١ماهت: ظهر مَاؤُهَا وَكثر.
٢ الممتع ١ / ٣٤٨.
٣ انْظُر التصريف الملوكي ٣٩. وسر الصِّنَاعَة ١/ ١١٤ والإبدال والمعاقبة والنظائر للزجاجي ٢٩ والممتع١ /٣٤٨.
٤ التصريف الملوكي ٣٩.
٥ الممتع ١/ ٣٤٩ والدرر اللوامع ٢/ ٦٢ وتاج الْعَرُوس (أهل) .
٦ الممتع ١/ ٣٤٩.
٧ الْمصدر السَّابِق ١/ ٣٥٠.
٨الْكتاب٢/ ١٤٧ وسر الصِّنَاعَة ١/ ١٣٠ والممتع ١/ ٣٥١ والإنصاف٠٧ ٤ والإبدال والمعاقبة ص ٣٠ والمغنى ١٠١
٩الْإِبْدَال والمعاقبة ص٣٠.
1 / 161
فعلت كَذَا؟ حكى ذَلِك قطرب١ عَن أبي عُبَيْدَة. وَقَالُوا: ألاَّ فعلت يُرِيدُونَ هلاَّ فعلت.
والإبقاء على الأَصْل فِي (هَل) هُوَ الْأَكْثَر، بيد أَن الْهمزَة وَالْهَاء فِي ألاَّ وهلا سَوَاء.
وَقد عدهما بعض النَّحْوِيين٢ من حُرُوف التحضيض، كَمَا ذهب غَيرهمَا إِلَى أَنَّهُمَا مادتان مستقلتان٣. فالهمزة أَصْلِيَّة فِي (ألاَّ) كَمَا أَن الْهَاء أَصْلِيَّة فِي (هلاَّ) بِخِلَاف (هَل وأل) فَإِن الِاسْتِفْهَام بهما لَيْسَ على دَرَجَة وَاحِدَة، لِكَثْرَة الِاسْتِفْهَام ووضوحه بهل، وندرته بألْ.
وَجَاء إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء- فِي غير مَا تقدم- على قلَّة فِي اسْم الْفِعْل٤. قَالُوا فِي هَيْهَات: أيهات.
فإبدال الْهمزَة من الْهَاء إِبْدَال قياسي، وهما من مخرج وَاحِد. وكونهما من مخرج وَاحِد جدير بِأَن يُقَوي هَذَا الْإِبْدَال ويؤكده.
قَالَ الصَّيْمَرِيّ: "قلبت الْهَاء همزَة، لِأَنَّهَا من مخرج الْهَاء، وَهِي أقوى مِنْهَا فِي الصَّوْت "٥.
وَلَكِن ابْن يعِيش٦ ذهب إِلَى أَن هَذَا الْإِبْدَال إِنَّمَا تمّ لضرب من التَّقَاصّ. وَذَلِكَ لِكَثْرَة إِبْدَال الْهَاء من الْهمزَة على الْعَكْس.
وَذَلِكَ أَمر يقتضينا الْإِشَارَة إِلَى إِبْدَال الْهَاء من الْهمزَة- عكس مَا تقدم- حَتَّى نلم بأطراف الْمَسْأَلَة. ونؤكد الظَّاهِرَة الَّتِي ارتضاها ابْن يعِيش.
_________
١ الممتع ١/ ٣٥١.
٢ ابْن النَّحْوِيّ فِي شَرحه للمفصل٢ /٣٩٦.
٣ انْظُر حَاشِيَة الصبان٤/ ٢٢٣.
٤ أمالي ثَعْلَب ٤٧ ٥ وَابْن يعِيش ٠ ١/ ٥ ١ والمزهر٢ / ٤٧٣ والأشباه والنظائر١ /٣٩٧.
٥ التَّبْصِرَة والتذكرة ص ٨١٥.
٦ شرح الْمفصل ١٠/١٥.
