ইসলাম বিপ্লব ও নবীদের নায়ক: আবুল কাসেম মুহাম্মদ ইবনে আবদুল্লাহ
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
জনগুলি
وما هذا النفود الكبير الذي يمتد من الجوف إلى اليمن سوى رقعة واحدة من رقاع شبيهة به؛ أهمها وأعظمها ذلك الربع الخالي الذي ألف في وصفه الحاج عبد الله فيليبي كتابا بعد أن جاس خلاله.
وإذا ودعت النفود الكبير بطعوزه وأفلاقه وشعابه وقعوره وخبوبه وآباره وأشجاره ومفارق طرقه ودروبه، وأجوائه التي تتراوح بين حرارة الغليان وشآبيب البرد في اليوم والليلة، فإنك مقبل على الدهناء والقنيفذة والسر ودلقان والشقيقة؛ وكلها نفود صغيرة كالمواليد الجربانة في حضن والدها الأكبر الذي اضطجع بجانبها وجعلها حدا فاصلا بينه وبين الربع الخالي؛ وهو نفود أعظم لا تدرك أطرافه، يلم بين تلك الأطراف والحواشي عوالم من الرمال الرقيقة الناعمة التي تسمى بالأحقاف؛ وهي من نوع رمال بعض شواطئ أيقوسة؛ فهي مغراق تبتلع الأجسام الثقيلة التي تطؤها، وهي خداعة كأمواج البحر، وهي مسحورة تخفي الناس قبل أن يتنبهوا لسحرها، وهي ناعمة كالمرأة الفتانة التي تحوطك بذراعيها لتخدرك قبل أن تفترسك، وهي غزيرة متراكمة كالكلمات التي تغريك بها الكاهنة لتسلب لبك قبل أن تسلب مالك وتمتص دمك. هل هي رمال أم محط رحال الجن ومسكن الشياطين، ومدخل مدهون بأزهى الألوان يؤدي بداخله إلى وادي الفناء؟
نعم، إنه الربع الخالي، بل محيط المحيط من الرمال؛ هضاب وكثبان ووديان، أوقيانوس أرضي له أمواجه وتياراته، وكما أن في قاع المحيط وحوشا مائية مهولة كالأخطبوط، كذلك في الربع الخالي قبائل موغلة في الوحشية وقادرة - لبعدها عن حدود الحياة البشرية - أن تتحمل شظف العيش ومتاعب الحياة كأنها كلمات مهجورة على هامش صحيفة مبهومة الكتابة، كلمات لم تحوها حروف الهجاء المعروفة لنا، بل معروفة لأجيال سابقة انقطعت بيننا وبينها صلات الحياة. هل كان هذا الربع الخالي قاعا للبحر قبل التاريخ؟ للبحر الذي كان يغمر الأرض من أعلاها إلى أسفلها ومن شرقها إلى غربها؟ هل يكتشف العلماء بقايا متحجرات مائية تزيح لنا الستار عن هذه الحقيقة الباهرة؟
وكأني بالطائر المحلق في سماء هذا الربع الخالي وقد تجلت له تلك الرقعة العجيبة بألوانها الحمراء، وكثبانها الغنية بالرمال، وتلالها المستديرة كأنها حدوة الفرس أو شق الهلال، وبجوارها سلاسل بيضاء متوازية كأنها جبال من لبن متجمد في وسط وعاء ضخم من النحاس الأحمر، وفي جوف الوعاء لبن يترقرق، فإذا ما أمعن النظر بدت له الرمال البيضاء المتماوجة.
وفي ثنايا تلك المفاوز البيضاء والحمراء والهضاب الوردية والوديان الصفراء ذلك البحر السافي الذي ورث عن أبيه البحر القديم غريزة الهلاك؛ فما البحر السافي سوى تلك الرمال الرقيقة التي تبتلع الأثقال التي تطؤها.
