173

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

জনগুলি

كَسُجُود الْمَلائكَة لَه ﵇ بل مِنْ الأمُور السَّارِية إلى ذُرِّيَّتِه جَمِيعًا، إذْ الكُلّ مَخْلُوق في ضِمْن خَلْقِه عَلى نَمَطِه، ومَصْنُوع عَلى شَاكِلَتِه، فَكَأنهم الذي تَعَلَّق به خَلْقه وتَصْويره، أي: خَلَقْنا أَبَاكُم آدَم طِينًا غَير مُصَوَّر، ثم صَوَّرْناه أبْدَع تَصْوير وأحْسَن تَقْويم؛ سَارَ إليكُم جَمِيعًا (^١). رأي الباحث: آدَم خُلِق مِنْ طِين - كما هو معلوم - ثم صُوِّرَ وأُكْرِم بالسُّجُود، وذُرِّيَّته صُوِّرُوا في أرْحَام الأمَّهَات. وأمَّا إخْرَاج ذُرِّيَّة آدم مِنْ ظَهْرِه أمْثَال الذَّرّ، فهذا بَعْد خَلْقِه، وبعد سُجُود الملائكة، ويَدُلّ عليه قوله ﷺ: لَمَّا خَلَق اللهُ آدَم مَسَحَ ظَهْرَه فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِه كُلّ نَسَمَة هُو خَالِقُها مِنْ ذُرِّيَّتِه إلى يَوم القِيامَة، وجَعَل بَيْن عَيْنَيّ كُلّ إنْسَان مِنْهم وَبِيصًا مِنْ نُور، ثم عَرضَهم على آدَم، فقال: أيْ رَبّ! مَنْ هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذُرِّيَّتُك، فَرَأى رَجُلًا منهم فأعْجَبَه وَبِيص مَا بَين عَينَيه، فقال: أيْ رَبّ! مَنْ هَذا؟ فقال: هذا رَجُل مِنْ آخِر الأمُم مِنْ ذُرِّيَّتِك يُقَال له: دَاود، فقال: رَبّ كَمْ جَعَلْتَ عُمُرَه؟ قال: سِتِّين سَنَة. قال: أيّ رَبّ! زِدْه مِنْ عُمُري أرْبَعين سَنَة، فلما قَضَى عُمُر آدَم جَاءه مَلَك الْمَوْت، فقال: أوَ لَم يَبْقَ مِنْ عُمُرِي أرْبَعُون سَنَة؟ قال: أوَ لَم تُعْطِها ابْنَك دَاود؟ قال: فَجَحَد آدَم فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُه، ونَسِي آدَم فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُه، وخَطِئ آدَم فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُه (^٢).

(^١) تفسير أبي السعود (٣/ ٢١٤، ٢١٥)، ومحاسن التأويل، مرجع سابق (٧/ ١٣). (^٢) رواه الترمذي (ح ٣٠٧٦) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقد رُوي مِنْ غَير وَجْه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ. ورواه أحمد (ح ٢٢٧٠) من حديث ابن عباس. وقال الألباني: صحيح (صحيح الجامع ٥٢٠٨).

1 / 173