আমাদের সংস্কৃতি প্রজন্মের মুখোমুখি
ثقافتنا في مواجهة العصر
জনগুলি
ولن نجني من الحق شيئا، إذا نحن اكتفينا في هذا المجال بكلمات نحرك بها شفاهنا، دون أن تكون صادرة منا عن اقتناع وإيمان؛ إذ ما أيسر على المتكلم أن يدعي لنفسه الصفتين معا: صفة العروبة الأصيلة، وصفة التحضر بحضارة العصر، فإذا ما تناولنا حياته الفعلية بالتحليل الموضوعي الدقيق، ألفيناه واحدا من ثلاثة: فإما هو قد خلا من الأسس الأصيلة في الثقافة العربية، مكتفيا في حياته بعناصر متنافرة جمعها لنفسه من هنا وهناك من ظواهر الثقافة العربية، أو هو قد ملأ نفسه بثقافة عربية صرف، حتى انسدت دونه أبواب العصر، فلا يدري من أمر هذا العصر شيئا، أو هو قد أخرج وفاضه خاليا من الثقافتين جميعا؛ فلا هو إلى أولئك ولا إلى هؤلاء. تلك صور ثلاث أراها تستنفد الكثرة الكاثرة من أبناء الأمة العربية، وأما الصورة الرابعة التي هي صورة العربي وقد جمع في كيانه وحدة عضوية متسقة متماسكة، قوامها أصول رئيسية من التراث العربي، وأصول رئيسية أخرى من مقومات عصرنا الحاضر، فلن تجدها متمثلة إلا في نفر قليل، تكاد تشير إلى أفراده في أرجاء الوطن العربي؛ لأنهم بهذا الجمع الحقيقي بين الثقافتين في حياة واحدة، قد برزوا عن غمار الناس بروزا لا يخطئه البصر.
2
إن الموقف الحضاري للأمة العربية اليوم، يتركز في سؤالين، لو أحسنا الإجابة عنهما، تبدت لنا حقيقة ذلك الموقف جلية لا يشوبها غموض؛ السؤال الأول هو: ما هي أهم العناصر التي نعنيها حين نتحدث عن «الشخصية العربية الأصيلة»؟ وأما السؤال الثاني فهو: ما هي أهم العناصر التي تتألف منها بنية الثقافة العصرية؟ فبعد الإجابة عن هذين السؤالين، تكون أمامنا صورتان، وقد يسهل علينا بعد ذلك أن نلتمس السبيل إلى خلق المركب الواحد، الذي يضم ما يمكن ضمه من أجزاء الصورتين، دون أن تضيع من أيهما صفة جوهرية فينتفي بذلك وجودها.
ولنبدأ بسؤالنا الأول: من نحن على الأصالة؟ ما هي مقوماتنا التي إذا تحققت في فرد أو في مجموع قلنا عنه إنه عربي أصيل من الناحية الثقافية؟ لست أطمع في أن تجيء الإجابة شاملة لكل هذه المقومات، بحيث لا يفلت منا شيء منها، وحسبنا أن نقع على طائفة من المقومات الأساسية فنهتدي فيما نحن بسبيله.
وأول ما يرد إلى خاطري من الخصائص المميزة للوقفة العربية، العقيدة الراسخة بمستويين من الوجود، بحيث يستحيل علينا استحالة قاطعة، أن نخلط بينهما في التصور؛ فهنالك الذات الإلهية الخالقة، ثم هنالك عالم الكائنات المخلوقة لتلك الذات، وبين هذه الكائنات المخلوقة، كائن أراد له خالقه أن يتميز ليحمل إلى الدنيا أمانة اؤتمن على حملها ونشرها، وذلك هو الإنسان. في هذا الإطار العام، تتحدد وجهة النظر العربية الأصيلة، وعن هذا الأصل الأول تتفرع فروع:
منها أن الإنسان كائن خلقي، بمعنى أنه مكلف بأن يحقق في سلوكه قيما أخلاقية محددة معينة، أمليت عليه ولم تكن من اختياره، فليس من حقه أن ينسخ بعضها، أو أن يضيف إليها ما يناقضها، ولما كان هذا التكليف الأخلاقي لا يكتمل معناه إلا إذا كان الفرد الإنساني مسئولا عما يفعل، فإن هذه المسئولية الأخلاقية بالنسبة لكل فرد على حدة، تصبح أمرا لا مفر منه، فلا يجوز أن يحملها فرد عن فرد آخر، قد تجد في الثقافات الأخرى أنماطا أخرى، بل إن في عصرنا هذا نمطين آخرين لا يلتئمان مع الوقفة العربية التي ذكرناها؛ أحدهما يقول إن القوانين الأخلاقية كغيرها من القوانين، هي وليدة الحياة الواقعة، فما قد ثبت على التاريخ أنه نافع جعلناه قانونا خلقيا ننظم به سلوكنا، وما قد تبين على التاريخ أنه ضار، حذفناه من قائمة الأفعال المقبولة، ولما كان النفع والضرر يتغيران بتغير الظروف، وجب علينا أن ننظر إلى مبادئ الأخلاق على أنها نسبية لا مطلقة، بحيث نكون على استعداد لأن نغير منها ما لا بد من تغييره؛ لئلا يقف عقبة في سبيل التقدم مع ما يقتضيه الزمن وحضارته.
