الهجرة النبوية الشريفة دروس وفوائد ولطائف
الهجرة النبوية الشريفة دروس وفوائد ولطائف
জনগুলি
أما الدرس الثاني: الذي ينبغي أن نقطف منه العبرة، لا لنحفظه بل لنطبقه، فهو أن الله ﷿ يكلف عباده المؤمنين أن يعتمدوا في سلوكهم وفي أعمالهم على الأسباب المادية العادية التي وضعها بين أيديهم، كلّفهم الله ﷿ ألَاّ يدخروا وسعًا لاستخدام هذه الأسباب، ولكن عليهم مع ذلك وبعد ذلك ألَاّ يجعلوا معتمَدهم إلا على توفيق الله ﷿ ونصره، وألَاّ يلجئوا بقلوبهم وبثقة أفئدتهم وبعقولهم إلا إلى نصر الله ﷾ وتأييده، وإنكم لتعلمون أن رسول الله في هجرته لم يدخر وسعًا في تجنيد كل الوسائل المادية التي وضعها الله ﷾ بين يديه لإنجاح عمله مهاجرًا من مكة إلى المدينة، فقد أخذ الرسول ﷺ بالأسباب الكاملة في هجرته وكأنها كل شيء، لم يدعْ النبي مكانًا للحظوظ العمياء، فما من ثغرة إلا وقد غطاها الرسول ﷺ، هيأ رجلًا يأتيه بالأخبار، وهيأ رجلًا يمحو الآثار، وهيأ من يأتيه بالطعام والشراب، وهيأ خطةً تبعد عنه الشبه اتجه جنوب مكة، واستقر في غار ثلاثة أيام حتى يخف الطلب عنه، وهيأ دليلًا غلب فيه الخبرة على الولاء ولم يدع ثغرةً إلا وغطاها، أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، فلما وصلوا إليه وأصبح أحدهم على بعد أمتار منه وقال الصديق ﵁ لرسول ﷺ: "لو أن أحدهم نظر إلى موطئ قدمه لرآنا". الآن لأنه أخذ بالأسباب طاعةً وأخذ بالأسباب تعبدًا ولم يعتمد على الأسباب كما يفعل أهل الغرب، قال الرسول لأبي بكر مطمئنًا له: "يا أبا بكر مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا" ﴿إلَاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ، إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ؛ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا، وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التَّوْبِة: ٤٠] وهكذا عناية الله تكون بعد أن يستنفذ العبد كل الأسباب التي جعلها الله بين يديه فإذا انقطعت ولم تكن فاعلة وجد العبدُ المدد والنصر الإلهي ...
1 / 5