٢-إِبْدَال الْهَاء من الْهمزَة: ذهب ابْن الْأَنْبَارِي وَابْن عُصْفُور وَابْن يعِيش إِلَى أَن الْهَاء تبدل من الْهمزَة فِي مَوَاضِع كَثِيرَة من كَلَام الْعَرَب٧. وَهَذَا الْإِبْدَال وَارِد فِي الِاسْم وَالْفِعْل والحرف. (أ) إبدالها فِي الِاسْم: أما إبدالها فِي الِاسْم فقد ورد فِي: إياك. قَالُوا: هياك. قَالَ الشَّاعِر: فهياك وَالْأَمر الَّذِي إِن توسعت ... موارده ضَاقَتْ عَلَيْك مصادره٨ _________ ٧ انْظُر الْإِنْصَاف ١٣١. والممتع١ / ٣٩٧وَشرح الْمفصل ٨/١١٨ والأشباه والنظائر١ /١٣٥. ٨ التصريف المملوكي ٤٤. وَالْوَجِيز ٥٤ والإنصاف ١٣١ وَشرح الْمفصل٨/٨ ١١ والممتع١ /٣٩٧.
٢-إِبْدَال الْهَاء من الْهمزَة: ذهب ابْن الْأَنْبَارِي وَابْن عُصْفُور وَابْن يعِيش إِلَى أَن الْهَاء تبدل من الْهمزَة فِي مَوَاضِع كَثِيرَة من كَلَام الْعَرَب٧. وَهَذَا الْإِبْدَال وَارِد فِي الِاسْم وَالْفِعْل والحرف. (أ) إبدالها فِي الِاسْم: أما إبدالها فِي الِاسْم فقد ورد فِي: إياك. قَالُوا: هياك. قَالَ الشَّاعِر: فهياك وَالْأَمر الَّذِي إِن توسعت ... موارده ضَاقَتْ عَلَيْك مصادره٨ _________ ٧ انْظُر الْإِنْصَاف ١٣١. والممتع١ / ٣٩٧وَشرح الْمفصل ٨/١١٨ والأشباه والنظائر١ /١٣٥. ٨ التصريف المملوكي ٤٤. وَالْوَجِيز ٥٤ والإنصاف ١٣١ وَشرح الْمفصل٨/٨ ١١ والممتع١ /٣٩٧.
1 / 162
وَقَالَ الآخر:١
يَا خَال هلا قلت إِذْ أَعْطَيْتنِي ... هياك هياك وحنواء الْعُنُق٢
كَمَا ورد قَوْلهم: هِبْرِيَّة، وَالْأَصْل فِيهِ: إبرية، وَهُوَ الحزاز فِي الرَّأْس.
وَقَالُوا فِي مهيمن، أَصله: مؤيمن فأبدلت الْهمزَة هَاء٣.
(ب) إبدالها فِي الْفِعْل:
وَأما إبدالها فِي الْفِعْل فقد ورد فِي قَوْلهم: أنرت الثَّوْب، وأرحت الْمَاشِيَة وأرقت المَاء، وَأَرَدْت الشَّيْء، فأبدلوا فِي الْجَمِيع الْهَاء من الْهمزَة فَقَالُوا: هنرت الثَّوْب، وهرحت الْمَاشِيَة، وهرقت المَاء، وهردت الشَّيْء. وَذَلِكَ لاتِّفَاقهمَا مخرجا لِأَنَّهُمَا من أقْصَى الْحلق٤.
(جـ) إبدالها فِي الْحَرْف:
وَأما إبدالها فِي الْحَرْف فقد ورد فِي همزَة إِنَّ الْمُؤَكّدَة، وإنْ الشّرطِيَّة، وأيَا فِي النداء، وَفِي همزَة الِاسْتِفْهَام، وَإِلَيْك بَيَان ذَلِك.
