النعيم إذا مضى استحال إلى ألم
يعني: أن الذكر يبعث الحسرة على فواته، ولكنها حسرة لذيذة رقيقة معسولة، تتمشى في الخاطر كما يتمشى النسيم البليل على وجه التعب.
ولم أجد أحدا شعر بتلك الصلة المتينة التي بين الذكر والأماني مثل ما شعر بها الشاعر العربي عنترة؛ حيث يقول:
ألا قاتل الله الطلول البواليا
وقاتل ذكراك السنين الخواليا
وقولك للشيء الذي لا تناله
إذا أبصرته العين يا ليت ذا ليا
لم يحمد الشاعر الطلول؛ لأنها تذكره بمن كان يعمرها، وبتلك الليالي والأيام التي قضاها في أحسن حال حين كان الخطب مأمون الطروق، مخفوض الجناح، ولم يحمد ذكرى السنين التي مضت؛ لأنها كانت لباس لذاته أيام كان وفاء الأصحاب والأحباب يسعده، أيام كان النعيم مضروبة قبابه عليه، أيام كان الحسود متعبا من حمل ثقل الحسد. ثم إن الشاعر لم يحمد في البيت الثاني الأماني لأنه يحسبها خدعة وعناء، ولكن من النفوس نفوسا تسكن إليها، وتتخذها علالة. أما جمع الشاعر بين الذكر والأماني فسببه عرفان أن الأماني تثير الذكر، والذكر يثير الأماني.
وقع الأقدام
وقع الأقدام هو شعر (بكسر الشين) الأرجل، فإن فيه من بلاغة التعبير ولطف التفهيم ما في نبضات القلب، ووقع الأقدام هو للأرجل بمنزلة تلك النبضات للقلب، فتارة يخفق القلب فرحا وتارة يأسا أو أسفا أو أملا، وكذلك الخطى؛ تارة تنم عن جزع وتارة تنم عن فرح أو أمل أو ندم أو جبن. أليست خطى الجبان في الميدان دليلا عليه؟ أليست خطى العاشق قصيدة من قصائد النسيب؟ أليست خطى الجازع تبين عن جزعه؟
অজানা পৃষ্ঠা