ذلك أحد النمطين الآخرين، وأما النمط الآخر فيقول أصحابه إن المسألة هنا ليست مرهونة بتقدم أو تأخر في طريق الحضارة، ولكنها مسألة الإنسان وحريته المطلقة في أن يتخذ لنفسه ما شاء من قرار؛ بشرط أن يكون مسئولا عن قراره ذاك، فليس هنالك أحد فوقه أو إلى جانبه يملي عليه ما يجب وما يجوز، بل هو البادئ بقراره بدءا غير مسبوق بمبدأ صاغه سواه.
وواضح أن الوقفة العربية الأصيلة مختلفة عن كلا النمطين من حيث المبدأ والأساس، حتى وإن اتفقت معهما في النتيجة؛ فهي مختلفة عن النمط الأول الذي يجعل المعول في السلوك الإنساني الصحيح على التجارب، على حين أن الوقفة العربية تفترض أسبقية المبدأ الخلقي على التجارب، فالصواب صواب، والخطأ خطأ، بغض النظر عن النجاح أو الفشل في تجارب الحياة العملية، وليست حدود الصواب والخطأ من صنع الإنسان، ولكنها حدود شاءها الله للإنسان.
والوقفة العربية مختلفة عن النمط الثاني كذلك، الذي يجعل القرار الإنساني غير مسبوق بمعيار؛ وذلك لأن وجهة النظر العربية - كما ذكرنا - تفترض أسبقية المعيار الذي يقاس به القرار في صوابه أو خطئه، وسؤالنا - في حدود هذه النقطة الأولى - هو: هل يمكن التوفيق بين أن يكون الإنسان عربيا يحمل هذه الوجهة من النظر، وأن يكون في الوقت نفسه معاصرا يتطور مع الزمن وتغيراته السريعة؟ لست أدعي ها هنا بأن مشكلة التوفيق - في هذا الجانب - بين الأصالة والمعاصرة هنة هينة، ولكنها على كل حال مشكلة تستحق منا النظر الطويل والعميق؛ لأننا لو أمسكنا بالقيم الثابتة الموضوعة لنا، تعرضنا لخطر الجمود، ولو سبحنا أحرارا مع تيار التغير، تعرضنا لزوال الشخصية وانحلالها، وغاية ما أستطيع قوله في هذا الصدد، هو أن قيمنا الأخلاقية الموروثة فيها من السعة ما يمكننا من التصرف في إطارها بدرجة من الحرية تكفي للحركة مع سرعة الإيقاع في عصرنا، وليكن الأمر في هذا شبيها بالأمر في تكوين ألفاظ اللغة من حروف الأبجدية؛ فالحروف محددة معلومة العدد، ومع ذلك ففي مستطاعنا أن نبني بها ألفاظا تعد بملايين الملايين إذا أردنا، فلماذا لا نقول إن مبادئنا الخلقية الموروثة هي أسس يمكن أن نبني عليها ما لا حصر له من ضروب العمل؟ إن هذه القيم الموروثة ماثلة في أسماء الله الحسنى؛ لأن هذه الأسماء - كما يقول الإمام الغزالي - هي صفات تكون مطلقة بالنسبة لله تعالى، وهي نفسها تكون نسبية محدودة بالنسبة للإنسان، فاقرأ هذه الأسماء تعلم ماذا يطلب منك أن تكون؛ يطلب منك - مثلا - أن تكون عليما، بصيرا، سميعا، قادرا، صبورا، إلى آخر هذه الصفات العليا، فما الذي يمنع من مسايرة العصر بهذه الصفات؟ ما الذي يمنع أن أكون عليما وبصيرا وسميعا بحقائق عصري وما تتطلبه الحياة فيه؟ وأن أكون قادرا وحكيما وجسورا وقويا وخبيرا، وكلها صفات من تلك الصفات المطلوبة مني بحكم عقيدتي؟ كل الذي يطلب مني في هذا المجال، هو أن أفهم من كل صفة جوانبها التي تكون أقرب إلى العصر، فأكون عليما بعلم العصر، وقادرا بقدرة العصر، وقويا بقوته، وحكيما بحكمته، وهلم جرا.
3
অজানা পৃষ্ঠা