جَاءَ إِبْدَال الْهَاء من همزَة إِنَّ الْمُشَدّدَة الْمَكْسُورَة مَعَ اللَّام. وَذَلِكَ على طَرِيق اللُّزُوم حَيْثُ قَالُوا: يهَنَّكَ قَائِم، قَالَ الشَّاعِر:
أَلا يَا سنا برق على قُلَل الْحِمْيَ ... لَهِنَّك من برق عَلَيَّ كريم٥
وَكَذَلِكَ أبدلت من همزَة (إِنْ) الشّرطِيَّة٦ مثل قَوْلهم: هِنْ فعلت. تُرِيدُ: إِنْ فعلت. وَهِي لُغَة
طَيء٧.
وَأما إبدالها من همزَة (أَيَا) فِي النداء فَفِي قَوْلهم: هيا وأيا، وَإِن كَانَ أيا أَكثر من هيا. قَالَ الشَّاعِر:
وانصرفت وَهِي حَصَان مُغضبة ... وَرفعت بصوتها هَيَا أَبه٨
_________
١ انْظُر الْإِبْدَال السّكيت ٢٥ وَالْوَجِيز ٥٣ والإنصاف ١٣١.
٢ حنواء الْعُنُق. الَّتِي تميل عُنُقهَا من الْإِبِل وَالغنم.
٣ التَّصْرِيح٢ /٣٦٨.
٤ الْإِنْصَاف ١٣٢.
٥ انْظُر مجَالِس ثَعْلَب ١٣ ١ والخصائص١/ ٣١٥ والممتع١/ ٣٩٨ وَابْن يعِيش ٠ ١/ ٤٢ وَاللِّسَان (لَهُنَّ) .
٦ انْظُر شرح الشافية٣ / ٢٢٢والممتع١/ ٣٩٧.
٧ الْمفصل للزمخشري ص٠ ٣٧.
٨ الممتع١/ ٣٩٩.
1 / 163
وإبدالها من همزَة الِاسْتِفْهَام فِي مثل قَوْلهم: هَزَيْدُ منطلقٌ. يُرِيدُونَ: أَزِيد منطلق. وَأنْشد الْفراء:
وأتى صواحبها فَقُلْنَ: هَذَا الَّذِي
... منح الْمَوَدَّة غَيرنَا وجفانا١
يُرِيدُونَ: أذا الَّذِي. بإبدال الْهَاء من الْهمزَة. فإبدال الْهَاء من الْهمزَة مَقْصُور على السماع- كَمَا بَينا- غير أَن ابْن يعِيش٢جعله كثيرا، وقاس عَلَيْهِ إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء، وَجعله ضربا من التَّقَاصّ. أَي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا أَخذ حكما أَخذه مِنْهُ الآخر. فإبدال الْهمزَة من الْهَاء، تمّ لِأَن الْهَاء أبدلت من الْهمزَة. فَكل مِنْهُمَا فعل بِالْآخرِ مثل مَا فعل الآخر بِهِ، وَهَذَا الضَّرْب هُوَ الَّذِي عرف لَدَى النُّحَاة بالتقاص، وارتضوه سمة لهَذِهِ الظَّاهِرَة، ومصطلحا لهَذِهِ الْقَاعِدَة.
_________
١ انْظُر ابْن يعِيش ١٠/ ٤٣ وَشرح الشافية ٣/ ٢٢٤ والممتع ١/ ٣٩٩.
٢ ابْن يعِيش١٠/ ٤٣.