وليست المياه في تلك النفود والصحاري معدومة، ولكنها نادرة ندرة خير منها عدمها؛ فأكثر هذا النادر مر الطعم لا يستساغ ولا يطفئ ظمأ ولا ينبت زرعا، وبعضه ملح أجاج لا يشرب ولا يذاق، وقليل منه في الآبار العميقة يشرب لأنه لا يوجد ماء سواه، بل يعد المسافر نفسه سعيدا إن ورد عين ماء بعد طول الشقة وشدة الحرمان، وقد تشد رحالك ما يزيد على مائتي ميل فلا تجد ماء من أي نوع من الأنواع، وحيث لا ماء فلا حياة للنبات والحيوان والإنسان.
وإن معنى الآية الشريفة:
وجعلنا من الماء كل شيء حي
لا يتجلى لك على ضفاف النيل أو الفرات حتى يكثر الزرع والضرع وتظهر نعمة الله على الخلق بفضل الخضرة والماء، ولكن معنى تلك الآية يتجلى واضحا قويا حيال ذلك العدم المطلق في تلك الصحاري المقفرة التي زادها الظمأ والجفاف إقفارا وفقرا، ونقلها من عالم الحياة إلى وادي الموت والعدم؛ فالحياة لا تدب إلا حيث السواقي والمراعي والآبار والواحات، والكائن الحي لا يهجر إلا القحط والعطش، ولا يفر إلا من المفاوز والمخاطر، والسائح والمسافر لا يسيران إلا في طريق معبدة ممهدة تخترقها القوافل حتى وإن كانت حواشيها وهوامشها ملآنة بالهياكل العظمية للإبل والبشر، فإنها لا تزال مأمونة ما دامت مطروقة، وإن كانت تحتفظ بآثار الموت الطارئ، بل إن آثار هذا الموت الطارئ دليل على أن الحياة مرت من هنا وهناك؛ لأنه لا يوجد الموت إلا حيث كانت الحياة، وهذه العظام النخرة، وتلك الجماجم ذات الأعين المفقوءة، والمحاجر العميقة الراقدة في جنب جماجم الإبل؛ تدل على أن الإنسان والحيوان قد مرا بتلك الفدافد، وما زال الإنسان ورفيقه يجد السير ويدأب حتى أدركه الموت على صورة من الصور، وكأن تلك العظام إذا مر بها النسيم سحرا تنادي أشباح المسافرين المسرعين في وادي الموت «ألا أيها الركب المجد! كما أنت مجد، كذا نحن كنا مجدين، وكما نحن راقدون كذا أنتم ترقدون!»
ولا عجب؛ فإن هذه الطرق التي كانت تخترقها القوافل قد انعدمت وضاعت آثارها بعد أن هجرها المسافرون والتجار، ولأن الرياح الشديدة الهبوب تسفي الرمال بغير حساب، فإنها تغير معالم الأرض وتحول طبيعتها وتنقل كثبان الرمال من مكان إلى مكان، وحسنا فعلت القوافل بهجرها تلك المفاوز والمغاور، وحسنا فعلت الرياح بتغيير تلك المعالم؛ فلا خير والله في أرض يخرج منها ماء وينبت فيها عشب إن ارتوى منهما الحيوان ورعى ضاع لون دمه الأحمر القاني، وانقلب أسود فاحما! وسواء أكانت تلك الفدافد والمفاوز تخفي في أحشائها آثار عمران قديم أو بقايا حضارة بائدة تدل عليها خرائب وقلاع وحصون وديار شامخة وقصور أمست دامرة بعد أن كانت عامرة، أم تخفي براكين عظيمة خامدة سكنت بعد حركة وهدأت بعد غليان، وانطفأت نيرانها التي كانت متأججة، وهبطت حرارتها التي كانت متوهجة، ولم تخلف بعد موتها سوى أحجار محترقة؛ فهي على الحالين لا تنطوي إلا على الخراب بعد العمران، والخمود بعد الهيجان، والموت بعد الحياة. إن كانت ثمة حضارة فقد اندثرت، وإن كانت ثمة حياة فقد انعدمت، وإن كانت ثمة حرارة أو نار فقد هبطت وبردت وانطفأت.
অজানা পৃষ্ঠা