174

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

জনগুলি

ويَدُلّ على أنَّ هَذا كَان بَعْد خَلْق آدَم ما جَاء في الرِّوَاية الثَّانِية، وفيها: لَمَّا خَلَق اللهُ آدَم ونَفَخَ فِيه الرُّوح عَطَس، فقال: الْحَمْد لله، فَحَمِد الله بإذْنِه، فقال له رَبُّه: رَحِمَك الله يا آدَم. اذْهَب إلى أولَئك الْمَلائكَة - إلى مَلإٍ مِنْهم جُلُوس - فَقُلْ السَّلام عَليكم، قَالُوا: وعَليك السَّلام ورَحْمَة الله، ثم رَجَع إلى رَبِّه، فَقال: إنَّ هَذِه تَحِيَّتُك وتَحِيَّة بَنِيك بَيْنَهم، فَقَال اللهُ لَه، ويَدَاه مَقْبُوضَتَان: اخْتَر أيهُمَا شِئت. قال: اخْتَرْتُ يَمِين رَبِّي، وكِلْتا يَدَيّ رَبِّي يَمِين مُبَارَكة، ثم بَسَطَها فإذا فِيها آدَم وذُرِّيَّتُه، فقال: أيْ رَبّ! ما هؤلاء؟ فقال: هَؤلاء ذُرِّيَّتُك (^١). والقَول بالتَّقْدِيم والتَّأخِير مُتَّجِه، أي أنَّ الْمَعْنى: أنَّ الله خَلَق آدَم ﵇، ثُمَّ قَال للمَلائكَة: اسْجُدُوا لآدَم، ثُمّ صَوَّر بَنِي آدَم. والقول بأنَّ (ثُم) تَأتي بِمَعْنى (الواو) لَه حَظّ مِنْ النَّظَر. قال الفَيّومي: (ثم) حَرْف عَطْف، وهي في الْمُفْرَدَات للتَّرْتِيب بِمُهْلَة. وقَال الأخْفَش: هي بِمَعْنى (الواو)، لأنها اسْتُعْمِلَتْ فيما لا تَرْتِيب فِيه، نَحو: وَالله ثُمَّ وَالله لأفْعَلَنّ .... وأمَّا في الْجُمَل فلا يَلْزَم التَّرْتِيب، بَلْ قَدْ تَأتي بِمَعْنى (الواو)، نَحْو قَوله تَعالى: (ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ) [يونس: ٤٦] أي: والله شَاهِد عَلى تَكْذِيبِهم وعِنَادِهم، فإنَّ شَهادَة الله تعالى غير حَادِثة، ومِثْله: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [البلد: ١٧] (^٢).

(^١) رواه الترمذي (ح ٣٣٦٨). وقال الألباني: صحيح (صحيح الجامع ٥٢٠٩). (^٢) المصباح المنير (١/ ٨٤) بتصرّف يسير.

1 / 174