٣- قلب الْهمزَة واوًا: تبين لنا مِمَّا تقدم أَن ظَاهِرَة التَّقَاصّ تتأتى فِي إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء، وإبدال الْهَاء من الْهمزَة. ونبين الْآن وُرُودهَا بَين الْوَاو والهمزة، ويتحقق ذَلِك فِي إِبْدَال كل مِنْهُمَا من الآخر. فالهمزة تقلب واوًا، كَمَا أَن الْوَاو تقلب همزَة، ويتضح ذَلِك على النَّحْو التَّالِي: (أ) قلب الْهمزَة واوًا: تبدل الْهمزَة واوًا فِي عدَّة مَوَاضِع هِيَ٣: ا- أَن تكون الْهمزَة للتأنيث، فَإِنَّهَا تبدل واوًا باطراد على سَبِيل اللُّزُوم فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع بِالْألف وَالتَّاء وَالنّسب. فَتَقول فِي صحراء وعشراء ونفساء: صحراوين وعشراوين ونفساوين، وصحراوات وعشراوات ونفساوات، وصحراويّ وعشراويّ ونفساوي. ٢- أَن تكون الْهمزَة قبل الْألف فِي الْجمع الَّذِي لَا نَظِير لَهُ فِي الْآحَاد، بِشَرْط أَن يكتنف ألف الْجمع همزتان، وَذَلِكَ نَحْو: ذوائب فِي جمع ذؤابة. أَصله ذآئب، فأبدلت الْهمزَة واوًا هروبًا من ثقل اجْتِمَاع الهمزتين وَالْألف، وَهَذَا الْإِبْدَال اطرادي لَازم. ٣- أَن تقع الْهمزَة لامًا لجمع على مفاعل وَقد سلمت فِي الْمُفْرد، وَذَلِكَ مثل: هِراوة، قَالُوا فِي جمعه هراوي، بإبدال الْهمزَة واوا ليشكل الْجمع مفرده. ٤- أَن تلتقي همزتان فِي كلمة وتسكن الثَّانِيَة بعد ضم. فَإِنَّهَا يجب إبدالها واوًا. وَذَلِكَ _________ ٣ انْظُر سر الصِّنَاعَة ٤ ٠ ١ وَمَا بعْدهَا والتصريف الملوكي ٣٨ والتبصرة ٤ ١ ٨ والإنصات ٤٧٧ والممتع ١/ ٣٦٣ وَالتَّصْرِيح ٢/ ٣٧٢ والأشباه والنظائر ١/ ١٣٥ والأشموني ٤/ ٢١٤.
٣- قلب الْهمزَة واوًا: تبين لنا مِمَّا تقدم أَن ظَاهِرَة التَّقَاصّ تتأتى فِي إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء، وإبدال الْهَاء من الْهمزَة. ونبين الْآن وُرُودهَا بَين الْوَاو والهمزة، ويتحقق ذَلِك فِي إِبْدَال كل مِنْهُمَا من الآخر. فالهمزة تقلب واوًا، كَمَا أَن الْوَاو تقلب همزَة، ويتضح ذَلِك على النَّحْو التَّالِي: (أ) قلب الْهمزَة واوًا: تبدل الْهمزَة واوًا فِي عدَّة مَوَاضِع هِيَ٣: ا- أَن تكون الْهمزَة للتأنيث، فَإِنَّهَا تبدل واوًا باطراد على سَبِيل اللُّزُوم فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع بِالْألف وَالتَّاء وَالنّسب. فَتَقول فِي صحراء وعشراء ونفساء: صحراوين وعشراوين ونفساوين، وصحراوات وعشراوات ونفساوات، وصحراويّ وعشراويّ ونفساوي. ٢- أَن تكون الْهمزَة قبل الْألف فِي الْجمع الَّذِي لَا نَظِير لَهُ فِي الْآحَاد، بِشَرْط أَن يكتنف ألف الْجمع همزتان، وَذَلِكَ نَحْو: ذوائب فِي جمع ذؤابة. أَصله ذآئب، فأبدلت الْهمزَة واوًا هروبًا من ثقل اجْتِمَاع الهمزتين وَالْألف، وَهَذَا الْإِبْدَال اطرادي لَازم. ٣- أَن تقع الْهمزَة لامًا لجمع على مفاعل وَقد سلمت فِي الْمُفْرد، وَذَلِكَ مثل: هِراوة، قَالُوا فِي جمعه هراوي، بإبدال الْهمزَة واوا ليشكل الْجمع مفرده. ٤- أَن تلتقي همزتان فِي كلمة وتسكن الثَّانِيَة بعد ضم. فَإِنَّهَا يجب إبدالها واوًا. وَذَلِكَ _________ ٣ انْظُر سر الصِّنَاعَة ٤ ٠ ١ وَمَا بعْدهَا والتصريف الملوكي ٣٨ والتبصرة ٤ ١ ٨ والإنصات ٤٧٧ والممتع ١/ ٣٦٣ وَالتَّصْرِيح ٢/ ٣٧٢ والأشباه والنظائر ١/ ١٣٥ والأشموني ٤/ ٢١٤.
