فقد يجيء ما قبل المصدر متعلقًا به من جهة المعنى تعلق المعمول بالعامل، كقول ابن مُقْبل١:
لقد طالَ عن دهماءَ لدِّي وعِذْرتي-وكتمانُها أُكني بأمِّ فُلانِ٢
وكقول عمر بن أبي ربيعة:
ظنُّها بي ظنُّ سوءٍ كُله ... وبها ظنِّي عَفافٌ وكرمْ٣
قال ابن مالك:
فَلَنا في هذه أن نعلق ما تقدم بمصدر آخر محذوف لدلالة الموجود عليه، فيصير كأنه قال: لدِّي عن دهماء لدِّي. وظنِّي بها ظنِّي. فيُتلطف لذلك كله فيما يُؤمن معه الخطأ ويُثبت به الصواب٤.
ويكون هذا التقدير نظير قولهم في قوله تعالى: ﴿وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدينَ﴾ ٥، أنَّ تقديره: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين٦.
١ هو تميم بن أُبيّ بن مقبل، أبو كعب. من بني العجلان. شاعر مجيد مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام فأسلم.
(طبقات فحول الشعراء ١/١٥٠، الشعر والشعراء ١/٤٥٥ - ٤٥٨، الإصابة ١/١٨٩، ١٩٠) .
٢ البيت من " الطويل ".
اللدد: الجدال والخصومة.
الديوان ٣٤٤، أمالي المرتضى ٢/١٧٣، شرح التسهيل ٣/١١٣، التذييل والتكميل جـ٣ لوحة ٢٣٥، شرح شذور الذهب ٣٧٤، شفاء العليل ٢/٦٤٧.
٣ من " الرمل " ومعناه ظاهر.
انظر: الديوان ٣٧٧ برواية " سوءٍ فاحشٍ "، شرح التسهيل ٣/١١٣، التذييل والتكميل جـ٣ لوحة ٢٣٥.
٤ انظر: شرح التسهيل ٣/١١٣، شرح الكافية الشافية ٢/١٠١٩.
٥ من الآية ٢٠ من سورة يوسف.
٦ تلك مسألة تتعلق بتقديم معمول الصلة على الموصول؛ حيث اختلف النحويون فيها على عدّة مذاهب؛ منها: المنع مطلقًا وهو قول جمهور البصريين، وأوَّلوا ما جاء في ذلك من شواهد على أربعة تأويلات؛
أحدها: أنه على تقدير عامل مضمر تقديره: أعني، ففي قوله تعالى: ﴿وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدينَ﴾ يكون التقدير: أعني فيه من الزاهدين..
الثاني: أن يكون التقدير: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين، ويكون قوله: "من الزاهدين" تبيينًا لا صلة. وإذا كان كذلك جاز تقديمه؛ لأنه ليس في الصلة.
والثالث: أن الألف واللام ليست بمعنى "الذي" وإنَّما هي للتعريف كهي في "الرجل".
والرابع: أن الجار والمجرور متعلق بما تعلق به قوله: ﴿مِنَ الزَّاهِدينَ﴾؛ لأن ﴿مِنَ الزَّاهِدينَ﴾ واقع خبرًا وهو متعلق بمحذوف فيتعلق أيضًا بـ "فيه".
انظر: اللامات ٥٨، ٥٩، المسائل البغداديات ٥٥٨، التبصرة والتذكرة ١/٢٧٧، الأمالي لابن الحاجب ١/١٥٢.