136

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

জনগুলি

ثم أشَار إلى مَا قِيل في قَوله تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) حيث قال: قال بعضهم: "مَا" للنَّفْي، فَكَأنه يَقول: ولم يُنْزِل على الْمَلَكَين السِّحْر (^١). وذَكَر السَّمعاني القَولين في الآية، ورَجَّح مَا رَجَّحَه ابن جرير، فقال: قوله تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) قُرِئ على النَّفْي، وهو مَحْكِيّ عن عَطية بن عوف. فَعَلَى هذا في الآية تَقْدِيم وتَأخِير، تَقْدِيره: ومَا كَفَرَ سُلَيمَان ومَا أُنْزِل على الْمَلَكَين بِبَابِل هَارُوت ومَارُوت، ولكِنَّ الشَّياطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُون النَّاس السِّحْر ومَا يُعَلِّمَان مِنْ أحَد. وهَذا قَول غَريب. والصحيح أن "ما" بمعنى "الذي" يَعني: والذي أُنْزِل على الْمَلَكَين (^٢). وكذلك قال الثعلبي، فإنه ذَكَر القولين، ثم رجَّح ما رجَّحه ابن جرير والسمعاني قبلَه (^٣). وهذا القَول هو الذي رَجَّحه البغوي أيضًا، فإنه قال: فإن قيل: كيف يَجُوز تَعْلِيم السِّحْر مِنْ الْمَلائكَة؟ قيل: له تأويلان: أحَدُهما: أنهما لا يَتَعَمّدان التَّعْلِيم لَكِن يَصِفَان السِّحْر، ويَذْكُران بُطْلانِه، ويأمُرَان باجْتِنَابِه. والتَّعْلِيم بِمَعْنى الإعْلام، فالشَّقِي يَتْرُك نَصِيحَتهما ويَتَعَلَّم السِّحْر مِنْ صَنْعَتهما.

(^١) بحر العلوم، مرجع سابق (١/ ١٠٦). (^٢) تفسير القرآن، مرجع سابق ١/ ١١٦). (^٣) الكشف والبيان، مرجع سابق (١/ ٢٤٥).

1 / 136