1 / 164
نَحْو: أومن وأوثر. وَالْأَصْل: أُؤْمِن وأؤثر. إِلَّا أَنه رفض الأَصْل هروبا١ من اجْتِمَاع همزتين.
٥- أَن تكون الثَّانِيَة مَضْمُومَة مُطلقًا. أَي سَوَاء انْضَمَّ مَا قبلهَا أَو انْفَتح أوِ انْكَسَرَ، أَو تكون مَفْتُوحَة بعد فتح أَو ضم. وَذَلِكَ مثل: أُوُمٌ، وأوُمّ وإِوُمّ. وَالْأَصْل: أُؤم، وأؤُم، وإِؤُم. وَمثل أُويدم تَصْغِير آدم. وأَوادم جمع آدم. وَالْأَصْل: أُؤيدم وأَأًدم. فأبدلت الثَّانِيَة فِي الْجَمِيع واوًا. وَهَذَا الْإِبْدَال قياسي مطرد لَازم.
(ب) قلب الْوَاو همزَة:
تقدّمت مَوَاضِع قبل الْهمزَة واوًا، وَأمر هَذِه الْمَسْأَلَة يحتم علينا ذكر الْمَوَاضِع الَّتِي تبدل فِيهَا الْوَاو همزَة حَتَّى ينْكَشف وَجه هَذِه الظَّاهِرَة، ونصل إِلَى النتيجة الَّتِي نرجوها.
وَمن الْمُقَرّر فِي هَذَا الْبَاب٢ أَن الْوَاو تقلب همزَة فِي خَمْسَة مَوَاضِع:
١- أَن تتطرف إِثْر ألف زَائِدَة مثل: كسَاء وسماء وَدُعَاء. وَالْأَصْل: كساو وسماو ودعاو.
٢- أَن تقع عينا لاسم فَاعل فعل ثلاثي أعلت عين فعله نَحْو: صَائِم وقائم، وَالْأَصْل: صاوم وقاوم.
٣- أَن تقع مُدَّة ثلاثية زَائِدَة فِي الْمُفْرد إِذا كَانَ جمعه على مِثَال مفاعل. نَحْو: عَجَائِز ورعائف جمعي عَجُوز ورعوفة، وَالْأَصْل عجاوز ورعاوف.
٤- أَن تقع ثَانِي لينين اكتنفهما ألف مفاعل مثل: أَوَائِل وسيائد. وَالْأَصْل: أواول وسياود فِي جمع أول وَسيد.
٥- أَن تتصدر فِي الْكَلِمَة واوان. فَإِن الأولى مِنْهُمَا تقلب همزَة بِشَرْط أَن لَا تكون الثَّانِيَة مِنْهُمَا مُدَّة غير أَصْلِيَّة، أَي: أَن تكون الثَّانِيَة غير مُدَّة وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك فِي جمع الأولى أُنْثَى الأول أُوَل. وَالْأَصْل: وُوَل وَنَحْو ذَلِك فِي جمع واصلة وواقية تَقول: أواصل وأواق، وَالْأَصْل: وواصل، ووواق.
أَو تكون الثَّانِيَة مُدَّة أَصْلِيَّة نَحْو: الأولى أُنْثَى الأول. أَصْلهَا وَولى بواوين أولاهما فَاء، وَالثَّانيَِة عين سَاكِنة.
_________
١ ينظر الممتع١ /٣٦٦.
٢ أَي بَاب الْإِبْدَال والإعلال.
1 / 165
هَذِه هِيَ مَوَاضِع قلب الْوَاو همزَة، وَقد تقدّمت مَوَاضِع قلب الْهمزَة واوًا.
