وهناك نوع آخر من الذكر لا يكون إلا إذا كان المرء في حال بينها وبين تلك الحال التي وقع له فيها النعيم الزائل صلة، فإذا أسعده في ليلة الاثنين مثلا ذكر هذه الليلة حين تعود في كل أسبوع، وفي مثل ما نعني يقول ابن المعتز:
يا ليلة نسي الزمان بها
أحداثه كوني بلا فجر
باح الظلام ببدرها ووشت
فيها الصبا بمواقع القطر
ثم انقضت والقلب يتبعها
في حيث ما وقعت من الدهر «يعني بقوله: وشت فيها الصبا بمواقع القطر؛ أن القطر إذا وقع على الأزهار ذات الرائحة الطيبة أخرج تلك الرائحة، فتأتي ريح الصبا تحملها إلى كل مكان، فكأنها تشي بالأزهار وتبيح سرها المعطار.»
الذكر نوعان: ذكر النعيم الزائل، وذكر الشقاء الزائل. أما ذكر النعيم الزائل فإنه يبعث ابتهاجا في النفس؛ لأن ذلك النعيم كان من نصيبها، ويبعث أسفا لأنه لم يدم لها، ويختلف مقدار الابتهاج ومقدار الأسف. أما ذكر الشقاء الزائل فإنه يبعث الابتهاج للخلوص منه، والأسف لأنه حدث والخوف من أن يعود.
الذكر أشباح وأرواح تعمر الخاطر الخرب فتثأر لذلك العهد الميت. أيها الزمان الخالي، أشد ما نعاني من ذلك الحجاب المنوع الذي تضعه بيننا وبين لذاتنا البائدة، وأحبابنا الألى ذهبت بهم حوادث الأيام كل مذهب، ولكنك لا تعلم أيها الغصوب أنك تحجب عنا أجزاءنا وأشياء من حنيات قلوبنا. على أننا نستعين بالذكر والأماني في إزاحة حجابك، وهي قديرة على إسعادنا.
متى إن تكن حقا تكن أحسن المنى
অজানা পৃষ্ঠা