102

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

জনগুলি

وكَان ابن عباس يَرَى أنَّ هذه الآية نَزَلَتْ في اليَهُود الذين كَانُوا بِنَوَاحِي الْمَدِينَة على عَهد رَسُول الله ﷺ تَوبِيخًا لهم في جُحُودِهم نُبُوّة محمد ﷺ وتَكْذِيبِهم به مَع عِلْمِهم به، ومَعْرِفَتهم بأنه رَسُول الله ﷺ إليهم وإلى النَّاس كَافَّة. وقد رُوي عن ابن عباس في تَأوِيل ذلك قَول آخَر … قَال: كَان رسول الله ﷺ يَحْرِص عَلى أن يُؤمِن جَميع النَّاس ويُتَابِعُوه عَلى الْهُدَى، فَأَخْبَرَه الله جَلَّ ثَناؤه أنه لا يُؤمِن إلَّا مَنْ سَبَقَ لَه مِنْ الله السَّعَادَة في الذِّكْر الأوَّل، ولا يَضِلّ إلّا مَنْ سَبَقَ لَه مِنْ الله الشَّقاء في الذِّكْر الأوَّل. وذَكَرَ ابن جرير بَقِيَّة الأقْوَال ثم قَال: وإن كَان لِكُلّ قَوْل مِمَّا قَالَه الذين ذَكَرْنا قَولهم في ذَلك مَذْهَب. وأمَّا عِلَّتُنا في اخْتِيارِنا مَا اخْتَرْنا مِنْ التَّأوِيل في ذَلك، فهي أنَّ قَول الله جَلَّ ثَنَاؤه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) عَقيب خَبَر الله جَلَّ ثَنَاؤه عن مُؤمِني أهْل الكِتَاب، وعَقيب نَعْتِهم وصِفَتهم، وثَنَائه عَليهم بإيمانِهم بِه وبِكُتُبه ورُسُله، فَأوْلى الأمُور بِحِكْمَة الله أن يُتْلِيَ ذلك الْخَبر عن كُفَّارِهم ونُعُوتِهم، وذَمّ أسبَابَهم وأحْوَالِهم، وإظْهار شَتْمِهم والبَرَاءة منهم؛ لأن مُؤمنيهم ومُشْرِكِيهم - وإن اخْتَلَفَتْ أحْوَالهم بِاخْتِلاف أدْيَانهم - فإنَّ الْجِنْس يَجْمَع جَمِيعهم بِأنهم "بَنو إسرائيل". ومما يُنْبئ عن صحَّة ما قُلْنا من أنَّ الذين عَنَى الله تَعالى ذكْرُه بقَوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) هُمْ أحْبَار اليَهُود الذين قُتِلُوا على الكُفْر ومَاتُوا عليه اقْتِصَاص الله تَعالى ذِكْرُه نَبأهم، وتَذْكِيره إيّاهم مَا أخَذَ عَليهم مِنْ العُهود والْمَوَاثِيق في أمْرِ محمد ﵊ بَعْد اقْتِصَاصِه تَعالى ذِكْرُه مَا اقْتَصَّ مِنْ أمْرِ الْمُنَافِقِين. وأمَّا مَعْنَى الكُفْر في قَوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) فإنه الْجُحُود، وذلك أنّ الأحْبار مِنْ يَهُود الْمَدِينَة جَحَدُوا نُبُوَّة محمد ﷺ، وسَتَرُوه عَنْ النَّاس، وكَتَمُوا أمْرَه، وهُم يَعْرِفُونه كما يَعْرِفُون أبْناءهم.

1 / 102