وَقد تمّ هَذَا الْقلب المتبادل بَين الْوَاو والهمزة على طَرِيق الْمُقَاصَّة. لِأَن الْهمزَة وَإِن لم تكن من حُرُوف الْعلَّة، فَهِيَ شَبيهَة بِالْألف، وَلِهَذَا عدهَا بعض الصرفيين١ من حُرُوف الْعلَّة.
وأيا مَا كَانَ فَإِن الْألف أخف حُرُوف الْعلَّة، وَكَذَلِكَ مَا أشبههَا وَهُوَ الْهمزَة بِخِلَاف الْوَاو فَإِنَّهَا أثقلها.
فاللجوء- حِينَئِذٍ- إِلَى قلب الْوَاو همزَة لجوء إِلَى التَّخْفِيف، لِأَنَّهُ انْتِقَال من الثّقل إِلَى الخفة. بِخِلَاف الْعَكْس، وَهُوَ قلب الْهمزَة واوًا. لِأَنَّهُ انْتِقَال من الْخَفِيف إِلَى الثقيل.
لهَذَا كَانَ قلب الْهمزَة واوًا فِي نَحْو صحراء وعشراء ونفساء فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع بِالْألف وَالتَّاء، وَالنّسب٢، انْتِقَال من الخفة إِلَى الثّقل، لِأَن الْهمزَة أخف من الْوَاو- كَمَا علمنَا- وَلَكِن ذَلِك تمّ على سَبِيل التَّقَاصّ.
فَكَمَا أَن الْوَاو قلبت همزَة. كَذَلِك أبدلت الْهمزَة واوًا على طَرِيق الْمُبَادلَة والمقاصة، نظرا لتحقيق الشّبَه بَينهمَا، بِسَبَب أَن الْهمزَة شَبيهَة بِالْألف وهى حرف عِلّة.
بيد أَن ابْن "فلاح " جعل هَذِه الظَّاهِرَة٣ متحققة بإبدال الْهمزَة واوًا فِي الْجمع بِالْألف وَالتَّاء فَقَط. فِي مثل صحراء وصحراوات. أَي أَنه قصر الْمُقَاصَّة على جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم، اقتصاصا من قلب الْوَاو همزَة.
وَنحن إِذْ نقدر لِابْنِ فلاح جهده فِي الْإِشَارَة إِلَى هَذِه الظَّاهِرَة، وَفِيمَا ذهب إِلَيْهِ. نرى أَنه لَا ضير من جعل الْمُقَاصَّة شَامِلَة لكل الْمسَائِل الَّتِي تقلب فِيهَا الْهمزَة واوًا، اطرادا للقاعدة، وشمولا للظاهرة، وتثبيتا للْقِيَاس، وتعميما للمصطلح، وتوسعًا فِي أساليب اللُّغَة، لِأَنَّهَا- بِلَا شكّ- تقبل ذَلِك وَلَا تضيق بِهِ.
_________
١ رَضِي الدّين الإستراباذي فِي شَرحه للشافية أول بَاب الإعلال ٣/ ٧٩.
٢ الممتع١/ ٣٦٣.
٣ الْأَشْبَاه والنظائر ١/ ١٣٥.
