قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (١)، وَإِنَّمَا ابْتَغَى الأَكْلَ مِنْ طَرِيقِ الأَفْضَلِ، ولِهَذَا أَوْرَدَ النَّبِيُّ ﷺ قِصَّتَهُ في مَقَامِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ خَيْرَ الكَسْبِ عَمَلُ اليَدِ، وهَذَا بَعْدَ تَقْرِيرِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لنَا، ولاسِيَّمَا إِذَا وَرَدَ في شَرْعِنَا مَدْحُهُ وتَحْسِينُهُ مَعَ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ (٢).
٣ - وفِيهِ أَنَّ التَّكَسُّبَ لَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ.
٤ - وفِيهِ أَنَّ ذِكْرَ الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ أَوْقَعُ فِي نَفْسِ سَامِعِيهِ (٣).
* شُهُودُ النَّبِيِّ ﷺ حَرْبَ الفِجَارِ (٤):
وَلَمَّا بَلَغَ الرَّسُولُ ﷺ خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً، وَقِيلَ عِشْرُونَ سَنَةً، هَاجَتْ حَرْبُ الفِجَارِ، وكَانَتْ بَيْنَ قُرَيْشٍ، وَمَنْ مَعَهَا مِنْ كِنَانَةَ، وبَيْنَ قَيْسٍ وَأحْلَافِهَا، وكَانَ قَائِدُ قُرَيْشٍ، وكِنَانَةَ: حَرْبُ بنُ أُمَيَّةَ، وَكَانَ الظَّفَرُ فِي أوَّلِ النَّهَارِ لِقَيْسٍ عَلَى قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ، حتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطِ النَّهَارِ كَانَ الظَّفَرُ لِقُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ عَلَى قَيْسٍ، وَقَدْ شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْضَ أيَّامِهِ، وكَانَ يَنْبُلُ عَلَى عُمُومَتِهِ: أيْ يُجَهِّزُ لَهُمُ النَّبْلَ لِلرَّمْي، وقِيلَ يَرُدُّ عَنْهُمْ نَبْلَ عَدُوِّهِمْ (٥).
(١) في سورة "ص" آية (٢٦).
(٢) سورة الأنعام آية (٩٠).
(٣) انظر فتح الباري (٥/ ٢٧).
(٤) الفِجَارُ: بكسر الفاء علي وزن قِتَال، سُمِّيت بذلك لِوُقُوعِهَا في الأشهرِ الحُرُمِ التي حرم اللَّه فيها القتال. انظر النهاية (٣/ ٣٧١).
(٥) انظر سيرة ابن هشام (١/ ٢٢١) بدون إسناد - وانظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (١/ ٦٠).