بعد المكالمة التليفونية بنصف ساعة غادر علي السيد مجلسه ليستقبل القادمة عند الباب. وما لبثت العوامة أن اهتزت هزتها الانسيابية لوقع الأقدام الضاربة فوق الصقالة. وتمنى أحمد نصر لو كانوا أخفوا الجوزة وأدواتها حتى تطمئن القلوب إلى الزائرة، ولكن رجب القاضي أشار إلى أنيس قائلا باستهانة: كرس ورص.
ظهرت من وراء البارافان باسمة الوجه، وتقدمت - يتبعها علي السيد - وهي تتلقى النظرات المركزة في هدوء ودي ودون ارتباك. وقف الرجال جميعا، حتى أنيس وقف في جلبابه الأبيض المنحسر عن أسفل ساقيه، وقام علي السيد بالتعريف التقليدي، واقترح أحمد نصر أن يجيء لها بكرسي، ولكنها رغبت في الجلوس على شلتة، فالتصق رجب - بحركة لا إرادية - بسناء، مفسحا لها مكانا إلى جانبه. واستأنف أنيس عمله وهو يسترق إليها النظر. توقع مما سمع أن يرى شيئا غريبا. وهي حقا ذات شخصية، ولكن أنوثتها جذابة بلا عائق. ورغم ثقل جفنيه رأى سمرتها المتبدية بلا رتوش ، وملامحها واضحة كأناقتها البسيطة، ولكن في نظرتها ذكاء يصد عن اكتناه أغوارها. وخيل إليه أنه رآها من قبل، ولكن في أي عصر من العصور الغابرة؟ وهل كانت ملكة أو من الرعية؟ وعندما استرق إليها النظر مرة أخرى طالعته صورة جديدة! حاول أن يستوعبها، ولكن التركيز أرهقه فحول عينيه إلى الليل.
وأعقب ضجة التعارف والمجاملات المعتادة صمت، وغنت القرقرة مع صرار الليل. وبلباقة لم تخص سمارة الجوزة بأية نظرة قد تنم عن شيء. ولما امتدت بها يد أنيس إليها تلقت الغاب بين شفتيها دون أن تدخن على سبيل التحية، ثم أمرتها إلى رجب، وتناولها رجب وهو يقول: كوني على راحتك.
فالتفتت نحوه قائلة: شاهدتك في فيلمك الأخير «شجرة بلا ثمر»، وأشهد أنك أديت دورك بتفوق رائع.
ولم يكن تواضعه ليخجل من الثناء، ولكنه تساءل في حذر: رأي أم مجاملة؟ - بل رأي، وهو رأي الملايين.
ونظر أنيس من خلال الدخان إلى سناء، فرآها تروض خصلة شعرها المتمردة، وابتسم. المدير العام نفسه بما له من سلطة تنص عليها اللائحة العامة للشئون المالية والإدارية لا يتجاوز اختصاصه شئون الوارد والصادر. وثمة آلاف من الشهب تتناثر من الكواكب لتحترق وتتبدد، منهالة على جو الأرض دون أن تمر بالأرشيف أو تسجل في دفتر الوارد، أما الألم فقد خص به القلب وحده.
وإذا بسمارة تقول مخاطبة خالد عزوز: أما أنت فآخر ما قرأت لك أقصوصة الزمار.
ثبت خالد النظارة على عينيه، فاستطردت: الزمار الذي انقلب مزماره إلى حية تسعى.
فقال مصطفى راشد: وقد استحق منذ نشرها أن يدعى بحق خالد الحنش! - قصة غريبة ومثيرة.
فقال علي السيد: صديقنا نجم مدرسة الفن للفن، ولا تتوقعي أن ينبثق من عوامتنا فن آخر!
অজানা পৃষ্ঠা