ثَالِثا: فِي زِيَادَة بعض الْحُرُوف: من الْمُقَرّر أَن- اللَّام ألف- أَصْلهَا الْألف الَّتِي هِيَ مَدَّةَ سَاكِنة، وَلكنهَا دُعِمت بِاللَّامِ قَبْلها متحركة ليمكن الِابْتِدَاء١ بهَا، وليصح النُّطْق كَمَا صَحَّ بِسَائِر الْحُرُوف غَيرهَا. لِأَن السَّاكِن لَا يُمكن الِابْتِدَاء بِهِ. وَإِنَّمَا دُعمت بِاللَّامِ قبلهَا وَلم تُدعَم بِهَمْزَة الْوَصْل الَّتِي يُؤْتى بهَا توصلا إِلَى النُّطْق بالساكن، لِأَنَّهُ لَا يُمكن الْإِتْيَان بهَا قبل الْألف، وَلِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى نقض الْغَرَض الَّذِي قصدُوا لَهُ، لِأَن همزَة الوصَل قد تَأتي مَكْسُورَة، وَلَو كسرت لانقلبت الْألف يَاء مَكْسُورَة لانكسار مَا قبلهَا. فَيُقَال: (إِي) فَلَا تصل إِلَى الْألف الَّتِي اعتمدت٢عَلَيْهَا، فَلَمَّا لم يجز ذَلِك، عَدَلوا إِلَى اللَّام دون غَيرهَا، لِأَن الْعَرَب توصلوا إِلَى النُّطْق بلام التَّعْرِيف بِزِيَادَة الْألف قبلهَا، توصلا إِلَى النُّطْق بهَا، فحركوا الْألف فَصَارَت همزَة، وجعلوها همزَة٣وصل نَحْو: الْغُلَام وَالْفرس وَالْجَارِيَة. فَلَمَّا افْتَقَرت الْألف إِلَى حرف جِيءَ بِاللَّامِ قبلهَا فِي (لَا) توصلا إِلَى النُّطْق بِالْألف الساكنة ليَكُون ذَلِك ضربا من التَّقَاصّ والتعويض بَين الحرفين فَصَارَ لَا. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ... _________ ١ سر صناعَة الْإِعْرَاب ١/ ٤٨ ومنثور الْفَوَائِد لِابْنِ الْأَنْبَارِي ص ٧٥. ٢سر الصِّنَاعَة ١/ ٤٩. ٣منثور الْفَوَائِد ٧٥.
ثَالِثا: فِي زِيَادَة بعض الْحُرُوف: من الْمُقَرّر أَن- اللَّام ألف- أَصْلهَا الْألف الَّتِي هِيَ مَدَّةَ سَاكِنة، وَلكنهَا دُعِمت بِاللَّامِ قَبْلها متحركة ليمكن الِابْتِدَاء١ بهَا، وليصح النُّطْق كَمَا صَحَّ بِسَائِر الْحُرُوف غَيرهَا. لِأَن السَّاكِن لَا يُمكن الِابْتِدَاء بِهِ. وَإِنَّمَا دُعمت بِاللَّامِ قبلهَا وَلم تُدعَم بِهَمْزَة الْوَصْل الَّتِي يُؤْتى بهَا توصلا إِلَى النُّطْق بالساكن، لِأَنَّهُ لَا يُمكن الْإِتْيَان بهَا قبل الْألف، وَلِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى نقض الْغَرَض الَّذِي قصدُوا لَهُ، لِأَن همزَة الوصَل قد تَأتي مَكْسُورَة، وَلَو كسرت لانقلبت الْألف يَاء مَكْسُورَة لانكسار مَا قبلهَا. فَيُقَال: (إِي) فَلَا تصل إِلَى الْألف الَّتِي اعتمدت٢عَلَيْهَا، فَلَمَّا لم يجز ذَلِك، عَدَلوا إِلَى اللَّام دون غَيرهَا، لِأَن الْعَرَب توصلوا إِلَى النُّطْق بلام التَّعْرِيف بِزِيَادَة الْألف قبلهَا، توصلا إِلَى النُّطْق بهَا، فحركوا الْألف فَصَارَت همزَة، وجعلوها همزَة٣وصل نَحْو: الْغُلَام وَالْفرس وَالْجَارِيَة. فَلَمَّا افْتَقَرت الْألف إِلَى حرف جِيءَ بِاللَّامِ قبلهَا فِي (لَا) توصلا إِلَى النُّطْق بِالْألف الساكنة ليَكُون ذَلِك ضربا من التَّقَاصّ والتعويض بَين الحرفين فَصَارَ لَا. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ... _________ ١ سر صناعَة الْإِعْرَاب ١/ ٤٨ ومنثور الْفَوَائِد لِابْنِ الْأَنْبَارِي ص ٧٥. ٢سر الصِّنَاعَة ١/ ٤٩. ٣منثور الْفَوَائِد ٧٥.
1 / 166